ملخص
لم يشهد التاريخ السوري الحديث نشاطاً لحركات إسلامية مسلحة إلا في ثمانينيات القرن الماضي وكانت على علاقة بجماعة "الإخوان المسلمين" لتعود مجدداً مع المواجهات بين المعارضة والنظام السوري عام 2011 ثم تصل إلى أقصى تشددها مع سيطرة مقاتلين على مناطق واسعة في البلاد، بخاصة مع ظهور تنظيم "داعش" وتوافد عشرات آلاف المجاهدين الأجانب إلى الأراضي السورية.
يعود تاريخ تدفق المقاتلين الأجانب إلى الفصائل السورية للأشهر الأولى من الحرب في سوريا عام 2011، وحمل هذا الانضمام طابعاً قتالياً مناصراً للسوريين في مواجهة قوات نظام بشار الأسد، ولا سيما بعدما تحولت الاحتجاجات الشعبية إلى مواجهات مسلحة في معظم المناطق.
ويعود تاريخ العمل المسلح الديني لتنظيم "الطليعة المقاتلة" التابع لـ"الإخوان المسلمين" الذي تأسس في نهاية الستينيات من القرن الماضي ودخل في مواجهات عدة مع نظام الأسد الأب، إلا أن ذروته كانت معركة حماة عام 1982، معتمداً بذلك على تاريخ السلفية التي برزت في سوريا خلال عشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته والتي كانت في حيز فكري من دون الولوج في السياسة والحياة العامة.
ولعل دخول المقاتلين الأجانب إلى سوريا ليس الظاهرة الوحيدة من نوعها في الصراعات المسلحة فإنه يعتبر جهاداً دينياً مسلحاً برز ضمن مناطق عدة في العالم كأفغانستان والشيشان والبلقان وليس انتهاء بالعراق حيث قام نظام بشار الأسد بإرسال المقاتلين إليه عقب سقوط نظام صدام حسين لمواجهة القوات الأميركية والتحالف الدولي هناك، في وقت تحولت دمشق إلى محطة ترانزيت للانتقال إلى داخل الحدود العراقية التي كانت تشهد فوضى وتراخياً، فكان من بين أولئك المقاتلين سوريون أشرفت قوى الأمن السورية على تجنيدهم ومتابعتهم ومراقبتهم لدى تنفيذ مهماتهم داخل الأراضي العراقية في مواجهة القوات الأميركية.
وعمد الأمن السوري إلى اعتقال من كان يعود منهم "حياً" وكان من بينهم أفراد نفذوا عصياناً مسلحاً داخل سجن صيدنايا في الحادثة المشهورة التي وقعت خلال صيف عام 2008.
العراق الرافد الأبرز
وشكلت الأحداث والمواجهات والدعاية الجهادية في العراق قرباً جغرافياً وزمنياً وحتى اجتماعياً مع سوريا التي استعرت فيها المواجهات بين القوات النظامية مع بدء تدفق الدعم الخارجي من جهة، مقابل مجموعات مسلحة أسسها ضباط وعناصر منشقون من الجيش السوري مع مسلحين محليين في مناطق مختلفة لتتحول من حال غير منسقة إلى فصائل تحت مسمى "الجيش السوري الحر" الذي لاقى دعم دول عدة من بينها الولايات المتحدة التي سرعان ما تراجعت وأوقفت دعمها، بخاصة بعد تسليم فصائل من "الجيش الحر كميات" من سلاحها إلى "جبهة النصرة" ("هيئة تحرير الشام" لاحقاً) في منطقة إدلب عام 2015.
ومع احتدام القتال بين السوريين وجد تنظيم "القاعدة" الفرصة سانحة للتغلغل في سوريا، فبدأ عناصر "جبهة النصرة" بالمشاركة في خطوط الجبهات إلى جانب "الجيش الحر" أواخر عام 2011 في مواجهة نظام الأسد، لتعلن عن تأسيسها رسمياً بداية 2012 ويزداد معها تدفق المقاتلين الأجانب إلى داخل الأراضي السورية حيث شكل الصراع في هذا البلد بوابة استقطاب كبيرة لهم، فوصل عددهم إلى 360 ألف شخص بالتناوب ما بين مقاتلين وعائلاتهم حتى نهاية عام 2015 وغالبيتهم قاتلوا في صفوف تنظيم "داعش" وكذلك "جبهة النصرة" ودخل معظمهم عبر الأراضي التركية بمن فيهم المقاتلون العرب وكذلك الأتراك الذين شكلوا النسبة الأكبر من الانضمام إلى هذا القتال.
الانقسام مع "داعش"
وظهر الانقسام بصورة مفاجئة بين "داعش" و"جبهة النصرة" في أبريل (نيسان) عام 2013 عقب كلمة لزعيم التنظيم وقتها أبو بكر البغدادي أعلن خلالها دمج "جبهة النصرة" التي كان يترأسها أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) مع تنظيم "داعش" في العراق لتتشكل "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، مما رفضه الجولاني وطالب بالتحكيم والبيعة لأيمن الظواهري زعيم تنظيم "القاعدة" العالمي الذي بدوره ألغى الدمج الذي أعلنه البغدادي وحكم لمصلحة "جبهة النصرة" بإبقاء الجولاني زعيماً لها، مما أثر في المقاتلين الأجانب الذين استجابوا إلى دعوة البغدادي عند إعلان الدمج، في حين بقيت النسبة الكبرى من المقاتلين السوريين مع "جبهة النصرة".
وعلى رغم الأساس الجهادي لدى التنظيمين، فإن "النصرة" كانت أكثر مرونة في التعامل مع الكتائب والفصائل السورية وتعمل بصورة مشتركة مع "الجيش الحر"، خصوصاً أن الأخير كان يستغل اندفاع مقاتلي "النصرة" وثباتهم في القتال ولا سيما الانغماسيون منهم الذي كانوا يقودون عربات مفخخة ويفجرونها في تحصينات القوات النظامية، في حين أن "داعش" كان يفرض السيطرة على "الجيش الحر" ودخل في مواجهات قضت على فصائله في معظم المناطق التي سيطر عليها، بل إن كثيراً من عناصر هذه الكتائب قبلوا الانضمام إلى التنظيم وأصبحوا أمراء ومسؤولين فيه.
وعلى رغم هذا الانقسام، فإن العنصر الأجنبي كان موجوداً لدى التنظيمين، بخاصة أن كثيراً منهم يحملون مزايا القتال في سوريا من حيث الفكر الأيديولوجي والإيمان بالقتال حتى النهاية لأنهم في "مهمة مقدسة"، إضافة إلى خبرات عسكرية جلبوها معهم سواء من كانوا عسكريين وضباطاً في جيوش بلادهم أو مجاهدين في مناطق مختلفة بما فيها الشيشان وأفغانستان وراكموا الخبرات في مواجهة الجيوش النظامية في تلك البلدان.
وبعد القضاء على تنظيم "داعش" عسكرياً وإنهاء سيطرته الجغرافية من قبل التحالف الدولي و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) خلال معركة الباغوز، توزع عدد من عناصر التنظيم بمن فيهم الأجانب في مناطق سيطرة المعارضة السورية المدعومة من تركيا في الشمال السوري وكذلك مناطق شمال غربي البلاد التي كانت مختلطة السيطرة ما بين الفصائل و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة)، في حين أن أكثر من ألفي مقاتل أجنبي وثمانية آلاف من عائلاتهم محتجزون داخل سجون "قسد" ومخيمي الهول وروج في شمال شرقي سوريا.
لكن وزن المقاتلين الأجانب بات في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" وأصبحت غالبيتهم جزءاً من تشكيلته العسكرية كالحزب التركستاني ومقاتلين عرب وطاجيك وإيغور من خارج سوريا وغيرهم ممن يحملون جنسيات مختلفة، فجرت مكافأتهم على القتال في مواجهة النظام السوري السابق ورُقي عدد منهم كضباط في الجيش السوري الذي يجري تأسيسه، في حين أن مطالب دولية توجه لدمشق بضرورة إبعاد العناصر الأجنبية من مراكز القيادة والسلطة في العهد السوري الجديد.