فازت المترجمة المصرية الشابة يارا المصري بجائزة الدولة الصينية للترجمة، وهي تعد من أصغر المترجمين أو المترجمات من الصينية إلى العربية. ولها حتى الآن تسعة كتب، ما بين رواية وشعر وقصص قصيرة، نقلتها عن الصينية ساعية إلى تقديم المشهد الروائي والشعري الصيني الراهن. ويجمع قراء ترجماتها على متانة لغتها وسلاستها وعمق تقديمها هذه الترجمات. ولعل في اختيارها اللغة الصينية في عمر باكر، مقداراً من التحدي، فاللغة الصينية غير شائعة كثيراً في العالم العربي عطفاً على صعوبتها في الصرف والنحو والإملاء. وكان معظم ما ترجم إلى العربية من الصينية خلال العقود الماضية إنما ينجزه مستشرقون أو مستعربون صينيون أو يترجم من لغة وسيطة هي الإنجليزية أو الفرنسية. درست يارا اللغة الصينية في كلية الألسن في جامعة عين شمس - القاهرة وفي جامعة شاندونغ للمعلمين في مدينة جينان بالصين، نشرت قصصاً ونصوصاً شعرية ودراسات مترجمة عن اللغة الصينية إلى اللغة العربية في مجلات وصحف منها: مجلة العربي، جريدة الأهرام، الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد، أخبار الأدب، وغيرها من الدوريات الثقافية العربية. شاركت في مؤتمر المترجمين لترجمة الأعمال الأدبية الصينية الذي عقد في الصين 2016و 2018، كما شاركت في ورشة للكتابة والترجمة في أكاديمية لوشون للأدب في بكين 2017.
تتحدث يارا المصري عن تجربتها في الترجمة عن الصينية وعن أسباب اختيارها هذه اللغة الصعبة والعقبات التي تواجهها في عملها.
*أنتِ أصغر مترجمة عربية تفوز بجائزة عالمية يمنحها معرض بكين: ما هو انطباعك عن هذه الجائزة ومنحك إياها في مطلع شبابك؟ هل هي جائزة دعائية تسعى إليها دولة الصين من ضمن إستراتجيتها الإعلامية أو الترويجية أم مكافأة لجهودك؟
- الجائزة لا يمنحها معرض بكين الدولي للكتاب، وإنما تمنحها الدولة الصينية ممثلةً في وزارةِ إعلامِها، ويتم توزيعها عشية افتتاح معرض بكين للكتاب، ومن هنا جاء الربط بين الجائزة وهي جائزة "الإسهام المتميز في الكتاب الصيني" والمعرض. وعمَّا إذا كنت أصغر مترجمة فائزة، فإن الجائزة فروع منها فرع لشباب المترجمين، وانطباعي عنها أنها مكافأة لجهد بذلته خلال السبع السنوات الماضية، ترجمت خلالها تسعة كتب ما بين قصة قصيرة وشعر ورواية عن الصينية إلى العربية. وأعتبر الجائزة كذلك تكريماً لشباب المترجمين سواء من اللغة الصينية أو من غيرها من اللغات. وقد سبق أن فزت بجائزة شباب المترجمين التي تمنحها جريدة "أخبار الأدب" عن ترجمتي لرواية "الذوَّاقة" للكاتب الصيني "لو وين فو". وأخيراً هل الجائزة ضمن إستراتيجية الصين الإعلامية أو الترويجية؟ أعتقد أن السؤال هذا يجب توجيهه إلى الجهة المانحة للجائزة، وإن كان يمكن أن أقول ما هو الضير في ذلك، أن يروج بلد ما لثقافته وإبداعه في العالم.
*لماذا اخترتِ الترجمة أولاً؟ من أين أتيتِ إليها؟ هل بدأتِ ككاتبة ثم انتقلت إلى الترجمة؟
- لم أبدأ ككاتبة وإن كان شغف الكتابة يستحوذ على نفسي، وإنما بدأت قارئة، ونشأت في بيت من البيوت التي يعتبر فيها وجود الكتاب جزءاً من حياة الأسرة، نظراً لأن والدي شاعر وقارئ ويهتم بالكتب كثيراً ومكتبته غنية دائماً بالجديد والمتجدد. في هذا البيت نشأت علاقة وثيقة بيني وبين الكلمة، ويمكنني أن أدعي أنني قارئة نهمة جداً، واختياري للترجمة بدأ عقب حصولي على الثانوية العامة، ومع السؤال عن مستقبل الدراسة الجامعية، كنت أميل إلى دراسة العلوم وبخاصة الجيولوجيا. ولكن استقر الأمر بمشورة والدي على دراسة اللغة الصينية لكونها لغة القوة الصاعدة في القرن الحادي والعشرين، بخاصة أنني أتقن اللغة الإنجليزية كذلك، وهكذا اتجهت إلى دراسة اللغة الصينية في كلية الألسن بجامعة عين شمس في مصر وجامعة شاندونغ للمعلمين في جينان في الصين. وفي عام تخرجي 2012 من كلية الألسن كنت بدأت بالفعل في ترجمة نماذج من القصة القصيرة، وهكذا كانت البداية العملية التي ساعدني فيها أساتذة أعتز بهم كالأستاذين الكبيرين المترجمين عن اللغة الصينية حسانين فهمي ومحسن فرجاني.
*من عادة الشباب في العالم العربي عندما يريدون التخصّص في الترجمة أن يلجأوا الى الإنجليزية أو الفرنسية أو أي لغة أوروبية. لماذا اخترتِ اللغة الصينية البعيدة بعض البعد عن ثقافتنا العربية اليومية؟ ما الحافز على اختيارك هذه اللغة الصعبة وغير المتوافرة كثيراً في الأوساط الثقافية؟
-كما قلت أنا أتقن اللغة الإنجليزية منذ دراستي الثانوية، وخلال تلك المرحلة لم يكن وارداً في ذهني أن أكون مترجمة أو مدرِّسة أو طبيبة، كنت شغوفة جداً بالقراءة، وكنت أجد نفسي أيضاً في المواد العلمية البحتة. واختيار الصينية كما قلت كذلك، كان نتيجة نقاش بيني وبين والدي وكانت هذه نصيحته أن أدرس اللغة الصينية، على الرغم من معرفة كلينا أنها لغة صعبة. وإن كانت اللغة الصينية في حد ذاتها بعيدة الحضور في ثقافتنا العربية اليومية كالإنجليزية والفرنسية، فإن الثقافة الصينية ذاتها حاضرة في مفردات كثيرة في حياتنا العربية كالشاي مثلاً والحبر و"الصيني" كما هو اسمه في مصر، أي أطقم الخزف الملون للطعام أو للشاي، وثمة طبقات أعمق لحضور الثقافة الصينية في حياتنا العربية، لأن الصين والمنطقة العربية من مناطق المزج الحضاري والثقافي على مدى آلاف السنين.
*ألا تعتقدين أن التكلم باللغة التي يُترجم المترجم عنها يساعد في فهم النصوص التي تترجم لا سيما أن اللغة هي ابنة الحياة اليومية تتطور وتأخذ الكثير من خلفيتها العامية أو المحكية؟ هل تواجهين صعوبات على هذا المستوى كأن تصطدمي بعبارات عامية خارجة عن المعجم اللغوي؟ وكيف تجدين لها حلاً؟
- أنا أتحدث اللغة الصينية، وفي حفلة تكريم الفائزين بجائزة التميز في الكتاب الصيني، ألقيت كلمة الفائزين باللغة الصينية. أما عن فهم اللغة اليومية وهذا سؤال جيد للغاية، استفدت جداً من وجودي في البلد الأم للغة خلال دراستي في جينان، كما أنني متابعة جيدة للسينما أو الدراما الصينية مقدار ما يتيحه لي الوقت، ومتابعة كذلك للجرائد الصينية والأهم متابعة للقاموس الصيني. وحينما تواجهني مشكلة في فهم المعنى في كلمة أو مصطلح أو عبارة في اللغة الصينية خلال الترجمة، فإنني ألجأ مباشرة للنقاش مع الكاتب أو مع زملاء وأصدقاء صينيين، وأيضاً وهذا من المهم الإشارة إليه، أقرأ الترجمة الإنجليزية للعمل الصيني إن كانت متوافرة وما كُتب حوله باللغتين الصينية والإنجليزية حول العمل. وما يمكنني قوله كخُلاصة هنا إن العلاقة مع اللغة أية لغة هي علاقة ممتدة ولا نهائية وعلى المترجم أن يبذل الجهد اللازم والكافي في كل مرة يترجم فيها كتاباً حتى وإن كان صاحب خبرة طويلة في مجاله.
*تترجمين الشعر والرواية: أي حقل تجدين نفسك أقرب إليه علماً أن ثمة مسافة بين الحقلين خصوصاً أن تقنيات الرواية تختلف عن تقنيات الشعر؟
- إن كنت قد ترجمت عن اللغة الصينية شعراً ورواية ورواياتٍ قصيرة وقصصاً قصيرة، فهذا يعني أنني وجدت نفسي كمترجمة في كل ما ترجمته حتى اليوم، وبالطبع ثمة تقنيات مختلفة بين الشعر والرواية، لكنْ كلاهما في النهاية نص مع الخصوصية اللازمة لكل حقل، وبالتالي فأنا وفي كل الأحوال أدرس العمل دراسة جيدة وأقرأه أكثر من مرة وأقرأ كل ما يمكنني الوصول إليه في اللغتين الصينية والإنجليزية حول هذا العمل أو ذاك، ثم أضع خطة للترجمة تتضمن كما أشرت مناقشات مع كاتب العمل أو مع أصدقاء لجلاء عبارات أو رموز قد تكون غامضة في النص.
*كيف تختارين الكتب التي تترجمينها؟ هل يُطلب إليكِ أن تترجمي كتباً معينة أم إنك تعتمدين ذائقتك وثقافتك الأدبية؟
- في المقام الأول أعتمد ذائقتي وثقافتي الأدبية، وقد تُعَرضُ عليَّ كتب وأجد كتاباً منها قريباً من ذائقتي، وقد أرفض كتاباً، وأنا في النهاية لا أزال في حقل الترجمة الإبداعية، وأسعى مستقبلاً إلى توسيع الحقل ليشمل مجالاتٍ أخرى في ترجمة كتب من الصينية إلى العربية أرى أنها جديرة بالترجمة.
*هل تتابعين الحركة الأدبية الصينية الحديثة عن كثب؟ هل تجدين الحداثة الصينية قادرة على مواكبة حركة الأدب العالمي الحديث؟
- كل ما ترجمته خلال السنوات السبع الماضية يقع في إطار الحركة الأدبية الصينية الحديثة وبخاصة التيارات التجديدية والتحديثية لهذا الأدب في ثمانينات القرن العشرين الماضي. وأعتقد أن الإجابة بنعم على مواكبة الحداثة الصينية لحركة الأدب العالمي الحديث، ومعظم كتاب الصين المعاصرين على تماس مباشر مع العالم ومع الانفتاح على ثقافاته، بخاصة بعد سياسة الانفتاح التي اعتمدتها الصين بعد ماو تسي تونغ. ومن الكتّاب الصينيين من يدِّرس في جامعات الغرب ويتقن لغات أخرى كالإنجليزية والفرنسية وغيرهم. بلا شك الحركة الإبداعية الحديثة في الصين مواكبة للأدب العالمي الحديث، وكمثل على ذلك نصوص "شيء اسمه حَجَر يليه كوكب مصر" وهي المختارات الشعرية التي ترجمتها للشاعر "أويانغ جيانغ خي" وصدرت قبل أيام عن دار مسعى.
*هناك حركة أدبية معارضة يعيش روادها في المنفى ومنهم بي ضاو وغاو كسيان الذي فاز بنوبل لكونه فرنسياً وكثر غيرهما. هل تتابعين هذه الحركة الأدبية المعارضة؟
- أتابع بالطبع هذه الحركة من زاوية إبداعية وليس من زاوية سياسية، لكن السؤال نفسه ينطوي على نوع من التقسيم في الذهن العربي للعالم، مع أو ضد. وإن كان كاتب صيني فاز بجائزة نوبل لكونه فرنسياً، فإن صينياً غيرَ معارض فاز بها هو مويان. وإنني وإن كنت أحترم جميع الآراء بالطبع، فإن العبرة إبداعياً هي للنص. وثمة ملاحظة أنه حتى كتَّاب الداخل في الصين أو من غير المعارضين بالمعنى المباشر والسياسي، تحمل كتبهم نقداً لمجتمعهم وبلدهم من وجهات نظرهم، والنص هو المعيار أولاً وأخيراً.