Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن
0 seconds of 2 minutes, 31 secondsVolume 90%
Press shift question mark to access a list of keyboard shortcuts
00:00
02:31
02:31
 

معمول عيد الفطر اللبناني في قلب صراع الأجيال

إلى جانب هذا النوع من الحلويات تلجأ النساء لشراء أنواع مختلفة من الكعك والشوكولاتة

ملخص

يمتلك "المعمول" شهرة منقطعة النظير في لبنان، لا تكتمل من دونه مائدة العيد وبخاصة عيد الفطر. وهو أكثر من مجرد حلوى، إنه جزء من الذاكرة الجماعية لسكان بلاد الشام، ويدخل إعداده في صلب التقاليد الاجتماعية والمنظومة الثقافية.

يتفق كبار السن والجيل الشاب من النساء والرجال على أنه "لا يكتمل العيد من دون المعمول"، إلا أنه ما إن يقترب العيد حتى يدب الخلاف حول طريقة تحضيره وكيفية تأمينه بين جيل وآخر. فقد دخل كعك العيد في لبنان "حلبة صراع الأجيال"، بين جيل متقدم في السن يصر على "طقوس الجمعة العائلية" داخل المنزل، وبين شريحة واسعة من "العرسان الشباب" الذين ينظرون إليه بوصفة سلعة يمكن شراؤها من أي متجر كان، إلا أن الجديد في سوق المعمول هو الدخول المتزايد لسيدات ماهرات في المجال، إذ يلجأن إلى "السوشيال ميديا" لاستقطاب الزبائن لمشاغلهن التي تصنع الحلويات بمعايير تقليدية.

العادات لا تتغير

يتعامل كبار السن مع تقاليد العيد بمعيار "ممنوع المساس، وغير القابل للنقاش"، فهي امتداد ثقافي ووجداني لعادات توارثها الأبناء عن الأجداد منذ مئات الأعوام. ويتجاوز إعداد كعك العيد المعنى الظاهري لإعداد طبق حلوى إلى المعاني التضمينية، فهي انعكاس لترابط أسري وتعاون بين أفراد العائلة لإعداد "الضيافة". منذ قرابة الثمانية عقود، تستمر السيدة حنان 90 سنة بالمشاركة في إعداد المعمول الذي يعد من الأطباق التي لا غنى عنها في أعياد بلاد الشام. وتروي "منذ كنت صغيرة، اعتاد أهالي طرابلس (شمال لبنان) على عادات معينة، في بداية شهر رمضان لا بد من طبخ البياض (أي أطباق بيضاء اللون)، وفي العيد إعداد المعمول وأحياناً الغريبة وأقراص الكبة بالشحمة"، و"يتحلق نساء العائلة لإعدادها قبل أيام، وبكميات كافية لإطعام أفراد العائلة وضيوفهم خلال أيام العيد لكي تتفرغ النساء لاستقبال الضيوف، وعدم إيقاد النار في مطبخ المنزل". وتتحدث عن دور تلك الجلسات في إشاعة أجواء الألفة والبهجة في قلوب العائلة، إذ "يشعر الناس بأن العيد اقترب فعلاً"، متمسكة بأن "الطعام الذي يحضر في المنزل يعد بحب ونوعية عالية، وليس مشغولاً كما هو حال أكل السوق"، كما أن "ربة الأسرة لا تستخدم إلا أفضل المكونات، فيما التاجر يستعمل المواد التي تدر عليه الربح، وليس أقله ما نراه من استبدال البازلاء والألوان الصناعية بالفستق الحلبي".

 

هذا العام، جمعت السيدة بناتها لتحضير كعك العيد، إذ تعاون على عجنه وتقريصه (صناعة أقراص منه) وحشوه وخبزه. وتشدد السيدة حنان "ليست العبرة بكمية الكعك وإنما بصنعه في أجواء عائلية، بوصفه من بركة السنة". ويشكل تقليد اجتماع أفراد العائلة لإعداد المعمول علامة فارقة، إذ يتناوب النسوة على صنع المعمول في كل سهرة من السهرات لمصلحة بيت من بيوت العائلة، علماً أن هذه العادة في تراجع بسبب نمط الحياة الاستهلاكية السريعة.

مشاغل المعمول البيتي

ازدهرت خلال الأعوام الماضية مشاغل صنع الحلويات بمعايير ومقادير منزلية، إذ تستخدم "الشيف" المهارات التي تمتلكها لصنع المعمول بنفس المقادير والنكهة التقليدية. وفي هذا الإطار، تستعرض الشابة دارين مواس تجربتها في صنع الأطباق التقليدية، التي تتسلح بمقولة "لا أعد الأطباق للزبائن إلا بنوعية جيدة كتلك التي أتناولها شخصياً"، متحدثة عن "توارث إعداد المعمول عبر الأجيال، وهناك عدة طرق لتحضيره، وقد تعلمت الطريقة نقلاً عن كبار السن في العائلة، الذين يصرون على أن المكونات الجيدة أساس الجودة، إذ لا يجوز التلاعب بالسمنة البلدية".

وتقر دارين بوجود جيلين "بين جيل قديم يحب الشغل اليدوي المنزلي، وجيل أنهكه العمل وليس لديه وقت، لذلك فهو إما يشتري معمولاً جاهزاً من السوق، أو يستعين بخبرة أحد ما لإعداده". وتشير إلى التطور الذي طرأ على مكونات حشوة المعمول "ففي السابق كانت تقتصر على الجوز، ومن ثم دخل الفستق والتمر، وأحياناً نعد المعمول بحشوة اللوز. ومن غير المستبعد اتباع موجة التريند وظهور معمول بحشوة الكنافة"، معتبرة أن "عيد الفطر لا يمكن أن يمر دون ضيافة مؤلفة من المعمول، والكعك، والشوكولاتة".

اقرأ المزيد

تطورت مسيرة دارين مواس "فقد بدأت مع إعداد المعمول للزبائن ضمن المنزل وبيعه، قبل أن تستأجر محلاً وتخصصه لصناعة الأطباق التقليدية والحلويات"، "ففي السابق اقتصر الزبائن على أفراد العائلة والأصدقاء المقربين قبل أن يتوسع نطاق العمل". وتعود بالذاكرة إلى حقبة اجتماع العائلة لتحضير المعمول "كنا نجتمع في بيت الخالة – أو الجدة - لتحضير المعمول وفق الدور، إلا أنه حالياً الكل نزل إلى سوق العلم والعمل، ولم يعد هناك وقت كاف لتحضيره منزلياً".

تحول اجتماعي

دخلت صناعة المعمول إلى قلب التحولات الاجتماعية، وهو أمر ليس مبالغاً في وصفه أو الحديث عنه بوصفه تغيراً في نمط الحياة بين جيلين. ويتحدث الدكتور المتخصص في علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية محمود العلي عن تطور مستمر للمجتمع الإنساني، ودخول المرأة إلى سوق العمل وتقلدها أعلى مراتب السلم الوظيفي، لذلك لا ضير من الاستعانة بسيدة أخرى "عندها نفس" (في دلالة على طيب مأكولاتها) لمساعدتها وإعداد الأطباق التقليدية بصورة عامة، ناهيك بـ"شريحة من السيدات الغنيات اللاتي يفضلن شراء الراحة وإعداد الأطباق المتعبة من نساء أخريات من ذوات الخبرة الموثوقة". ويسلط العلي الضوء على "بعد وجداني"، إذ تلجأ بعض ربات المنزل إلى تلك السيدات من أجل "تشجيعها بوصفها امرأة عاملة ومكافحة"، وكأنها في اللا وعي تمارس عملاً خيرياً". ويشير العلي إلى أنه "في السابق كانت هناك حال من الخجل في إعلان سيدات عن خدماتهن في مجال إعداد أطباق المطبخ التقليدي، إلا أنه اليوم بات رائجا،ً لا بل أصبح مربحاً في الزمن الحاضر، وأصبحن يمتلك شهرة واسعة بفعل الدعاية التي تمارسها الزبونات خلال الجلسات الصباحية وفق قاعدة من الفم إلى الأذن"، متحدثاً عن انتشار هذا النمط في مختلف البلدان العربية، وتحديداً تلك التي تستقبل مهاجرين ومغتربين، إذ "يبحث الشاب عن طعم قريب لأطباق وحلويات والدته"، و"لا ننسى أن الفرق ليس كبيراً مادياً بين ما يدفعه الزبون، وما تطلبه تلك النساء. ففي حال أراد الشخص شراء المكونات، قد يتكلف مبلغاً مماثلاً إضافة إلى الجهد والتعب وأعمال التنسيق والتنظيف".

المزيد من منوعات