في الوقت الذي تشهد فيه سوق النفط حالة من عدم الاستقرار بسبب التوترات الجيوسياسية وحروب التجارة، حذر تقرير حديث من أن أسعار النفط ربما تهوي إلى نحو 10 دولارات مع استمرار التوترات الحالية ودخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود تدفع إلى استمرار التباطؤ بالشكل الذي يقلص الطلب على النفط بنسب كبيرة.
وفي الوقت الذي أخذت فيها التنبؤات المتعلقة بتقلب أسعار النفط في الارتفاع، كان هناك موضوع واحد آخذ في التزايد وهو العلاوة السعرية المحتملة جراء المخاطر الجيوسياسية التي ترتفع حدتها كل يوم. وفي البداية كانت النظريات متعلقة بإغلاق مضيق هرمز، ثم تحول الأمر إلى مخاوف حول حرب شاملة بين إيران والولايات المتحدة أو إيران والسعودية.
لكن وفقاً لتحليل أعده موقع "أويل برايس"، فإن كل ذلك ما هو إلا مجرد احتمالات، ولكن الواقع الفعلي يوحي بأن نوعاً مختلفاً تماماً من التطرف أكثر احتمالاً وهو حدوث "انخفاض حاد لأسعار النفط".
وأوضح التقرير أنه من بين صرخات علاوة المخاطر الجيوسياسية فإن هناك همسات أكثر رعباً من الكلمات مثل انهيار الطلب، والنزاعات التجارية، وتدهور المناخ الاقتصادي. وتصف تلك الكلمات الواقع الحالي في السوق، ومن ثم تشير إلى حقيقة مستقبلية مماثلة يدفع فيها انهيار الطلب الأسعار إلى الهبوط المستمر، ليصبح السؤال: هل من الممكن هبوط سعر النفط لمستوى 10 دولارات؟.
التقرير أشار إلى أنه طوال 2019 بدا أن المحللين غير قادرين على خفض توقعاتهم للطلب بالسرعة الكافية. وواصلت وكالة الطاقة الدولية التعديل بالخفض لتقديراتها لنمو الطلب على النفط خلال 2019 وما بعدها.
وفي وقت سابق، خفضت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها لنمو الطلب على النفط هذا العام من مستوى 1.4 مليون برميل يومياً في يناير (كانون الثاني) الماضي إلى مستوى 1.1 مليون برميل في الشهر الحالي.
واستندت تلك التقديرات إلى الطلب العالمي الفعلي الذي انخفض في مايو (أيار) الماضي بمقدار 160 ألف برميل يومياً على أساس سنوي. أما على صعيد توقعات الوكالة للعام المقبل، فخفضت أيضاً تقديراتها لنمو الطلب على النفط من مستوى 1.4 مليون برميل يومياً في توقعات يونيو (حزيران) ثم إلى 1.3 مليون برميل يومياً في توقعات أغسطس (آب)، ثم ثبتت تلك التوقعات في تقرير الشهر الماضي. كما أن لمنظمة "أوبك" توقعات الطلب الخاصة بها، والتي يتم تعديلها بالخفض بشكل شبه منتظم خلال العام الحالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توقعات باستمرار تراجع الطلب
وعلى الرغم من أن نمو الطلب على النفط أعلى قليلاً من مستوى مليون برميل يومياً لا يعتبر أمراً سيئاً للسوق، فإن الاتجاه الهبوطي واضح ويشير إلى أن الضعف سوف يستمر. لكن تاريخياً تعرض سوق النفط إلى ذلك، رغم الأحداث الجيوسياسية الكبيرة التي تم ربطها تحديداً بسوق النفط. وأدت تلك الأحداث إلى إحداث الفارق مع ارتفاع الأسعار في كل مناسبة، ولكن تلك الأحداث الآن غير قادرة على استدامة الأسعار المرتفعة.
التقرير أشار إلى أن ما نشهده حالياً مجرد نقاط مضيئة مؤقتة سرعان ما تختفي، ما يشير إلى أن أسعار النفط مرتبطة بالحقائق الأساسية والمتمثلة في تباطؤ الطلب والإنتاج القوي، وكل المؤشرات تشير إلى أن ذلك سيستمر.
لكن النظر إلى التاريخ سيكون كافياً لاكتشاف عدم صدق التنبؤات الأخيرة التي توقعت أسعار النفط عند 100 دولار في حالة استمرار عدم اليقين في الشرق الأوسط. وتعتبر دورات الكساد والازدهار من المسلمات في صناعة النفط، حيث تعرض خام "برنت" إلى انهيارات كبيرة في الماضي، ولا يوجد سبب لتوقع شيء مختلف في المستقبل.
وتواصل طفرات الكساد والازدهار نمطها المألوف وتنبع من مجموعة متنوعة من المحفزات، وحالياً تعتبر العوامل التي قد تدفع سعر النفط للانهيار هي: الدولار القوي، والإنتاج المرتفع لأوبك، ومخزونات وإنتاج النفط الأميركية المرتفعة، وضعف الاقتصاد وما يعنيه من انهيار للطلب على الخام، والمضاربات.
2009 وبداية نزول أسعار النفط
وأشار التقرير إلى أنه خلال عام 2009، تراجعت أسعار النفط من مستوى 140 دولارا للبرميل في العام السابق له إلى أدنى 40 دولاراً للبرميل، وهو انخفاض بأكثر من 50%. وهذا الانهيار في أسعار النفط لم يكن ببساطة نتيجة انهيار الطلب، لقد كانت عاصفة مثالية لأسعار النفط التي كانت تحلق عالياً، ما أثار خوف التجار الذين اعتقدوا أن ذروة الأسعار اقتربت للغاية.
كما تسبب في الهبوط الحاد لسعر النفط حدوث الأزمة المالية التي أطلقت أزمة ائتمان عالمية. وعزز ذلك من قيمة وقوة الدولار الأميركي، وهو ما تسبب بدوره في حدوث مزيد من التأثير السلبي على الطلب على النفط.
ومع هبوط الأسعار يتجه المستثمرون لإنهاء مراكزهم الشرائية والبيع، ليزداد الذعر أكثر ويتجه آخرون للبيع والخروج من السوق ليتسارع الخوف أكثر فأكثر وهكذا. وفي 2014 و2015 تعرضت أسعار النفط إلى انخفاض مماثل، حيث تراجعت من مستوى أعلى 100 دولار للبرميل إلى أدنى 40 دولارا للبرميل مجدداً، أي انخفاض بأكثر من 50%. لكن في هذه المرة كان السبب حدوث تباطؤ اقتصادي لكبار الدول المستوردة للنفط مثل الصين والهند، ثم الضربة الأخيرة جاءت من الولايات المتحدة حيث طفرة إنتاج النفط الصخري.
والآن يوجد أوجه تشابه أيضاً، وفي حين أن أسعار النفط ليست عند مستويات قياسية لكن الإنتاج الأميركي بلغ أعلى مستوياته على الإطلاق، كما أن التوقعات الاقتصادية العالمية ليست كبيرة جدا.
تداعيات الحرب التجارية بين واشنطن وبكين
التقرير أشار إلى أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تهدد بتراجع الطلب لدى أكبر مستورد للنفط في العالم وهو الصين، كما أن حصص إنتاج أوبك ليست كافية لإحداث الفارق في الاتجاه الآخر.
ومجدداً أصبح المضاربون هم المتحكمون في السوق، كما أن صناديق التحوط تندفع جنونياً من أجل الخروج، مع بيع مديري الأموال 46 مليون برميل من خام نايمكس و17 مليون برميل من خام "برنت" اعتباراً من 1 أكتوبر (تشرين الأول).
والسوق الآن يمكن وصفه بـ"سوق مضطربة قصيرة الذاكرة"، فصناديق التحوط تناست بالفعل الهجوم على البنية التحتية في السعودية، والآن تراجعت الرهانات على صعود خامي "برنت" و"نايمكس" إلى أدنى مستوى في 8 أشهر. وإذا استبعدنا احتمالات حدوث كوارث مرتبطة بالنفط، فمن الصعب رؤية انتعاش كبير في الأسعار على المدى القصير.
وتوقعت "إف.إكس إمباير" أن أسعار النفط ستتراجع لأقل من 40 دولاراً للبرميل. فيما تتوقع استطلاعات وكالة "رويترز" ووكالة الطاقة الدولية بقاء أسعار النفط في حدود 60 دولاراً.
وفي الوقت نفسه، يري "غولدمان ساكس" أن خطر تراجع أسعار النفط عند 20 دولاراً سيكون مدفوعاً بما يُسمى اختراقاً لسعة التخزين، ما يعني أن لديك عرضاً أعلى من الطلب، قم بملء كل خزان على الكوكب ثم لن تمتلك أي مكان متاح لتخزين النفط الفائض.
وبالطبع، في النهاية ستحبط هذه الأسعار المنخفضة للغاية حدوث أي استثمارات إضافية في القطاع، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى ارتفاع الأسعار مع بدء دورة صعودية جديدة للسعر.
ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة الكهربائية
على صعيد الطاقة الكهربائية، أشار التقرير الأسبوعي لشركة نفط "الهلال"، إلى أن النفط والغاز يعدان من أهم المصادر التي يعتمد عليها إنتاج الطاقة الكهربائية على المستوى العالمي. ومع التصاعد المتواصل للطلب على الطاقة الكهربائية وزيادة نسب ومعدلات نمو الاقتصاد العالمي الفعلية والمستهدفة، زادت أهمية قطاعات النفط والغاز وأصبح من الضروري العمل على تثبيت مستويات الإنتاج الحالية والقدرات الإنتاجية الكامنة لضمان توفر مصادر طلب متوسطة وطويلة الأجل تستطيع الحفاظ على استقرار الأسواق وعند مستويات سعرية عادلة.
وذكر أن الطاقة الكهربائية تعد مطلباً رئيساً لضمان نجاح استثمارات القطاع الخاص والعام إلى جانب كونها من عوامل الجذب الاستثماري، وبشكل خاص لدى اقتصاديات الدول الناشئة والنامية، التي أصبحت وخلال الفترة القريبة الماضية أكثر استعداداً لتحقيق لتعزيز الأداء الاقتصادي.
وأشار التقرير إلى الصعوبات التي تواجه إنتاج الطاقة وقطاع النقل في عدد كبير من الدول نتيجة للنمو السكاني والتحولات هيكلية في قطاع النقل على المدى المتوسط والطويل، الأمر الذي يجعل من الطاقة الكهربائية نقطة مفصلية في تغيير كافة مناحي الحياة في أي مجتمع كان، وأي انقطاع في الكهرباء ستنعكس آثاره السلبية على كافة القطاعات.
وأوضح أن الطلب العالمي على الطاقة يواصل الارتفاع، ولا يظهر أي علامات على التباطؤ، فيما تعمل الاستخدامات المتزايدة للتكنولوجيا المعتمدة على الطاقة على رفع معدلات الاستهلاك في المستقبل. كما ستعمل زيادة الكثافة السكانية وتوسع المشروعات الصناعية على مستوى دول منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة على زيادة الطلب على الطاقة الكهربائية بنسبة قد تصل إلى نسبة 40% لتلبية الطلب المتوقع حتى العام 2025.
وتوقع التقرير أن يرتفع توليد الكهرباء من المحطات النووية على المستوى العالمي ليصل إلى 3.2 تريليون كيلووات بحلول 2030، فيما سيبقى الوقود الأحفوري مسيطراً على استخدامات الطاقة بشكل عام وتوليد الطاقة الكهربائية بشكل خاص؛ على الرغم من التقدم المسجل على إنتاج الطاقة الكهربائية من المصادر المتجددة.
ولفت إلى أنه من المتوقع أن يتزايد الطلب على الطاقة بشكل عام والكهربائية بشكل خاص لعقود مقبلة نتيجة لسرعة نمو الاقتصاديات والكم الهائل من التكنولوجيا الرقمية المستخدمة يومياً، إذ أشارت التوقعات إلى نمو الطلب العالمي على الطاقة بنسبة 28% حتى عام 2040. وعلى الرغم من توقعات ارتفاع مساهمة الطاقة المتجددة في إنتاج الطاقة الكهربائية؛ سيبقى الاعتماد الأكبر على مصادر الطاقة التقليدية في المدى المنظور، وستعمل على تصحيح مسارات الطلب كلما سجلت أسواق النفط والغاز المزيد من التراجع في الطلب والأسعار.