فشلت خطة "تحالف البناء"، الذي يضم جميع القوى الموالية لإيران في البرلمان العراقي، في استخدام حادثة مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، غطاء، لتمرير مرشحه إلى منصب رئيس الوزراء، خلفاً للمستقيل عادل عبد المهدي.
الجنرال المحبوب
وبينما كانت الأوساط السياسية والصحافية والشعبية منشغلة بمتابعة تداعيات مقتل سليماني، ومساعده البارز أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، كان "تحالف البناء" يجري مشاورات مع جنرال متقاعد لتقديم اسمه إلى رئيس الجمهورية برهم صالح، كي يكلفه بتشكيل الحكومة الجديدة وفقاً للدستور.
وبحسب مصادر مطلعة على مجريات التفاوض، فقد أنجز التحالف اتفاقاً تفصيلياً مع الجنرال عبد الغني الأسدي، القائد السابق في جهاز مكافحة الإرهاب، الذي يوصف بأنه نخبة النخبة في القوات المسلحة العراقية.
وعلى الرغم من أن قادة هذا الجهاز متهمون بالتقرب من الولايات المتحدة، إلا أن المعلومات تشير إلى أن الأسدي أقر جميع الشروط التي وضعها حلفاء إيران عليه، لتكليفه بتشكيل الحكومة، ما يسلّط الضوء على جانب من المغريات التي يوفرها هذا المنصب، وحجم التنازلات الكبير الذي يقدمه المرشحون لنيله.
ويعول "تحالف البناء" على الشعبية الجارفة التي اكتسبها قادة ومقاتلو جهاز مكافحة الإرهاب خلال حقبة الحرب على تنظيم "داعش" بين عامي 2014 و2017، ويعتقد أن رأي الشارع سيكون حاسماً في حصول مرشح ما على الدعم السياسي الكافي، إذ يجب أن يصوت البرلمان على الكابينة الحكومة بالرفض أو القبول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل وافق الصدر؟
المصادر نفسها قالت لـ "اندبندنت عربية" إن "تحالف البناء" استشار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، الذي يرعى كتلة كبيرة في البرلمان العراقي، بشأن ترشيح الأسدي، وحظي بموافقة مبدئية، مؤكدة أن رئيس الجمهورية تلقى تأكيدات بموافقة الأطراف الشيعية الرئيسة على هذا الترشيح.
وفي ساحة التحرير، القريبة من المنطقة الخضراء حيث كان "البناء" يضع اللمسات الأخيرة قبيل الدفع باسم مرشحه رسمياً إلى رئيس الجمهورية، طرح متظاهرون مقربون من الصدر خيار تقديم مرشحين من داخل حركة الاحتجاج، لكن اللافت أن اسم الأسدي تصدر قائمتهم.
واعتبر نشطاء أن هناك حيلة صدرية لتمرير مرشح "البناء"، لذلك سارعوا إلى إحراق صورة الأسدي في ساحتي الاحتجاج الرئيستين ببغداد والناصرية، عاصمة محافظة الأنبار، ذات الثقل الكبير في التظاهرات المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر.
الاستيلاء على التحرير
وتفاعلت وسائل الإعلام المحلية مع هذه التطورات، على الرغم من الأجواء التي تلت مقتل سليماني والمهندس، لا سيما بعد أن تحول النقاش في ساحة التحرير بشأن المرشحين إلى احتكاك بين نشطاء ومتظاهرين صدريين اتهموا بمحاولة الاستيلاء على موقع الاحتجاج ومصادرة رأي المتجمعين فيه.
وكان واضحاً مقدار الحرج الذي أصاب الصدر، إذ يريد أن يحافظ على موقفه الداعم للاحتجاجات، وصورته الثورية في أذهان المتظاهرين، لذلك أعلن مقربون منه أن التيار الصدري لم يتبن أي مرشح، وقال النائب عن كتلة "سائرون" التي يرعاها الصدر غايب العمري "مرشحنا، هو مرشح الشعب"، متعهداً بعدم التصويت "إلا لمن يرتضيه الشعب".
سقوط مرشح البناء
وبعد قليل من هذا الإعلان، كانت هناك صورة كبيرة للجنرال عبد الغني الأسدي تتدلى من أعلى مبنى مرتفع في ساحة التحرير، وكتب أعلاها "مرشح البناء"، وأسفلها أن المحتجين يرفضون جميع مرشحي الأحزاب، ولن يتورطوا في اقتراح أسماء محددة.
التطور الآخر، جاء من مراسم تشييع سليماني والمهندس، التي أرادت الميليشيات العراقية الموالية لإيران إخراجها على أنها حدث شعبي بارز، لذلك جرى استدعاء الكثير من الشخصيات السياسية والعسكرية والدينية والعشائرية لحضورها، ويبدو أنه ليس من قبيل الصدفة وجود الجنرال الأسدي ضمن صفوف المشيعين.
وتداول نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي صورة للأسدي وسط ساسة بارزين، بينهم هادي العامري زعيم تحالف الفتح، أكبر القوى السياسية في تحالف البناء. وكانت هذه الصورة أكثر من كافية لمن كانت لديه شكوك بشأن الدوافع التي أدت إلى رفض ترشيح الأسدي في ساحة التحرير، لأن تشييع سليماني والمهندس لم يحضر فيه سوى حلفاء إيران، بينما غاب عنه جميع خصومها.
فقد الكثير من الزخم
وتقول المصادر، إن البناء ماض في مفاوضاته مع أطراف سياسية سنية وكردية لإقناعها بدعم الأسدي، لكن من غير الواضح ما إذا كان الصدر شخصياً سيتقبل هذا التكليف، بعدما وصف في ساحات الاحتجاج بأنه حيلة صدرية.
لكن الواضح حتى الآن، هو أن الأسدي فقد الكثير من الزخم الذي يحيط به، لمجرد ارتباط اسمه بالتحالف المقرب من إيران، الذي يتهمه المتظاهرون بإدارة عملية منظمة لقمعهم والتنكيل بهم.