في خطوة تجاه ما يجري في العراق من حراك شعبي سلمي مستمر منذ أكثر من شهرين، وما يجابهه من إجراءات قمعية فتاكة، استُخدم فيها الرصاص الحيّ والعبوات الغازية القاتلة، خلفت أكثر من 400 ضحية ونحو 20 ألف جريح، أدرج مكتب الرقابة على الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية (OFAC) على قائمة العقوبات، الثلاثاء 3 ديسمبر (كانون الأول) 2019 عدداً من قادة المجموعات المسلحة العراقية المدعومة من إيران، التي أطلقت النار على الاحتجاجات السلمية، ما أسفر عن مقتل العديد من المدنيين الأبرياء. وأعلنت واشنطن هذا القرار بعد ثلاثة أيام.
أمَّا الذين أُدرجت أسماؤهم على قائمة العقوبات، وفق مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، بموجب الأمر التنفيذي الرقم 13818، فهم قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، وأخوه ليث الخزعلي، أحد قادة العصائب، وحسين فالح عبد العزيز اللامي، مدير جهاز الأمن في هيئة الحشد، بسبب اشتراكهم في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في العراق.
إضافة إلى الأسماء أعلاه، أدرج المكتب رجل الأعمال خميس فرحان الخنجر العيساوي، بسبب تقديمه رشى لمسؤولين حكوميين وممارسة الفساد على حساب الشعب العراقي.
وفي هذا الصدد، أشار وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين إلى أن "محاولات إيران قمع المطالب المشروعة للشعب العراقي بإصلاح حكومته من خلال قتل المتظاهرين المسالمين أمر مروع". أضاف أن "المعارضة والاحتجاج العام السلمي عناصر أساسية في جميع الديمقراطيات. تقف الولايات المتحدة إلى جانب الشعب العراقي في جهوده للقضاء على الفساد، وسنحاسب مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان والفساد في العراق".
أمَّا وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو فقال إن "الشعب العراقي يريد استعادة بلده. إنهم يطالبون بإصلاحات صادقة وبالمحاسبة وبقادة جديرين بالثقة يولّون مصلحة العراق الأولوية".
واستناداً إلى هذا الأمر التنفيذي، يتم حظر جميع الممتلكات والمصالح في ممتلكات الأفراد الأربعة المذكورين آنفاً، سواء أكان بشكل مباشر أو غير مباشر، داخل أراضي الولايات المتحدة الأميركية وخارجها.
والسؤال الواجب طرحه هنا، هل هذه العقوبات ذات تأثير حقيقي على أولئك الأشخاص الأربعة؟ لا سيما أن مصالحهم مرتبطة بالنظام الإيراني أكثر من الجانب الأميركي.
بالنسبة إلى موقف خميس الخنجر تجاه القرارات الأميركية، فقد سارع وكتب على صفحته في تويتر الآتي:
"كنت وسأبقى ضد أي تدخل خارجي في شؤون العراق الداخلية. ومع الشعب وتطلعاته للتغيير والخلاص من الفاسدين. ولن تثنينا القرارات المسيسة التي أغاظها دورنا في العمل على إنهاء السياسات الطائفية، والسعي لوقف العنف بين أبناء الشعب الواحد، واستعادة الجميع لحقوقهم".
بلا شك، ما كتبه الخنجر لا يمت بصلة إلى الواقع الذي مارسه، فهو تحرك سياسياً من مبدأ زعامة سُّنية تتوافق مع أرضية العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية البغيضة والمقيتة، التي شارك في فسادها وإفسادها عبر الرشى بشراء الذمم لخدمة مصالحة الشخصية والفئوية.
وما قاله مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، في مؤتمر صحافي، إن "خميس الخنجر سبق وقدم رشى لمسؤولين عراقيين". وأكد أن أولئك "المسؤولين المعاقبين كانوا تحت النفوذ المباشر لإيران". فإن شينكر لم يتكلم من هالة فارغة، بل حقائق غدت معروفة، وما كتبه الخنجر مجرد تبرير ودفاع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلّا أن ردّ فعل قيس الخزعلي، جاء في اليوم الذي أعلنت فيه واشنطن العقوبات الأميركية، إذ ارتكبت مجموعته العصائب مع كتائب حزب الله والنجباء وبدر "مجزرة بغداد"، وراح ضحيتها 24 معتصماً، ونحو 150 مصاباً، في الخلاني والسنك القريبتين من ساحة التحرير مركز العاصمة وثقل المنتفضين. ما يعني بشكل واضح، أن الخزعلي لا يكترث للأمر التنفيذي الرقم 13818، إذ إنه يقتدي بنهج النظام الإيراني، الذي لا يأبه للعقوبات الأميركية.
إن جميع الشباب المنتفضين في العراق، كانوا يأملون أن يتحول أولئك الأشخاص الأربعة وغيرهم كثير، إلى القضاء ومحاكمتهم على جرائمهم. وهذه العقوبات الأميركية، بحسب تصورهم، ليست أكثر من رسائل رمزية لحكومة بغداد، وربما لإيران أيضاً.
على الرغم من أن المندوبة الأميركية إلى الأمم المتحدة، كيلي كرافت، أكدت ضرورة محاسبة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي. وقالت إن "السلطات العراقية لا يمكنها استعمال العنف ضد المتظاهرين السلميين". وأشارت إلى أنه "ستكون لدينا جلسة طارئة حول العراق، ولن نقبل أي انتهاكات بحق المتظاهرين".
إضافة إلى أن مساعد وزير الخزانة الأميركي مارشال بلينجساليا، أكد أن الحكومة العراقية ملزمة بتطبيق العقوبات التي أعلنتها الولايات المتحدة على المسؤولين الأربعة.
في الواقع، إلى حين تكليف رئيس جديد للوزراء، خلفاً لعبد المهدي، ثمة شكوك في قدرة القادم على تجميد أرصدة المُعاقبين الأربعة ومصادرة أموالهم. وقد تضايق مآلات القرار الأميركي خميس الخنجر، خوفاً على أعماله وأمواله داخل العراق وخارجه. أما الثلاثة الآخرون فلا يحفلون بالأمر، لارتباطهم بالنظام الإيراني المهيمن الحقيقي على صناعة القرار السياسي.