إذا صحّت مقولة أن الموسيقى العظيمة تولد من رحم المعاناة، فلا عجب أن يصبح مسموعاً صوت مغني راب آتٍ من أحد أكثر الأماكن خطورة في العالم.
ليس خفياً على أحد أن بلدات وقرى بأكملها في محافظة إدلب بشمال سوريا باتت خالية من السكان في الأشهر القليلة الماضية، عقب فرار الآلاف من هجوم وحشي شنّته قوات روسيّة وحكومية سوريّة. ويرزح حوالى 3 ملايين مدني تحت الحصار هناك، ويعيش كثير منهم في خيام أو ينامون تحت الأشجار، ويكاد أملهم في الهروب من هجوم مقبل، أن ينضب. في الشهر الماضي، كان الأطفال يُقتلون بمعدل طفل يوميّاً.
تلك المعاناة التي شهدها مغني الراب أمير المعري في مسقط رأسه (إدلب)، ألهمته استهداف الأحزاب المتناحرة في سوريّة في أغنيته التي تحمل عنوان "على كل الجبهات". من المستطاع اعتبار الأغنية بمثابة هجوم عنيف على كل لاعب رئيس في الحرب السوريّة، من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مروراً بالحكومة السوريّة ووصولاً إلى الجماعات الجهاديّة التي تسيطر على إدلب.
في ذلك الصدد، يتحدث أمير (20 عاماً) بكلمات واضحة، "شعرت بحاجة ملحّة إلى التفاعل مع ما يحدث في شمال غربي سوريا المحرّر، من معاناة المدنيين بسبب التفجيرات والهجمات الروسيّة والحكومية السوريّة المشتركة على إدلب، إلى الانتهاكات التي ارتكبتها الفصائل ضد المدنيّين".
تمنح هذه الأغنية صوتاً لأولئك الأشخاص الذين نادراً ما تمكنوا من إسماع أصواتهم خلال الحرب الأهليّة السوريّة. ويعدّ أمير أحد المدنيين الذين وجدوا أنفسهم عالقين في معركة بين جهات متطرّفة في كلا الجانبين. ليس الوحيد في ذلك الشأن. إذ يظهر أكثر من 60 مواطناً من إدلب إلى جانبه في الفيديو، الذي صُوّر في بلدات عبر أرجاء المحافظة دُمّرت خلال أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) المنصرمين. ومن خلال ظهورهم في الأغنية المصوّرة، يعرّض هؤلاء الأشخاص أنفسهم لخطر الانتقام من قِبَلْ الجماعات المسلّحة المحليّة والقوات الحكوميّة.
ويورد أمير بالعربية في أغنيته التي تندرج في موسيقى الـ"راب" "هنا معلب القائد الروسي/ حدّد انتماءك بين "القاعدة" أو الحكم/ لأن صواريخهم لن تصيبك إذا كنت في صفهم/ اذهب وانظر كيف يبدو الشعب بعد مؤتمر سوتشي"، في إشارة إلى محادثات السلام التي جرت في مدينة "سوتشي" الساحلية الروسيّة.
وكذلك يظهر أمير المعري في الفيديو أثناء غنائه الـ"راب" في مدارس اخترق الرصاص جدرانها، إضافة إلى مبان مدمّرة ومدنيّين عاديّين. ويذكر أن الأغنية حققت أكثر من 25 ألف مشاهدة بعد مضي أسبوع على اطلاقها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي تفاصيل ذات صلة، يذكر أن حب أمير المعري لموسيقى الراب بدأ في سن مبكرة ، قبل اندلاع الحرب. وقد نشأ في بلدة معرة النعمان، وهي مدينة كانت تاريخيّاً معادية للجماعات المتطرّفة التي تمكنت من الهيمنة على المعارضة المناوئة لحكم بشار الأسد.
وكذلك ينتمي أمير إلى الجيل الذي نشأ مع الحرب التي أفقدته عديداً من أصدقائه. وفي حديث إلى "الاندبندنت" أشار إلى أن "كثيراً من الشباب في إدلب باتوا يخضعون للاحتجاز منذ بداية الثورة. وانضم آخرون إلى صفوف النظام من أجل القتال، بينما تخلى آخرون عن دراستهم للعمل في صناعات معينة كي يتمكنوا من إعالة أنفسهم. لقد ترك البعض المدرسة والعمل وانضموا إلى صفوف فصائل المعارضة للقتال ضد الأسد وروسيا".
وفي المنحى نفسه، يذكر أمير أسماءً من مؤدي الـ"راب" الأميركيّين أثرت في فنه، وهم توباك شاكور وتِك ناين وآيس كيوب وفرقة "وو تانغ كلان". وكذلك يستمع إلى أغاني "راب" عربيّة للفنانين عمر شيبوبه وبو كلثوم وأنس عربي كاتبي.
ويضيف أمير، "بدأت أستمع إلى موسيقى الـ"راب" في 2008 ، عندما كنت في التاسعة. أنا أحب إيقاعاتها وكلماتها، خصوصاً تلك التي تتماشى مع إيقاع معين". وقد بدأ أمير غناء الـ"راب" قبل أكثر من سنة. واشترى ميكروفون وجهاز كمبيوتر محمول وسمّاعات رأس، ثم بدأ في كتابة أغانيه الخاصة.
"كانت أغنيتي الأولى متواضعة جداً في الإنتاج وهندسة الصوت. علّمني بعض أصدقائي ممن يعيشون في الخارج بعض التقنيات الهندسية عبر الإنترنت بصورة أساسية... تتعمق أغنياتي بشكل رئيس في القضايا السياسية، إضافة إلى القضايا الاجتماعية والمخاطر. كما أكتب أحياناً بهدف اللعب بالكلمات والمعاني والانسيابيّة"، وفق كلماته.
ومع وقوع إدلب تحت التهديد بمزيد من العنف، يأمل أمير أن تصل أغنيته إلى آذان الأشخاص الذين يُلقون القنابل. "آمل أن تصل الأغنية إلى جميع الفاعلين الذين يسيطرون على الوضع الأمني والعسكري والسياسي في الشمال الغربي، خصوصاً أولئك الذين لديهم القدرة على وقف الهجمات التي تستهدفنا".
© The Independent