دخلت النقابات المستقلة في الجزائر على خط الأزمة التي تعيشها البلاد، بعد أن أعلنت عن إضراب عام يوم 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، مرفوقاً بمسيرات في مختلف المناطق، ما يزيد من متاعب النظام المؤقت الذي يبحث عن سبيل لتنظيم انتخابات رئاسية في 12 ديسمبر (كانون الثاني) في ظروف هادئة وملائمة.
النقابات تبحث عن مكان
ورفعت كونفيدرالية النقابات مطالب تمحورت بين السياسية والمهنية والاقتصادية، إذ قالت في بيان عقب اجتماع مجلسها، إن "الإضراب سيكون دعماً للحراك الشعبي، وللضغط على السلطة لوقف حملة الاعتقالات ضد الناشطين، ولاستبعاد حكومة نور الدين بدوي، وسحب مشروع قانون المحروقات واسترجاع حق العمال في التقاعد النسبي والتقاعد من دون شرط السن، وللاحتجاج على غلاء الأسعار وتراجع القدرة الشرائية.
وتنضوي تحت كونفيدرالية النقابات، مجموعة من النقابات المهنية المستقلة الناشطة في مجالات التربية والصحة والوظيفة العمومية والطاقة وغيرها، ممن تتبنى مواقف معارضة للسلطة. وتوجد بين الموقعين على بيان الاضراب العام، شخصيات نقابية كانت قد وقعت أيضاً على بيان الـ19 شخصية قبل أسبوع، من بينهم رئيس نقابة مستخدمي الصحة الياس مرابط.
ويوضح النقابي في مجال التربية والتعليم مسعود بوديبة، أن "النقابات المستقلة اتخذت موقفاً يتجاوب مع موقف الجزائريين المطالبين بتحقيق إجراءات التهدئة ورفض الضغوط والإكراهات، والتضييق على الناشطين"، موضحاً أن "قرار تنظيم يوم احتجاجي ومسيرات هو خطوة أولى، قد تتبعها خطوات لاحقة".
مطالب أو ضغوط
بعد تراجع عن المشهد العام منذ "اختفاء" منتدى قوى التغيير للمعارضة، عادت النقابات للتحرك مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، و"خرقت" بذلك الهدنة مع مختلف الهيئات الوزارية، الأمر الذي دفع المتابعين إلى اعتبار "خطوة" الائتلاف النقابي محاولة للالتحاق بالقطار الذي يتجه صوب محطة 12 ديسمبر، وتحقيق مطالب مرفوعة منذ حكم النظام البوتفليقي، وذلك بالضغط سياسياً واجتماعياً وعمالياً، خصوصاً بعد نجاح النظام المؤقت في "إخفات" صوت الحراك ومسيرات الجمعة.
وانتقدت الكونفيدرالية استغلال السلطة الظروف التي تعيشها البلاد، لتمرير مشاريع وإصدار قرارات وقوانين مصيرية ترهن مستقبل الأجيال وتمس بالسيادة، على غرار مشروع قانون المحروقات وقانوني العمل والتقاعد، محذرة من الإقدام على استغلال الغاز الصخري لخطورته البيئية والصحية، خصوصاً من قبل دول تمنعه على أراضيها وتبيحه على أرض الجزائر، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وهي الجهات التي عرقلت البحث والاستثمار في مجال الطاقات المتجددة على غرار الطاقة الشمسية.
الحراك يقسّم النقابات إلى ثلاثة أنواع
يعتبر المحلل السياسي رابح لونيسي، في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، أنه "يجب قراءة مشهد النقابات المستقلة في الجزائر وموقفها من الحراك ومختلف المبادرات"، وقال إنها "ثلاثة أنواع، الأول نقابات شاركت في منتدى الحوار في السادس من يوليو (تموز) 2019، إلى جانب أحزاب عدة أغلبها، إن لم أقل كلها من التيار الإسلامي. ثم هناك نقابات مستقلة أخرى تشارك بقوة مع قوى البديل الديمقراطي، خصوصاً والكثير منها كانت على علاقة قوية ببعض أحزابها منذ فترة طويلة. ونوع ثالث حاول القيام بدور الرابط بين منتدى الحوار وقوى البديل الديمقراطي من أجل التوصل إلى أرضية واحدة، وعادة ما تتمثل فيما يسمى بفعاليات المجتمع المدني التي نظمت لقاء منذ أسبوعين، جمعت فيه الطرفين، وهي تسعى للعب دور مشابه لما قام به الاتحاد العام للعمال التونسيين أثناء (ثورة الياسمين)، عندما جمع بين كل الأطراف وأدى إلى نجاح نسبي للانتقال الديمقراطي في تونس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويؤكد لونيسي، أن "اليوم علينا الاعتراف بأنه بعد فشل كبير لمنتدى الحوار الذي ضم غالباً ما يسمى بقوى التغيير، بدأت الكثير من أطرافه في التراجع عن مواقفها والتقرب من قوى الانتقال الديمقراطي، خصوصاً بعد رفض السلطة طروحات منتدى الحوار، ليتبين لها بأن السلطة لا تريد أي تغيير حتى ولو كان غير جذري"، وتابع "إضراب النقابات المستقلة يدخل في إطار إعطاء دفع قوي للحراك عشية الأول من نوفمبر، وما لهذا الموعد من قدسية ورمزية لدى الجزائريين، على اعتبار أنه موعد انطلاق الحرب التحريرية ضد فرنسا الاستعمارية عام 1954". وخلص إلى أن "الحراك ممكن أن يعرف تطوراً كبيراً في أساليب عمله لكن مع حفاظه على السلمية التي تعد سلاحه الأكثر فعالية".
خطاب متوازن
وفي وقت طالبت الكونفيدرالية بالإفراج الفوري عن موقوفي حراك الرأي، ناشدت ناشطي الحراك الشعبي إلى التحلي باليقظة وضبط النفس والمحافظة على السلمية بنبذ العنف بكل أشكاله، والعمل على تقوية تماسك الشعب الجزائري والحفاظ على الوحدة الوطنية ورفض أي تدخل أجنبي في الشأن الداخلي، مجددة الدعوة إلى ضرورة اتخاذ إجراءات تهدئة وتوفير ضمانات في إطار التوافق، بما يسمح بإنجاح أي مسار انتخابي نزيه وشفاف، الأمر الذي يكشف عن توازن خطاب النقابات المستقلة التي عادت بعد غيابها استعداداً لمرحلة ما بعد 12 ديسمبر.