حسب آخر تحديث لقاعدة بيانات الدين العالمي على موقع صندوق النقد الدولي، ارتفع الدين العالمي (مجموع الديون الحكومية والقطاع الخاص) في عام 2018 بنحو 3 تريليونات دولار أميركي عن عام 2017 ليصل إلى 188 تريليون دولار، واتسعت فجوة نسبة الدين إلى الناتج المحلي في العالم بزيادة 1.5% لتصل إلى 226%.
وتقترب نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي من مستوياتها قبل الأزمة المالية العالمية في 2008، وهو ما يثير قلق الكثيرين بشأن احتمال انفجار فقاعة الدين ودخول الاقتصاد العالمي في أزمة جديدة.
ورغم أن نسبة الزيادة السنوية في حجم الدين العالمي تعد الأصغر منذ خمسة عشر عاماً، فإنه بالنظر إلى التفاصيل يتضح أن مزيداً من الدول أصبحت في وضع أقرب إلى الخطر بالنسبة إلى مديونياتها العامة والخاصة، بما يهدد قدرتها على الوفاء بالتزاماتها، وما لم يشهد الاقتصاد العالمي دفعة نشاط ونمو كبيرة في غضون عام أو أكثر قليلاً يمكن أن يتحول هذا الخطر إلى أزمة.
تباين النسب
ويبدو الاختلاف والتباين واضحاً في معدلات زيادة الدين وفي زيادة أو انخفاض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وحتى في تباين النسب فيما يتعلق بالديون الحكومية والخاصة، ما بين مجموعة الدول صاحبة الاقتصادات المتقدمة والدول الصاعدة ومنخفضة الدخل.
وعلى سبيل المثال تراجع متوسط نسبة إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في اقتصاد الدول المتقدمة من دون أن يعني ذلك تراجع حجم الدين بالطبع، بينما ارتفعت تلك النسبة في الاقتصادات الصاعدة ومنخفضة الدخل.
فقد اتسعت نسبة إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الصين لتصبح مثل نظيرتها في الولايات المتحدة، حيث تصل إلى 258%، وهي قريبة من متوسط تلك النسبة لاقتصاد الدول المتقدمة عموما عند 265% (أي أن حجم إجمالي الدين يزيد على الناتج المحلي الإجمالي بنحو ضعفين ونصف الضعف).
صحيح أنه بالنظر إلى جداول المقارنات للحجم الإجمالي والنسب المنشورة على موقع صندوق النقد الدولي لا تُرى زيادة كبيرة عن معدلات عام 2016، بينما شهد عام 2017 مثلاً تراجعاً في المتوسط لنسبة إجمالي الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي، لكن معدلات النمو المتباطئة في أغلب الدول جعلت الناتج المحلي الإجمالي العالمي بالكاد يصل إلى 85 تريليون دولار في عام 2018.
وبالتالي لم تكن الاختلافات في النسب بين اقتصاديات الدول المختلفة سوى نتيجة سياسات اقتصادية وضبط مالي لبعض الدول أكثر من الأخرى، مع الأخذ في الاعتبار أيضاً أن خطط بعض الدول تسمح بعمليات الضبط والضغط، بينما تحتاج أخرى إلى التوسع بتمويل عبر الاستدانة، وهذا بالنسبة إلى الديون الحكومية وعجز ميزانيات الدول.، وكذلك الدين الخاص، سواء كانت ديون شركات أو ديون الأسر، حيث تتأثر بالوضع الاقتصادي العام والسياسات الاقتصادية والمالية للدول.
ضبط العجز
وتشير الأرقام التفصيلية للدول والكتل في العالم إلى أنه في مجموعة الدول المتقدمة تراجعت نسبة الدين، العام والخاص، إلى الناتج المحلي الإجمالي بشكل عام في أغلب دول المجموعة خلال العام الماضي، حتى أن نصف دول تلك المجموعة حققت فائضاً مالياً خلال العام (بمعنى ضبط الإنفاق مع زيادة العائدات في الميزانية)، بينما تمكن ثلث الدول في المجموعة من تضييق فجوة العجز المالي عن العام السابق، إلا أن الجزء المتبقي من دول تلك المجموعة لم يكن أداؤه المالي جيداً بالشكل الذي يجعل متوسط التغير للمجموعة ككل واضحاً، فإجمالاً، تراجعت نسبة إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 0.9% فقط.
أما في مجموعة الدول الصاعدة ومنخفضة الدخل، فقد اتسعت الفجوة وزادت نسبة إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط، وإن كان أغلب الزيادة نتيجة ارتفاع الدين الحكومي، فعلى سبيل المثال، ارتفعت فجوة نسبة الدين للناتج في دول أفريقيا جنوب الصحراء بنحو 2.5% في عام 2018.
مع ذلك تظل نسبة إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي مرتفعة، مقارنة بالسنوات السابقة عموماً، فعلى الرغم من جهود كثير من الدول المتقدمة لخفض حجم الدين المتراكم منذ الأزمة المالية العالمية الأخيرة، فإن النسبة تظل أعلى مما كانت عليه قبل 2008 في نحو 90% من الدول المتقدمة.
أما بالنسبة إلى الدول الصاعدة فإن نسبة الدين إلى الناتج المحلي ارتفعت إلى مستويات ما شهده العالم في أزمات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وفي نحو خمس 20 في المئة من دول المجموعة تزيد نسبة الدين العام عن 70% ويرتفع العدد إلى أكثر من الثلث بين الدول منخفضة الدخل.
زادت ديون الشركات في الدول المتقدمة ويختلف الوضع بالنسبة إلى الدين الخاص، أي سندات دين الشركات وديون الأسر من قروض شخصية وبطاقات ائتمان. ففي الدول المتقدمة زادت ديون الشركات باضطراد منذ 2010، حتى وصلت الآن إلى مستويات تشبه ما كان عليه الوضع في 2008 قبل الأزمة المالية العالمية مباشرة.
ومما يثير القلق أنه في اقتصاد الدول المتقدمة تلجأ الشركات إلى إصدار سندات الدين لتمويل نشاطات عالية المخاطر، ومن شأن ذلك تضخيم الأضرار في حالة تعثر الشركات واضطرارها إلى عدم الوفاء بالتزاماتها من ناحية الدين.
في المقابل، تراجعت نسبة ديون الشركات في مجموعة الدول الصاعدة ومنخفضة الدخل بشكل مضطرد منذ 2015، أما بالنسبة إلى ديون الأسر فتحركت في اتجاه معاكس، إذ تراجعت نسبة ديون الأسر في مجموعة الدول المتقدمة، بينما ارتفعت في مجموعة الدول الصاعدة والفقيرة.
وإجمالاً، يظل اقتراب حجم الدين العالمي من حاجز المئتي تريليون دولار، بينما الاقتصاد العالمي لا ينمو بقدر معقول ما ينذر بأزمة قد تنفجر في أي لحظة وتكون عواقبها أقسى من سابقتها قبل نحو عشر سنوات.