Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

قصة حي المطار خلال الحرب... من يسيطر عليه يحكم السودان

فيه منزل حميدتي وسكن الوزراء وانطلقت منه الحرب بين الجيش و"الدعم السريع"

حي المطار وفيه حديقة منزل حميدتي أعلى اليسار (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

كان الاعتقاد بأن حي المطار من أكثر أحياء العاصمة السودانية أماناً وتحصناً كونه محاطاً بالقيادة العامة للجيش والقاعدة الجوية الخرطوم ومقر جهاز الأمن والاستخبارات ومطار الخرطوم إلى جانب مجاورته لبيت الضيافة الذي هو مقر الرئيس، والذي توفر له درجة تأمين عالية، غير أن الحرب الحالية أثبتت أنه بقدر ما هو حي آمن في أيام وأعوام السلام لكنه في الحرب مكان خطر جداً للسكن فيه.

ضمن معاركه لاستعادة السيطرة على العاصمة السودانية وتحرير مؤسسات الدولة ومقرات المسؤولين، وبعد يومين من تحرير القصر الجمهوري مقر الرئاسة الجمهورية، تمكن الجيش من السيطرة على حي المطار بما فيه منزل الجنرال محمد حمدان دقلو "حميدتي"، قائد قوات "الدعم السريع" ونائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي قبيل اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023، فما هي قصة هذا الحي الرئاسي؟ وكيف واجه أيام الحرب الأولى؟ وماذا عنه الآن؟

القادة والكبار

يستمد الحي اسمه من مجاورته سور مطار الخرطوم الدولي من الناحية الجنوبية الشرقية وهو أقرب أحياء العاصمة السودانية إلى المطار، ويحده من جهة الشرق شارع أفريقيا المؤدي إلى المطار، وغرباً حي الخرطوم (3)، وجنوباً حي العمارات الراقي الذي يضم معظم مساكن الدبلوماسيين والسفراء والموظفين الدوليين ومكاتب المنظمات.

يضم الحي إلى جانب منزل نائب رئيس البلاد مجموعة أخرى من المنازل الحكومية التي يسكن معظمَها وزراء وشاغلو مناصب دستورية بالحكومة المركزية السودانية، بما فيهم الجنرال "حميدتي".

ومن أبرز نواب الرئيس الذين تعاقبوا على الإقامة في هذا المنزل هم الفريق الزبير محمد صالح نائب الرئيس المعزول عمر البشير ثم الحاج آدم يوسف، وسلفا كير ميارديت ثم "حميدتي" كرابع نائب رئيس يقيم بالمنزل حتى اندلاع الحرب.

بحسب معاصرين من قادة الخدمة المدنية كان حي المطار الحكومي حتى نهاية الثمانينيات محل السكن الحكومي لكبار الموظفين في سلك الخدمة المدنية بالدولة إذ تعود ملكية منازل الحي للحكومة وهي التي تقوم بتخصيصها لكبار الموظفين فقط، لكن ونتيجة للتوسع في المناصب الدستورية مع بداية التسعينيات إبان عهد الرئيس المعزول عمر البشير، سطا الدستوريون بصورة تدرجية على الحي وتحول إلى (حي دستوري) معظم سكانه من الوزراء، فضلاً عن منزل مدير جهاز الأمن والاستخبارات وللمرة الأولى يتم تخصيص منزل لنائب رئيس في ذلك الحي سكن فيه الفريق الزبير محمد صالح نائب رئيس مجلس قيادة ثورة الإنقاذ بعد انقلاب البشير في الـ30 من يونيو (حزيران) 1989.

نشأة الحي

تعود نشأة حي المطار السكني العريق إلى فترة ستينيات القرن الماضي، وظل لزمن طويل سكناً لكبار موظفي الدولة من قيادات الخدمة المدنية، ويصنف الحي من الأحياء الراقية ويتميز بالهدوء وقربه من مطار الخرطوم الدولي وتوسطه منطقة حساسة تضم عدداً من المقرات الأمنية والحيوية الأخرى.

أما مجتمع الحي فهو متأثر إلى حد كبير بطابعه الرسمي، إذ تبدو فيه العلاقات الاجتماعية محدودة يغيب فيها التداخل والتواصل إلا في حالات محدودة بحكم أن المجتمع في الحي له خصوصيته وعالمه المختلف عن بقية أحياء الخرطوم الأخرى.

 

 

في هذا الخصوص يُرجع الموظف القيادي السابق في وزارة شؤون مجلس الوزراء، المنصور عمر المنصور، ظهور حي المطار إلى ستينيات القرن الماضي ضمن منظومة من مجمعات المساكن المملوكة للحكومة بمدن العاصمة الثلاث (الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان) وهي مخصصة لإسكان كبار موظفي الدولة كانت عند نشأتها تتبع لوزارة الحكم المحلي، وكان حي المطار بالخرطوم من بين تلك المواقع المخصصة لسكن الموظفين أصحاب الأسر، فيما تم إنشاء مجمع للسكن الحكومي للموظفين (العزاب) أطلق عليه (ميز الهبوب) في موقع غير بعيد عن حي المطار شرق وسط الخرطوم.

سكن الدستوريين

وتابع المنصور "استمر الحي على هذا الوضع حتى السبعينيات حتى صدر قرار من مجلس الوزراء بتبعية كل المجمعات السكنية الرسمية والمنازل الحكومية الموزعة على مدن العاصمة الثلاث إلى البنك العقاري السوداني وكان الحي حتى ذلك الوقت يسكن فيه موظفو الدولة من الخدمة العامة وليس الدستوريين، أبرزهم الأمين العام لمجلس الوزراء".

يردف "لكن بعد بيع البنك العقاري بموجب برنامج خصخصة عدد من المنشآت والوحدات الحكومية، تم إنشاء إدارة متخصصة للعقارات الحكومية داخل الأمانة العامة لمجلس الوزراء لتتولى مهمة إدارة المساكن الحكومية التابعة للدولة من الجوانب كافة.

بعد تضاعف الوظائف الدستورية اختلطت الأوضاع وبدأ تخصيص عدد من تلك المساكن إلى الوزراء بدلاً من الموظفين إذ كان لكل مؤسسة حكومية نصيب محدد مخصص لها من تلك المنازل".

آمن وخطر

لأعوام من أيام السلم التي سبقت الحرب الحالية كان الاعتقاد بأن حي المطار من أكثر أحياء العاصمة أماناً وتحصناً كونه محاطاً بالقيادة العامة للجيش والقاعدة الجوية الخرطوم ومقر جهاز الأمن والاستخبارات ومطار الخرطوم إلى جانب مجاورته بيت الضيافة الذي هو مقر الرئيس، والذي توفر له درجة تأمين عالية، غير أن الحرب الحالية أثبتت أنه بقدر ما هو حي آمن في أيام وأعوام السلام لكنه في الحرب مكان خطر جداً للسكن فيه، إذ عاش سكانه أياماً عصيبة في أول أيام المعارك وبدايات هذه الحرب.

وفق شهود عيان فقد شهد الحي بنهاية شھر رمضان 2023 أي قبل الحرب بأيام قليلة أجواءً مشحونة بالقلق والتكهنات إثر وصول قوات "الدعم السريع" لمحيط مطار مروي شمال البلاد الذي ترافق مع تزايد كبير لوجود قوات "الدعم السريع" داخل حي المطار تحت ستار تعزيز حماية منزل نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الجنرال "حميدتي"، مع مصادفة أن يكون الحي قريباً أيضاً من مقر برج "الدعم السريع" غرب القيادة العامة، وكذلك موقع مدفعيته جوار قاعدة الخرطوم الجویة.

حصار مرعب

مع انفجار الحرب وتصاعد الاشتباكات وجد قاطنو حي المطار أنفسهم محاصرين بصورة مرعبة يصعب معها الفرار بسبب الاشتباكات العنيفة داخل وفي محيط الحي، حيث هاجمت قوات "الدعم السريع" حي المطار بحوالى 200 عربة مسلحة، وتمكنت من احتلال مباني جهاز الاستخبارات العامة، ونشرت شبكات عدة من القناصة على المبنى، واستخدمت صواريخ الـ"كورنيت" والآليات الثقيلة لتحطيم جدران في محاولاتها لكسر دفاعات "قصر الضيافة" مقر سكن الفريق عبدالفتاح البرهان التي أفشلتها قوات الحرس الرئاسي وفريق القوات الخاصة في عملية تصدي وصمود وصفها المراقبون بأنها كانت ملحمة أسطورية هزمت مخطط قوات "الدعم السريع" في القبض على قائد الجيش.

اقرأ المزيد

وبذلك وفق مراقبين، نجحت قوات الحرس الرئاسي التي كانت في تماس مباشر مع قوات "الدعم السريع" بحي المطار، في إفشال مُخطّط استلام السلطة بضربة خاطفة وبدأت خطة مضادة للدفاع عن مقر إقامة الفريق البرهان.

أيام عصيبة

ووصف وزير الصحة الاتحادي هيثم محمد إبراهيم، الذي يسكن بحي المطار لصحيفة "الكرامة" السودانية، نذر الحرب الساعات الأولى لها بأنها كانت لحظات قاسية وشديدة الصعوبة، فقد تحول الحي قبل الحرب إلى ثكنة عسكرية حيث انتشرت آليات الرفع الـ"بوكلن" وأسلحة المدافع الثنائية بصورة كبيرة جداً بالمنطقة.

يضيف إبراهيم "خلال الأيام الثلاثة من الحرب التي أمضيتها داخل الحي كنت في اليوم الأول مع الأسرة لم أخرج لأن الأوضاع كانت صعبة جداً، ولكنني نشطت في إجراء اتصالات لمعرفة الأوضاع، وكنت جالساً أمام التلفزيون وآخر خبر شاهدته هو ضرب الميليشيات لمبنى الإدارة الجوية وبعدها انقطعت الكهرباء تماماً، ثم بعدها بساعات انقطعت المياه".

وتابع "استمر الضرب في اليوم الأول منذ الصباح في اتجاه واحد وفي المساء بدأ ضرب متبادل، وبدأت الأوضاع تسوء وكلما أعتزم الخروج يطلب من كنت أتواصل معهم هاتفياً التريث قليلاً حتى تهدأ الأمور لأن الأوضاع كانت صعبة جداً".

يختتم وزير الصحة تجربته مع أيام الحرب الأولى في حي المطار بالقول "كانت تجربة مرة وقاسية وخلال محاولة خروجنا من الحي تعرضنا لأكثر من مرة لمحاولة إنزالنا والاعتداء علينا ولولا لطف الله وتيسيره لما تمكنا من الخروج ومغادرة المنطقة لنبدأ حياة جديدة".

شارع المطار

ويعتبر شارع المطار القريب من الحي الذي يبدأ مع منعطف شارع أفريقيا في حي العمارات عند شارع (1) أحد أشهر شوارع الخرطوم، فهو عبارة عن سوق كبيرة ممتدة بطول الشارع، ويتميز بالمباني العالية الضخمة التي يقع بها عدد كبير من الفنادق والشقق مما جعل سكانه يعيشون في نطاق محدود، كذلك شارع (61) الذي يربط شارع المطار بالشوارع المهمة لا توجد مقارنة بينهما بالأحياء الأخرى.

ويكتسب الشارع أهميته كذلك من قربه إلى قلب العاصمة حيث المؤسسات والمصالح الحكومية، وتتوفر فيه الخدمات الأساسية بصورة جيدة على رغم ازدحامه بالمحال التجارية والمقاهي مقارنة مع كثير من الأحياء الأخرى بالعاصمة السودانية.

وكشف تحرير الجيش لحي المطار خلال الأسبوعين الماضيين عن مشاهد مأسوية ومحزنة من التدمير والخراب الهائلين اللذين لحقا بمباني الحي الذي كان أحد الأحياء السكنية الشهيرة في العاصمة السودانية، بسبب المعارك والقصف المدفعي والصاروخي والجوي العنيف منذ اندلاع الحرب.

المزيد من تقارير