عاود الريال اليمني مجددا انخفاضه أمام سلّة العملات الأخرى في كافة المحافظات اليمنية ليصل في العاصمة صنعاء إلى نحو 595 ريالاً مقابل الدولار الواحد، و 656 ريالاً في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، فيما تتفاوت أسعاره بين هذين الرقمين في باقي المحافظات.
وبلغت أسعار الصرف في محافظة حضرموت (جنوب شرقي البلاد) نحو 648 ريالاً للدولار الواحد، وفي محافظة مارب (شرق) نحو 657 ريالاً، أما متوسط سعره في السوق السوداء فقد بلغ 660 ريالاً بزيادة 80 ريالاً عن الأشهر الماضية.
انهيار غير مسبوق
وارتبط ارتفاع الأسعار في اليمن بشكل تناسبي، بانخفاض قيمة الريال اليمني أمام النقد الأجنبي، ووصل سعر صرف الدولار الواحد إلى 650 ريالا يمنيا مرتفعاً عمّا كان عليه قبل الحرب بنحو 400 ريال وهو رقم غير مسبوق في تاريخه.
نذر غلاء فاحش
وينذر تدهور قيمة الريال مجدداً، بموجة غلاء جديدة ستشهدها الأسواق اليمنية التي تعتمد في أغلب سلعها على المستوردات الخارجية التي يتم توريدها بالنقد الأجنبي خصوصاً المواد الغذائية.
فمع كل انخفاض لقيمة الدولار، يباشر التجار رفع الأسعار التي تباع بالعملة المحلية لتعويض النقص في قيمة الريال أمام الدولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سوق مستوردة
وبحسب بيانات اقتصادية صادرة عن وزارة التجارة، تستورد السوق اليمنية نحو 80% مما تستهلكه، وبحسب خبراء اقتصاديين، أدت الحرب الدائرة في البلاد منذ خمسة أعوام، إلى تقليص حجم الإنتاج المحلي، ليتضاعف حجم الطلب على الاستيراد الخارجي لتغطية متطلبات السوق اليمنية لتبلغ نحو 90% كحد أدنى.
العجز الحكومي
وأرجع الاقتصادي اليمني عبد الواحد العوبلي، أسباب ارتفاع سعر الدولار في اليمن، إلى "عجز الحكومة عن تفعيل مواردها السيادية من نفط وغاز وضرائب وجمارك، إضافة لعجزها عن تحصيل أغلب هذه الإيرادات أو إدارتها بما يتناسب مع السياسة النقدية للحكومة".
وأضاف في اتصال مع "اندبندنت عربية"، جملة أسباب أخرى ومنها "عجز الحكومة الشرعية المستمر في تغطية النفقات، مع عدم إغفال جانب الطلب المتزايد على العملة الصعبة لاستيراد المشتقات النفطية والمواد الغذائية".
حلول وسياسات
من بين الحلول والسياسات المناسبة يرى العوبلي أن "على الحكومة معالجة مشكلة المشتقات النفطية منذ وقت مبكر، وليس الانتظار حتى انهيار العملة الوطنية، من خلال قيام البنك المركزي بتوفير الدولار لموردي المشتقات بسعر السوق ناقصاً 10 ريالات، لكن يبدو أن البنك توقف عن تغطية واردات الوقود من العملة الصعبة بسبب المواجهات العسكرية التي شهدتها عدن في أغسطس (آب) من العام الماضي خصوصاً والوديعة السعودية التي كانت تغطي الإحتياج من العملة الصعبة، شارفت على النفاد".
تدخل عاجل
يتوقع العوبلي أن المزيد من الانهيار ينتظر سعر صرف الريال اليمني أمام النقد الأجنبي، واعتبر ذلك "أمرا طبيعيا وواردا، ما لم يحدث تدخل عاجل ومسؤول من دول التحالف لإنقاذ الاقتصاد اليمني كما هو الحال دائماً" وخلال السنوات الماضية، ارتفع متوسط الأسعار إلى مستويات قياسية، حيث بلغ سعر كيس القمح سعة 50 كيلو إلى 8 آلاف ريال بارتفاع بلغ 1300 ريال عن الأسعار الطبيعية، بينما وصل سعر السكر إلى 17 ألف ريال، قبل أن يتراجع إلى 11600، بينما كان سعره الطبيعي 9600 ريال، فيما بلغت قيمة الكيلو الواحد من الأرز إلى نحو 450 ريالاً، بزيادة نحو 200 ريال، وارتفعت عبوة الحليب من 4600 ريال إلى 9400 وهكذا الحال في بقية المواد الأساسية المستوردة الأخرى.
الناتج المحلي يرتفع
وبالرغم من كونها منتجات محلية، فإن أسعار اللحوم والأسماك والدواجن والفواكه شهدت هي الأخرى، ارتفاعاً كبيراً نتيجة الارتفاع في أسعار تكاليف النقل الداخلي.
ووصل سعر كيلو اللحوم، الغنمي والبقري، إلى 8 آلاف ريال، بينما كان سعره قبل نحو عام، 4500 ريال، وارتفع سعر كيلو السمك من 600 ريال إلى 2500 كحد أدنى.
كما ارتفعت أيضاً أسعار المشتقات النفطية التي تضاعفت بنسبة 400 في وقت قياسي، إذ وصل سعر وقود السيارات عبوة (20 لترا) إلى 8 آلاف ريال، بينما كان سعر العبوة منذ سنتين 4 آلاف ريال، ومثل ذلك في أسعار أسطوانات الغاز المنزلي، التي ارتفعت إلى نحو 8 آلاف ريال بعد أن كان سعرها 1200 ريال.
وانعكس ارتفاع المشتقات النفطية، على كافة الأسعار في الخدمات الأخرى، كالمواصلات والاتصالات والصحة والتعليم وغيرها.
مصادرة العملة وشح السيولة
وقبل أيام، اتخذت ميليشيات الحوثي، قراراً قضى بمصادرة العملة المحلية التي طبعتها الحكومة الشرعية أخيراً ومنعتها من التداول في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وهو ما أدى، بحسب العوبلي، إلى "بروز شح في السيولة المعروضة والزيادة في تكاليف التحويل، الأمر الذي أفقد الناس الثقة في العملة المحلية وجعلهم يزيدون من الطلب عى العملة الصعبة ليؤدي ذلك إلى ارتفاع قيمتها أمام الريال اليمني".
التراجع في القيمة الشرائية
التراجع الكبير في القيمة الشرائية للريال، دفع الكثير من اليمنيين للتخلي عن اقتناء الكماليات، وحصروا مشترياتهم، فقط، في المواد الغذائية الأساسية مثل القمح والأرز والسكر.
يقول مهدي حسن، 43 عاماً، إنه إضافة لعمله في وظيفته الحكومية صباحاً، اضطر خلال السنوات الماضية للعمل، خلال الفترة المسائية، سائق تاكسي، لتغطية نفقات أسرته المتزايدة ومواجهة "الغلاء الفاحش في أسعار المواد الغذائية الأساسية".
وأوضح حسن أن كل ما يتحصل عليه لا يفي بتوفير ربع متطلبات أسرته المكونة من زوجته وطفل وأربع فتيات، وخصوصاً متطلبات الدراسة والغذاء والدواء وإيجار المنزل.
ويضيف، "لم نعد نشتري الكماليات من ملابس وأحذية وأجهزة إلكترونية الخ، كما كنا في السابق، وبالكاد نكتفي بتوفير الدقيق والزيت والغاز المنزلي والقليل من الأرز وبعض الخضار".
ونتيجة لتلك المعطيات، توقع الخبير الاقتصادي عبد الواحد العوبلي موجة غلاء جديدة في الأسعار وهو ما يعني أن المواطن لم يعد يحتمل المزيد.
وأضاف "المواطن اليمني، لم يعد يحتمل المزيد من الغلاء والريال عملياً فقد قيمته، وباتت قيمته الشرائية محدودة ولهذا نتوقع أن يلجأ الناس للتعامل بالريال السعودي أو الدولار كما ما هو حاصل في لبنان".
صمت البنك المركزي
حاولت "اندبندنت عربية" إجراء تصريح من إدارة البنك المركزي اليمني الواقع في العاصمة المؤقتة عدن، الذي اكتفى مسؤول الإعلام فيه بقوله إن ابداء توضيحا منه، يحتاج عرضاً على إدارة البنك.
في حين نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن عضو مجلس إدارة البنك المركزي اليمني شرف الفودعي، قوله إن "هناك أسباب منطقية وواضحة لكل من ينشغل بالشأن السياسي والاقتصادي في أي بلد في العالم ومنها حالة الحرب التي يعيشها اليمن لاستعادة الشرعية طوال أكثر من أربع سنوات أدت إلى انخفاض في موارده من النقد الأجنبي، فلم تعد هناك موارد من تصدير النفط إلا في حدود مبالغ بسيطة".
ومن ضمن الأسباب أيضاً أضاف الفودعي، " شح موارد اليمن من المنح والقروض الأجنبية، وتوقف الكثير من المشروعات الممولة من الخارج، إضافة إلى انخفاض في تحويلات المغتربين للداخل، في ظل طلب محلي كلي لتمويل استيراد السلع ودفع نفقات ضرورية للحكومة في الخارج لسداد خدمات الدين وأقساط القروض ونفقات البعثات الدبلوماسية والمبتعثين".
لا حضور للحكومة
وحتى اللحظة، لك يصدر عن الحكومة اليمنية أي تعليق رسمي، أو إجراء حكومي حول مستجدات انهيار العملة المحلية، في حين يردّد اليمنيون عبارات الإحباط والتذمر لغياب أي دور ملموس للإجراءات الحكومية الفاعلة لإيقاف هذا التدهور المريع في حياتهم وقوتهم الأساسي في بلد تعصف به الحروب وارتفاع نسبة البطالة والجوع وتفشي الأمراض والأوبئة، وهو ما دفع منظمة الصحة العالمية مطلع العام الماضي، لوصف الوضع الإنساني في اليمن بالأسوأ في العالم.