Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

هل الدراما العربية تمثل الشعوب؟

نقاد: الفن لا يجب الحكم عليه كأنه توثيق للواقع

لقطة من مسلسل "شارع الأعشى" الذي تناول قضايا هامة من المجتمع السعودي في فترة السبعينيات (مواقع التواصل الإجتماعي)

ملخص

في رمضان هذ العام قدمت الدراما العربية مئات الموضوعات التي تخص كل الفئات بين الماضي والحاضر، وبعضها هوجم بشدة لدرجة التبرؤ منه، ووصف بأنه لا يعبر عن الشعب العربي وقضاياه بل يسيء إلى الجميع، وهنا يتردد سؤال مهم هل تعبر الدراما العربية حقاً عن الشعوب أم لا؟ وهل هي ملزمة بذلك فعلياً، أم من حقها التعبير بحرية عن فئات خاصة وموضوعات جامحة كما يحلو لها ؟.

تتنوع موضوعات الدراما العربية ويلمس كثير منها قضايا حقيقية أو مشكلات تمس الناس، وأحياناً تجنح إلى الخيال وتقدم فئات وموضوعات لا تشبه السواد الأعظم من الشعب بل تعبر عن فئات خاصة جداً وهذا قد يثير إعجاب أو غضب الجمهور حسب الفئة الخاصة المقدمة ونوع الطرح.

حرية الإبداع

وفي رمضان هذ العام قدمت الدراما العربية مئات الموضوعات التي تخص كل الفئات بين الماضي والحاضر، وبعضها هوجم بشدة لدرجة التبرؤ منه، ووصف بأنه لا يعبر عن الشعب العربي وقضاياه بل يسيء إلى الجميع، وهنا يتردد سؤال مهم هل تعبر الدراما العربية حقاً عن الشعوب أم لا؟ وهل هي ملزمة بذلك فعلياً، أم من حقها التعبير بحرية عن فئات خاصة وموضوعات جامحة كما يحلو لها من منطلق حرية الإبداع، وعملاً بقاعدة الدراما فن وليس مهمتها التوثيق بشكل أساس لحقيقة الشعوب والأحداث؟

اقرأ المزيد

نخبة ضخمة

عرض هذا العام في رمضان مئات المسلسلات الناجحة على كل المستويات سواء الجماهيرية أو النقدية أو الفنية، وقدمت الدراما في كل البلدان العربية وجبة دسمة سواء اتفقنا أو اختلفنا عليها، فقدمت الدراما المصرية نخبة من أكبر النجوم والأعمال والموضوعات عبر حلقات رمضان امتدت ما بين 15 و30 حلقة، وتبارت الدراما السعودية بعدد كبير جداً من الأعمال والموضوعات والنجوم، ولم تترك الدراما اللبنانية والسورية والتونسية والإماراتية والخليجية كالعادة التنافس بل كانت في قمة التحدي بعشرات الأعمال المميزة.

 

قضايا ومخالفات

قدمت الدراما المصرية نخبة من الأعمال منها ما اقترب من الشعب المصري وقضاياه مثل مسلسل "أولاد الشمس" الذي عبر عن قضايا الأيتام، والمخالفات التي تحدث في بعض الدور المعنية بهذه الفئة، والمسلسل بطولة أحمد مالك ومحمود حميدة وطه الدسوقي.

وقدم مسلسل "80 باكو" بعض مشكلات النساء بخاصة الفتيات الفقيرات العاملات في مراكز التجميل المتواضعة وكيفية مواجهة الفقر والحياة، ولعبت البطولة هدى المفتي وانتصار ورحمة أحمد ومحمد لطفي.

وعن مشكلات المرأة بخاصة في الريف وتعرض بعض النساء للظلم الاجتماعي دارت أحداث مسلسل "ظلم المصطبة" الذي تناول تدمير حياة سيدة لمجرد انتشار إشاعات تخص سمعتها، وظلم الجميع لها من دون محاولة فهم الحقيقة، إذ يتأثر الناس بالنميمة ويحترف البعض صنع مشاعل من الأكاذيب، وجسد البطولة مجموعة من النجوم منهم ريهام عبدالغفور وإياد نصار وفتحي عبدالوهاب.

وقدم مسلسل "إش إش" قصة اجتماعية تدور في مجتمع الراقصات الشعبيات وما يعانينه من مشكلات وفقر وصعوبات في مواجهة الحياة، والعمل بطولة مي عمر وماجد المصري وشيماء سيف وهالة صدق

 

وتحدث مسلسل "العتاولة" عن قضايا تهريب الآثار واحتراف البعض تدمير ممتلكات بلده، إضافة إلى قضايا البلطجة والسرقات التي تحدث في بعض المناطق، والمسلسل بطولة أحمد السقا وطارق لطفي وفيفي عبده وباسم سمرة.

أما مسلسل "سيد الناس" فقدم قصة رجل يرفض الرضوخ لماضي أبيه الملوث والمشتبك مع عصابات بيع السلاح والآثار والذهب، ويفاجئ البطل بوفاة والده وترك كثيراً من الأعداء والأعمال المشبوهة أمام ابنه، ولعب البطولة عمرو سعد وريم مصطفى وخالد الصاوي وإلهام شاهين وإخراج محمد سامي.

الكد والسعاية

وعبرت روجينا عن قضية الطلاق في عمر الخمسينيات، والحقوق التي كفلتها الشريعة الإسلامية للمرأة في هذه الحال، وهي الحصول على جزء كبير من ثروته بموجب حق الكد والسعاية الذي كفله الشرع للمرأة المسلمة.

وعن مشكلات الطلاق المتعدد والحاجة إلى محلل دار مسلسل "قلبي ومفتاحه" بطولة مي عز الدين وآسر ياسين ودياب وعايدة رياض وأشرف عبدالباقي وإخراج تامر محسن.

وفجرت أمينة خليل وأبطال مسلسل "لام شمسية" قضية مهمة جداً وحقيقية لكنها من الملفات التي يخاف المجتمع الحديث عنها وهي مشكلة التحرش بالأطفال، أو ما يسمى "بيدوفيليا"، والعمل شارك في بطولته أحمد السعدني وأسيل عمران ومن إخراج كريم الشناوي.

 

وفي وقت يرى بعض المتابعين أن الدراما المصرية قدمت قضايا مهمة وبعضها يمس المجتمع المصري أو بعض فئاته اتهم بعض آخر جزءاً من هذه الأعمال بتقديم صورة سيئة عن المجتمع وتشويه شخصية الشعب المصري، إذ لا تعبر بعض هذه الأعمال عن الشخصية المصرية الحقيقية نظراً إلى ما تنطوي عليه بعض المسلسلات من سب وألفاظ خادشة وتصرفات عنيفة مثل الذبح والعنف، ومن هذه المسلسلات "شباب امرأة" الذي قدم صورة المرأة المتصابية التي تحاول إيقاع شاب في براثنها، وكذلك مسلسل "إش إش" لتناول حياة الراقصات ووجود ألفاظ غير لائقة، والأمر نفسه بالنسبة إلى مسلسل "سيد الناس" و"العتاولة".

الدراما السعودية

وتنوعت قصص المسلسلات السعودية والخليجية في موسم دراما رمضان 2025 بين التراثية والاجتماعية المعاصرة فقدمت أعمالاً، منها مسلسل "شارع الأعشى" الذي يعد من أبرز المسلسلات السعودية التي عرضت أخيراً، وهو مأخوذ عن رواية بدرية البشر الشهيرة "غراميات شارع الأعشى"، التي صدرت في 2013، وتدور أحداث المسلسل حول حياة ثلاث شقيقات هن ضحى وعواطف وعزيزة يعشن في الرياض في فترة السبعينيات، ويواجهن تحديات وتحولات اجتماعية متعددة، والمسلسل من بطولة إلهام علي وخالد صقر وريم الحبيب.

ويدور مسلسل "الشميسي" حول فهد الشاب الذي يواجه مصيراً مظلماً بعد وفاة والده، ويطرح المسلسل كثيراً من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية بأحياء الرياض العريقة في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، والقصة مستوحاة من أحداث واقعية.

أما مسلسل "الزافر" فيروي قصة يحيى الذي يعاني خسارة أملاكه ويحاول مواجهة مصيره، والمسلسل تراثي يعكس حياة الجنوب السعودي في زمن قديم، وهو من تأليف عثمان حجي وأحمد المسعري، وإخراج سيف الشيخ نجيب، ومن بطولة راشد الشمراني ومرزوق الغامدي.

وحول الطمع وبعض سلبيات المجتمع تدور أحداث مسلسل "عمتي نوير"، ويدور حول امرأة تدعى نوير يترك لها والدها وصية متعلقة بتوزيع ثروة ضخمة، وعندما تبدأ في تنفيذها تواجه مؤامرات عدة من العائلة الطامعة.

قضايا اجتماعية

وتناولت الدراما العربية بخاصة السعودية والخليجية هذا العام كثيراً من الموضوعات الاجتماعية المتعلقة بالشباب والرجال والنساء والأرامل، وعبرت عن بعض فئات ومشكلات المجتمعات العربية

 

وأبرز هذه الأعمال مسلسل حقق نجاحاً كبيراً وهو "يوميات رجل عانس" وتناول صعوبات زواج الشاب بعد سن الـ30 وسط تغيرات المجتمع واختلاف ثقافة الأجيال الجديدة، وطُرح في قالب كوميدي، ولعب البطولة الممثل السعودي إبراهيم الحجاج، والمسلسل مقتبس من كتاب "مذكرات رجل سعودي عانس" للكاتب وليد خليل.

حياة الأربعين

وعن حياة النساء بعد كسر حاجز الـ40 يدور مسلسل "أم 44"، ويحكي عن ثماني صديقات في العقد الرابع من عمرهن، يروين حكاياتهن مع الحب والزواج والأمومة والطلاق، ويواجهن نظرة المجتمع وتغيرها، والمسلسل من تأليف هبة مشاري حمادة وإخراج المثنى صبح، وبطولة سمية الخشاب وجومانا مراد وفاطمة الصفي وليلى عبدالله وميس كمر ولولوة الملا وإيمان الحسيني وعبير أحمد.

ويتعرض مسلسل "أبو البنات": لحكاية أب أرمل وبناته الثلاث، وكيف يستطيع إدارة حياته والتعامل مع بناته، المسلسل من تأليف محمد خالد النشمي وإخراج محمد القفاص، ويضم على قائمة أبطاله إبراهيم الحربي وشيماء علي وهبة الدري وفهد باسم وفتات سلطان وشوق الهادي، وممثلين كثراً آخرين.

أما مسلسل "أفكار أمي" فتناول شخصية "شاهة" وهي امرأة قوية تتحكم في أبنائها، وتمثل سلطة غاشمة وديكتاتورية في عائلتها، والمسلسل من تأليف عبدالمحسن الروضان، وإخراج باسل الخطيب، وبطولة حياة الفهد وإبراهيم الحساوي وزهرة الخرجي وشيماء علي وحسين الحداد.

وحول المشكلة نفسها عرض أيضاً مسلسل "بيت حمولة" ويروي حكاية أم أرملة تتحكم بحياة أبنائها وأزواجهم، مما يثير صراعات حول التقاليد والرغبات الشخصية، المسلسل من تأليف جميلة جمعة، وإخراج سائد بشير الهواري، وبطولة إلهام الفضالة وليالي دهراب وشهد الياسين وشيلاء سبت.

وحول قضية تعلق الشباب بالألعاب الإلكترونية درات أحداث مسلسل "سكواد"، وتناول حكاية أصدقاء من عشاق ألعاب الفيديو، ينجحون في المشاركة في مسابقة عالمية وهنا تتحول حياتهم، وتتعقد علاقاتهم الإنسانية، وتحدث مفارقات تختبر قوة صداقتهم وحقيقتها، المسلسل من إخراج محمد الخياري، وبطولة جمعة علي وعبدالله صنقور وعمر صعب وأحمد المازم.

تشويق وإثارة

وفي إطار من الغموض دارت أحداث مسلسل "سدف" وتناول حكاية المحقق (فهد) الذي يحاول كشف لغز اختفاء سيدات في ظروف غامضة أواخر سبعينيات القرن الماضي، المسلسل من تأليف وإخراج أنور محمد وبطولة حسين المهدي، وبثينة الرئيسي.

ويتناول المسلسل الإماراتي "فضة" حكاية فتاة تعاني ظروفاً أسرية صعبة وتواجه كثيراً من التحديات النفسية والمجتمعية حتى تتغلب على أزماتها، والمسلسل من تأليف طلال مارديني، وإخراج عمر إبراهيم، ومن بطولة ميلا الزهراني وجاسم النبهان وليلى السلمان.

وناقش المسلسل الإماراتي "للمعاريس فقط" الخلافات التي تحدث بين المتزوجين حديثاً، ودور العائلات في تضخيم أو تهدئة الأمور، وهو من تأليف علياء الكاظمي، وإخراج هيا ولولوة عبدالسلام، ويشارك في بطولته هيا عبدالسلام وبشار الشطي وفؤاد علي وغادة الكندري وميثم بدر.

وتناول مسلسل "السيرك" حكاية مجموعة من السجناء تتاح لهم قضاء عقوباتهم من خلال القيام بأعمال الخدمة الاجتماعية في سيرك محلي، مما يولد أحداثاً كوميدية، المسلسل من تأليف محمد رباح، وإخراج عيسى ذياب، وبطولة حسن البلام وداوود حسين وخالد الفراج.

وناقش مسلسل "الباء تحته نقطة" حقبة الثمانينيات من خلال حكاية ثلاث صديقات إماراتيات يقررن إكمال دراستهن في مدارس محو الأمية، ليكتشفن أنفسهن الحقيقية خلال هذه التجربة، المسلسل من تأليف منى الظاهري، وإخراج هبة الصباغ، وبطولة جابر نغموش وفاطمة الحوسني وسعيد السعدي وسوسن بدر وشكران مرتجى.

انتقادات تونسية

قدمت الدراما التونسية مجموعة من المسلسلات المهمة في رمضان وعبر بعضها عن المجتمع والناس، ومع ذلك تعرضت للانتقاد الشديد ومنها مسلسل "الفتنة" للمخرجة سوسن الجمني، وتناول العمل جريمة قتل غامضة كشفت عن كثير من خبايا وفساد المجتمع، وهوجم المسلسل بسبب ظهور مشهد لرجل أعمال وهو ينتحر وجثته غارقة في دمائها.

وأثار مسلسل "الرافل" للمخرج ربيع التكالي حالاً من الغضب بسبب مشهد لطفل يتظاهر فيه بالانتحار ليخيف عائلته، وجاءت الانتقادات لتتهم العمل بأنه يحرض على الانتحار، على رغم أن هناك معدلات عالية من المنتحرين سنوياً بخاصة من الأطفال.

صراع الواقع والخيال

وقدمت الدراما السورية واللبنانية كثيراً من القضايا والموضوعات والشخصيات التي يقترب بعضها من الشعب العربي، والجزء الآخر كان من وحي الخيال، ووصفه البعض بأنه مجرد حكايات مقحمة أو غير حقيقية ولا تمثل المجتمع السوري أو اللبناني.

وأثار مسلسل "البطل" بطولة بسام كوسا ومحمود نصر ونور علي كثيراً من الجدل بسبب موضوعه الجريء الذي يسلط الضوء بصورة غير مباشرة على الصراع بين الأخلاق والقيم والنفوذ والسلطة.

 

يروي العمل حكاية رجل تحول إلى بطل عندما حاول إنقاذ مراهق من حريق كبير، وكاد يضحي بحياته، مما يجعل أهل القرية يقدرونه، لكنه يجد نفسه فجأة في صراع مع أصحاب النفوذ والسلطة، والمسلسل إخراج الليث حجو.

وعن حياة الغجر دارت أحداث مسلسل "السبع" من إخراج فادي سليم، وبطولة باسم ياخور وأمل عرفة وعبدالمنعم عمايري وأمل بوشوشة، وتناول العمل صراعاً بين عائلتين من الغجر على النفوذ، وتصاعد الخلافات لتصل للعداء والكراهية.

وحول صراعات الحارة الدمشقية درات أحداث مسلسل "تحت الأرض- موسم حار"، وتناول صراع عائلة شهيرة في تجارة التبغ مع منافسيها لدرجة تخترق كل القواعد، والمسلسل بطولة مكسيم خليل وسامر المصري وروزينا لاذقاني وأحمد الأحمد ولين غرة وأيمن عبدالسلام.

 

وتطرق مسلسل "تحت سابع أرض" إلى الصراع بين الشرف والنزاهة من جهة، وحب المال والنفوذ من جهة أخرى، من خلال حكاية ضابط نزيه يدعى موسى، يكتشف أن عائلته تعمل في تزوير العملة، مما يضعه في موقف لا يحسد عليه.

 والمسلسل من تأليف عمر أبو سعدة، وإخراج سامر برقاوي، وبطولة تيم حسن وكاريس بشار وأنس طيارة ومنى واصف.

وتناول مسلسل "ليالي روكسي" النزاع السياسي على السلطة والمكانة الاجتماعية في دمشق خلال فترة الانتداب الفرنسي، والمسلسل بطولة أيمن زيدان وسلاف فواخرجي وجوان خضر ورنا ريشة وحازم زيدان والفنانين القديرين دريد لحام ومنى واصف.

اختلاف العصر

وحول الدراما العربية بخاصة في رمضان وفي الوقت القريب تغيرت عن دراما العصور الماضية، فهل تقترب حالياً من الواقع العربي وتمثل المواطن أم لا؟ وهل من حقها الجنوح إلى الخيال؟ تحدث عدد من كبار النقاد العرب في تصريحات خاصة لـ"اندبندنت عربية"، فقال الناقد والصحافي السعودي خالد ربيع السيد "ربما من يتابع مسلسلات رمضان لهذا العام يجدها بعيدة تماماً عن الواقع المصري تحديداً ولا تعبر عن الشخصية المصرية الأصيلة ولا حتى تذكر عادات المصريين ومجتمعهم الحقيقي، وسنجد أنفسنا على رغم عنا نعود بالذاكرة لنسترجع مسلسلات الثمانينيات مثل (ليالي الحلمية ورأفت الهجان وأرابيسك والشهد والدموع وعيلة الدوغري) وغيرها كثير، تلك التي تتناول موضوعات جادة سواء كانت قضايا اجتماعية أو ثقافية أو إنسانية، بل حتى الكوميدية كانت تقدم في قوالب راقية من كوميديا الموقف والكوميديا الساخرة الهادفة التي تجعلنا نضحك ولا نخجل من وجود أفراد العائلة حولنا، ولكن الآن وللأسف نعم نحن في ليلة ظلماء ونفتقد أقمار رمضان من المسلسلات الترفيهية الممتعة والمثرية لحياتنا الثقافية واليومية وحتى الأخلاقية والسلوكية".

وتابع ربيع "مسلسلات السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات كانت قريبة من الشخصية العربية وتمثل واقعاً وتناقش الهموم الحقيقية العميقة التي تواجهها المجتمعات العربية، ومن خلال نقاشها وطرحها درامياً يتعلم الجمهور القيم الأصيلة، والسلوكيات القائمة على الفضيلة وتهذيب الطباع والانتصار للجمال والحق و"الجدعنة" التي لمسناها وتعلمنا منها في كثير من مسلسلات تلك الأيام".

وواصل حديثه واصفاً الجمهور بأنه في تلك العقود عندما كنا يريد أن يضحك يجد الكوميديا الراقية غير المعتمدة على الإفيهات الخادشة والألفاظ المتجاوزة، وعندما كان يريد أن يستمتع بالرقص الفني الاستعراضي يجد فوازير نيللي وفطوطة وشريهان وحتى الفخراني وهالة فؤاد وصابرين، وكان التلفزيون راقياً بكل برامجه وفقراته.

وكشف خالد ربيع عن حيرته بسبب تردي معظم المسلسلات المصرية في هذه السنة بخاصة في رمضان، وبرر التراجع بأن حمى اجتاحت شركات الإنتاج فأصبحت تبحث عن مخرجين ومؤلفين ومنتجين يصنعون الإثارة الرخيصة عبر قصص رديئة عن فئات وضيعة من نسج خيالات كتابها، وكل ذلك بهدف جذب المشاهدين والمعلنين في ساعات البث بالفضائيات التجارية لتحقيق المكاسب المالية.

 

وقال إن التفكير ابتعد عن طرح القضايا واستبدلوها بنسج دراما العنف والألفاظ النابية واللغة السوقية، وجعلوا الرقص المبتذل هو عنصر الجذب للمرأة في قصص لم تترك حتى الأطفال والعمال والسوقة والطبقات العشوائية في حالهم، بل افترت عليهم ولبستهم لبوس الإسفاف، بينما الشعب المصري بعيد كل البعد من هذه التصورات التي يؤلفها كتاب مفبركون لا يرتقون إلى نصف مستوى الكتاب الذين قدموا "ضمير أبلة حكمت" و"أرابيسك" و"زيزينيا" و"أحلام الفتى الطائر" و"الراية البيضا" و"البشاير" و"الوتد" و"امرأة من زمن الحب".

وأكد ربيع في حديثه "لذلك لن ينسى التاريخ العظماء من صناع الفن والدراما المصرية مثل أسامة أنور عكاشة ومحمد فاضل وإسماعيل عبدالحافظ ويحيى العلمي وبشير الديك ومحمود أبوزيد، بما حملته أعمالهم من تسليط الضوء على قضايا اجتماعية وثقافية ومدنية، حيث أسهمت تلك الأعمال في ترقية وعي وسلوك الجماهير".

وأشاد ربيع ببعض الأعمال الدرامية التي اقتربت من الواقع المصري بعفوية هذا العام في رمضان وقال "لا يمكن أن نغفل التميز الذي ظهرت به بعض المسلسلات مثل مسلسلات ’إخواتي، 80 باكو، قلبي ومفتاحه، لام شمسية‘".

 

وشدد ربيع على أن الجميع يعرف مدى عمق تأثير الدراما التلفزيونية على سلوكيات وأخلاقيات وقيم المجتمعات المعاصرة، وأننا كمشاهدين نثق في الممثل الفنان المصري، سواء رجالاً أم نساء، ونعلم أن فئة غير قليلة منهم ومنهن لا يعترفون بأي قيمة أو مسؤولية غير حسابات الربح والكسب المادي، وواصل "لذلك فالأمر يتطلب إجراءات تتخذها النقابات المعنية بالدراما، لا سيما أن الرئيس المصري استنكر ما قدمته المسلسلات من تردٍّ فج واضح".

وحول الدراما السعودية هذا العام وهل اقتربت من الواقع ومثلت المجتمع السعودي قال ربيع "هذه السنة تعيش الدراما السعودية انتعاشة كبيرة، إذ عرضت مجموعة من المسلسلات خلال شهر رمضان تتنوع بين المواضيع الاجتماعية والكوميدية، وتقترب من الواقع السعودي والمواطن بشكل كبير جداً، وبعضها يركز على التراث والقضايا الاجتماعية المعاصرة، وبعضها الآخر يستند إلى أعمال روائية وكتب شهيرة أو أحداث وقصص واقعية".

شارع الأعشى

وأشاد ربيع بمسلسل "شارع الأعشى" وقال إنه من أرقى ما قدمته الدراما السعودية الجادة عبر 40 سنة، فإلى جانب الفنيات الرصينة والدقيقة التي انتهجها المسلسل طرح قضايا عدة، اجتماعية وثقافية ومرحلية، عاناها وعاشها الشعب السعودي في السبعينيات والثمانينيات، وهو بذلك لامس ذاكرة الناس وحظي بمشاهدات لم يسبق لها مثيل، وأضاف "أيضاً في إطار الكوميديا الاجتماعية الخفيفة والهادفة قدمت الدراما السعودية مسلسل لامس قضية تشغل كثيراً من الشباب وتخصهم من خلال مسلسل ’يوميات رجل عانس‘، الذي تعرض لواقع بعض الشباب المقبلين على الزواج، والصعوبات التي تواجههم، وكما ردد شباب من عائلتي ومن محيطي القريب بأنه أفضل مسلسل في رمضان، بحسب زعمهم، وأنا أتفهم حماسهم هذا، لأنه لامس قضية تخصهم وتشغل بالهم".

وصاية المجتمع

 وتحدث الصحافي والناقد السعودي أحمد العياد حول مدى اقتراب الدراما العربية من المجتمع والناس وهل هذا الاقتراب إلزامي، وقال "لا يمكن الجزم بأن الأعمال الدرامية تشبه المجتمع والناس أم لا، فالأمر عويص جداً، وللأسف المجتمع يحكم ويعين نفسه وصياً على الفن والدراما، وإن لم يعجبه عمل يقول إنه بعيد من الواقع ولا يشبه الناس، والحقيقة أنه لا يمكن تقديم عمل يشبه الواقع والناس لأن الواقع نفسه يحمل كثيراً من الفئات والجنسيات والتقاليد والاختلافات بين الأسر والمناطق والثقافات فكيف يمكن تقديم عمل يشبه المجتمع إذا كان المجتمع نفسه مليئاً بالاختلافات التي لا يشبه بعضها بعضاً؟".

 

وأوضح العياد أنه من الطبيعي أن يعبر العمل الفني والدراما عن مختلف الفئات، وقد نجد ما يشبهنا وقد لا نجده وهذا شيء طبيعي جداً، ويجب ألا نتعاطى مع الدراما أنها عمل وثائقي، والدراما ليست ملزمة التوثيق ونقل الواقع كما هو، ويجب النظر إلى العمل الفني بطريقة أخرى والحكم عليه بمعايير فنية وليست وثائقية، والأولى أن نقيم التمثيل والإخراج والتنفيذ ولا نطرح سؤالاً دائماً حول العمل الفني، وهو هل قدم الواقع الذي يشبه المجتمع أم لا؟ لأن هذه ليست وظيفته.

وعن الأعمال التي عبرت عن المجتمع السعودي قال العياد "مسلسل ’شارع الأعشى‘ من أفضل المسلسلات السعودية التي قدمت أخيراً، وأري أنه يعبر عن المجتمع السعودي، ويحكي واقعاً سمعنا عنه أو رُوي لنا أو مررنا به على مر الأعوام، وكاتبة العمل بدرية البشر هي مؤلفة سعودية ابنة السعودية ومن عائلة سعودية أصيلة وكتبت رواية ’شارع الأعشى‘ كنتاج ذاكرتها وحكاياتها ومعايشتها وخيالها وأفكارها وبالتأكيد مستندة أحياناً إلى بعض القضايا الخيارية".

وسيلة للتسلية

 وأشارت الناقدة والصحافية اللبنانية رحاب ضاهر إلى أن الدراما بمفهومها العام من منظور سواد الناس خلقت للتسلية، ولكن مع تطور العصر لم تعد كذلك مع تراجع القراءة، فصارت الدراما هي ديوان العرب بسبب الإقبال الشديد عليها والمسؤولية الضمنية التي وضعها بعضهم على كاهلها وهي إلقاء الضوء على كثير من المشكلات والقضايا والتقاليد البائدة.

وعن اقتراب بعض الأعمال هذا العام من المجتمع اللبناني قالت "في الدراما اللبنانية نجح مسلسل ’بالدم‘ في طرح الواقع اللبناني بنسبة كبيرة ولنقل 50 في المئة، إذ تعرض لنتائج الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، وكثير من المشكلات في تلك الحقبة مثل ضياع وثائق المواليد والانفلات الأمني وأزمة الكهرباء وفساد المجتمع وألاعيب المحامين للتحايل على القانون، ومن ثم كان موضوع المسلسل قريباً من الواقع مع وجود خيالات درامية للحبكة ولعمل 30 حلقة".

 

وعن اقتراب الدراما المشتركة اللبنانية - السورية من الواقع قالت "منذ عامين عرض مسلسل ’النار بالنار‘ ومثل الواقع بنسبة كبيرة بخاصة في ما يخص العلاقة الملتبسة بين اللبناني والسوري".

وأشادت رحاب ضاهر بالدراما السورية هذه السنة، وقالت إنها مثلت المجتمع السوري، وعبرت عن الواقع قبل سقوط النظام البائد لأنها صورت مشاهدها وأحداثها قبل سقوط النظام بشهرين تقريباً بكل ما يحمله الواقع من النواحي الاقتصادية والاجتماعية، وبعد تغير النظام إذا حدث تغير بالواقع من هذه النواحي بالتأكيد سيجسد والقرب منه في الأعمال الجديدة لأن الدراما السورية قادرة بالفعل على الاقتراب من المجتمع.

وخصت ضاهر مسلسل "البطل" بطولة تيم حسن بأنه اقترب من الواقع السوري بكل سوداويته، وعبر عن حال الناس واختناقهم من تبعات النظام القديم، وذكرت كذلك مسلسل "تحت سابع أرض" بأنه على رغم وجود عنف مبالغ فيه وقتل فإنه بهذه الأحداث والشخصيات والعوز والفقر والعنف فالعمل يعتبر قريباً من الواقع بخاصة في فترة ما بعد الثورة.

واختتمت رحاب حديثها بالدراما السعودية وقالت إنها توجد بقوة وفرضت نفسها في رمضان، واعتبرت مسلسل "شارع الأعشى" هو الأفضل سعودياً وخليجياً، بخاصة أنه يقترب من الواقع في فترة مرتبطة بالماضي، وصور زمن يحبه الناس وهو زمن الطيبين، كما طرح المسلسل فترة السبعينيات والثمانينيات بحلوها ومرها، وأعربت عن أملها أن تقدم الدراما السعودية قريباً مسلسلات جيدة لا تسترجع الماضي بل ترتبط بالمجتمع والواقع الحالي.

المزيد من فنون