وصف الفنان والمخرج المصري جلال الشرقاوي اختياره ليحمل اسمُه الدورة الأولى من مهرجان الإسكندرية للمسرح، بأنه تكريم كبير وحصاد خمسين عاماً من الكفاح في المسرح.
"اندبندنت عربية" التقت الشرقاوي في حوار تحدث فيه عن علاقته بالمسرح والتكريم الذي ناله أخيراً، ورأيه في النجوم الجدد، وسر تفضيله المسرح على السينما، كاشفاً عن سبب هجومه على الممثل الشاب محمد رمضان، وكذلك اعتراضه على ما يقدمه الفنان أشرف عبد الباقي في "مسرح مصر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سألناه، بعد أن ترك علامات في تاريخ المسرح والدراما، عن مدى رضاه عن تكريمه الأخير، بخاصة في ضوء مشواره الفني الحافل بالأعمال المميزة على مدار خمسين عاماً في مجالات السينما والمسرح والتلفزيون.
الشرقاوي قال "مصر لم تكن سلبية معي، على العكس فقد كُرمت مرات عِدة على مدار تاريخي الفني الطويل، وحصلت على جائزة الدولة التقديرية في الفنون، وعدد من الأوسمة، بالإضافة إلى نحو 50 شهادة تقدير من جهات رسمية في مصر، مثل الجيش ووزارة الداخلية، أما التكريم الأخير فهو أول تكريم لي من أكاديمية الفنون".
إسقاط سياسي باهظ التكلفة
ثمة سؤال مُلِح، فعلى الرغم من تقديم الشرقاوي مشواراً فنياً متنوعاً بين السينما والتلفزيون والمسرح، إلا أن اسمه يرتبط أكثر بالمسرح، فلِمَ لم يتحقق له نفس النجاح على الشاشتين البيضاء والفضية؟
هنا يقول الشرقاوي "بالفعل، هذا كلام صحيح ولا أنكره"، موضحاً أنه أحب السينما مثل المسرح، لكنه بدأ العمل في السينما بطريقة خاطئة، وقد أخرج ثلاثة أفلام من إنتاج الدولة وفيلماً من إنتاجه، ومن هذه الأفلام (امرأة وثلاث بنات) و(العيب) و(الناس اللي جوه)، وحققت نجاحاً كبيراً، لكنها في الوقت ذاته فشلت فشلاً ذريعاً! ففي ذلك الوقت كان ثروت عكاشة نائب رئيس الوزراء للثقافة والإعلام، ومرّ فيلم (امرأة وثلاث بنات) بنجاح من دون مشاكل، أما "فيلم (العيب) للكاتب يوسف إدريس فقد سبب مشاكل كثيرة، وكانت فيه مشاهد تعبِّر عن الفساد، وفي مشهد وضعت صورة للرئيس جمال عبد الناصر، وكانت بطلة الفيلم تعاتب أحد الأبطال الذي يصلي ولا تفارقه المسبحة، وسألته كيف يمارس كل هذا الفساد وهو رجل صالح ورئيس إدارة، وهنا لعبت صورة عبد الناصر دوراً، حيث تنوعت اللقطات بين وجه الممثلة والممثل وصورة رئيس الدولة وقتذاك، وهو ما اعتبره المسؤولون إسقاطاً على عصر عبد الناصر، واتهاماً مباشراً له بأنه مشارك في الفساد، وكانت تلك كارثة بالنسبة إليّ".
يتابع الشرقاوي "هنا أمر ثروت عكاشة بحذف هذه المشاهد، وكانت مساحتها في الفيلم نحو 17 دقيقة، وهي أهم مشاهد تلخص محتوى الفيلم ورسالته، وهذا بالطبع أزعجني جداً، لأن الفيلم خُرّب بهذا الشكل، ووقتها كنت أصوِّر فيلم (الناس اللي جوه) وتركني المسؤولون حتى انتهيت من إخراجه بالكامل، وبعدها سمعت أنني استُبعدت من العمل في السينما نهائياً بقرار سياسي، وإذا كانت الدولة قرَّرت تجميدي سينمائياً، فمن المؤكد أن منتجي القطاع الخاص لن تكون لديهم الجرأة للتعامل معي، وهكذا تم إعدامي سينمائياً".
"المسرح سياسة"
ويبدو أن هذا الجرح الغائر في تجربته السينمائية، دفعه إلى عالم السياسة، ولكن هذه المرة من بوابة "أبو الفنون"، حيث ركز الشرقاوي في المسرح السياسي تحديداً، وقدَّم عدداً كبيراً من الأعمال المميزة، مثل "بشويش" و"على الرصيف" و"عطية الإرهابية".
وبخصوص تجربته مع المسرح السياسي، وتعرض بعض أعماله المسرحية إلى المنع في عصر بعض الرؤساء المصريين، قال الشرقاوي "أولاً يجب أن نعرِّف المسرح السياسي، فأنا أرى أن الأقرب إلى المصطلح الصحيح هو أن المسرح سياسة، وأحببت تقديم عمل بمحتوى مهم ويرتبط بالواقع، وكل ما يمس المواطن هو سياسة، وعموماً لا أميل إلى المواعظ والرسائل المباشرة، لذلك كان البعض يرى أن مسرحياتي سياسية وتمس الواقع وتقترب من المواطن ومشاكله، وهذا صحيح جداً، وخلال الفترة التي سبقت عام 1967 كان هناك منع للمسرح السياسي، ومُنعت مسرحية (أنت اللي قتلت الوحش)، وبعد 1967 بدأت الأمور تسير نحو الأفضل نسبياً، حتى جاء عصر الرئيس أنور السادات، وخلال فترة حكمه لم تُمنع لي مسرحية، أما في عهد الرئيس حسني مبارك، فقد مُنع عرض الكثير من أعمالي المسرحية، واعتبرت ذلك مصدر فخر لي، إذ يعني ذلك أنني قدمت أعمالاً جيدة لها محتوى وتحمل رسالة، إلى درجة أنها أحدثت بلبلة، وبناء عليها تقرر منع العرض".
المسرح المباشر
اللافت أن منع العرض لم يطل أعمالا أخرى لمخرجين قدموا مسرحيات سياسية، لكن الشرقاوي يبرر ذلك بقوله "بالفعل كثيرون قدموا أعمالاً في المسرح السياسي لكن بأسلوب غير مباشر، لكنني أنشأت المسرح المباشر في مصر والعالم العربي، وأقدم الشخصيات بأسمائها مثلما الحال في مسرحيتي (على الرصيف) و(بشويش)".
هناك مشروع مسرحي بعنوان "هولاكو" يقال إن معظم النجوم اعتذروا عنه، وقال عنه جلال الشرقاوي "سأعقد مؤتمراً صحافياً خلال أيام لكشف حقائق تتعلق بهذه المسرحية التي أثارت أزمة أخيراً، حيث أرجأت تقديمها بسبب احتوائها على مشاهد تسيء إلى الحكام العرب".
مواهب مهدرة
سألنا الشرقاوي عن النجوم الحاليين الذين يعتبرهم أصحاب موهبة كبيرة، فقال "بالطبع هناك الكثير من النجوم الموهوبين والرائعين مثل أحمد السقا وأحمد حلمي وأحمد عز وكريم عبد العزيز، وكذلك محمد سعد الذي أعتبره من أهم النجوم الذين يتمتعون بموهبة حقيقية قتلها بالانحصار في شخصية (اللمبي) والشخصيات المبالغ فيها، وإذا أحسن إدارة موهبته ربما سيكون من أفضل النجوم على الإطلاق".
"نمبر ون"... إرهاب فكري
وحول هجومه على محمد رمضان وما يقدمه من أعمال وتلقيبه بـ "نمبر ون"، قال الشرقاوي "ما يقدمه رمضان إرهاب فكري، ويخدم بأعماله فساد المجتمع، ويجب أن يتوقف عن هذا التخريب، فهو ليس خريج معهد سينمائي ولم يدرس الفن، بل درس لمدة أسبوعين فقط، وهو بما يقدمه من أعمال يمثل قدوة سيئة للأجيال الجديدة، لأن الشباب الصغير يقلده في القتل والعنف والإرهاب، فبدلاً من أن يستخدم شعبيته في تقديم نماذج جيدة ومحترمة نجده يقدم النماذج المدمرة، مثل تاجر مخدرات أو بلطجي أو قاتل أو شاب صعيدي منتقم يسعى إلى الأخذ بالثأر، والأخطر أن الشباب يقلدون نماذج محمد رمضان، فمثلاً انتقم بعض الناس من رجل وألبسوه زياً نسائياً وفضحوه في الشارع مثلما فعل رمضان في أحد أعماله، وهذا إنذار خطير جدا بضرورة مراجعة الأمور والتوقف عن هذا النوع من الأدوار".
تهريج يجافي المسرح
الشرقاوي يهاجم أيضاً الفنان أشرف عبد الباقي مؤسس "مسرح مصر"، ويقول "لا يصح أن يرتبط اسم مصر بهذا العبث، هذه جريمة"، لافتاً إلى أن ما يُقدم في هذا المسرح مجرد تهريج، ولا يرقى إلى مستوى (الاسكتشات) الفنية، بل استظراف وتفاهة، ولا يعد مسرحاً من الأساس".
قاطعنا الشرقاوي وقلنا له إن هناك محبين لهذا النوع من الأعمال المسرحية بدليل النجاح الكبير الذي تحققه عروض "مسرح مصر"، وهنا رد الشرقاوي "ليس صحيحاً أن الجمهور يريد التفاهة والإسفاف، بل الجمهور دائماً يحيي العمل المحترم بدليل نجاح مسرحية (الملك لير) ليحيى الفخراني على مدار مواسم طويلة، رغم أنها قصة تعود إلى قرون مضت، بالإضافة إلى أنها بعيدة عن الكوميديا وباللغة العربية الفصحى، وهذا كله يدل على أن الجمهور لا يريد إسفافاً أو تفاهة".