بدأ الرئيس السوداني عمر البشير إعادة ترتيب ملفات السلام والتفاوض مع حملة السلاح والتسوية مع قوى المعارضة، بالإشراف عليها مباشرةً بنفسه. وكلّف نائبه الأول، الفريق عوض بن عوف، الشؤون العسكرية، وترك لرئيس الحكومة الجديد محمد طاهر إيلا مهمة معالجة الأزمة الاقتصادية.
"قوى الحرية" تتحدى الطوارئ
سيكون يوم الخميس اول اختبار عملي لحال الطوارىء التي فرضها البشير الجمعة الماضي وتم تشكيل نيابات ومحاكم طوارىء.
وقررت "قوى الحرية والتغيير" التي تضمّ "تجمع المهنيين السودانيين" وتحالفَي "قوى نداء السودان" و"قوى الاجماع الوطني" الخروج في تظاهرات وسط الخرطوم تحت شعار "مواكب التحدي". وقالت "قوى الحرية والتغيير" في بيان "الخميس يومٌ نوصِّل فيه صوتنا واضحاً لنظام الفساد والاستبداد، بأن إرادة الشعب لن تنكسر أمام أي إجراءات كانت، وسيكون فعلنا جماعياً داخل السودان وخارجه".
وقالت "قوى الحرية والتغيير" "سنخرج في المواكب وسنرفع اللافتات، وعلى الذين لا يستطيعون للساحات سبيلاً أن يهتفوا أمام منازلهم أو يضربوا على الأواني أو أبواق السيارات... إن الثورة فرض عينٍ على كل سودانيةٍ شريفة وسوداني شريف، داخل الوطن وخارجه".
الطوارىء تدخل حيّز التنفيذ
في المقابل، أعلن النائب الأول للرئيس السوداني الفريق عوض ابن عوف، عقب لقائه البشير الأربعاء، أن "حال الطوارئ فُرضت بعد الأزمة وليس خلالها"، موضحاً أن "فرضها جاء لوقف تخريب الاقتصاد وضياع الموارد وتسرب المال، وليس مقصوداً بها قمع التظاهرات"، مشيراً إلى أن "فرض حالة الطوارئ هدفه فرض الأمن والأمان وتطبيق الأحكام وإشاعة العدالة واستقرار البلاد".
وقال مسؤول عدلي سوداني إن الطوارئ دخلت حيّز التنفيذ بمجرد التوقيع عليها يوم الإثنين الماضي، وبات حق التجمهر والتجمع وتنظيم المواكب غير المرخص لها من المحظورات، وكذلك إقفال الطرق العامة وإعاقة حركة سير المواطنين ووسائل النقل. ودرج المتظاهرون خلال الشهرين الماضيين على إغلاق الأحياء والطرق العامة منعاً لوصول قوات الشرطة والأمن إليهم. ويعاقب قانون الطوارئ كل مَن خالف أحكامه بالسجن عشر سنوات.
اعتصامات الأربعاء
من جهته، أعلن "تجمع المهنيين" أن يوم الاربعاء شهد اعتصامات في جامعات السودان العالمية والمغتربين والاحفاد، وفي عدد من المستشفيات، ووقفة احتجاجية لتجمّع المهندسين، إلى جانب تظاهرات في منطقتَي جبرة وحيّ الأزهري في جنوب شرقي الخرطوم.
وتحظر أوامر الطوارئ الإضرابات والتوقف عن العمل أو الخدمة أو تعطيل المرافق العامة، والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة والتخريب وترويع المواطنين والإخلال بالأمن والسلامة العامة.
البشير يرتب ملفاته
وكشف مسؤول رئاسي لـ "اندبندنت عربية" أن البشير قرر أن يشرف بنفسه على ملف المحادثات مع متمردي "الحركة الشعبية –الشمال" التي تقاتل الحكومة في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، ويتوسط فيها الاتحاد الأفريقي. كما سيشرف على التفاوض في أزمة دارفور مع حركتي "العدل والمساواة" بزعامة جبريل ابراهيم و"تحرير السودان" فصيل مني أركو مناوي التي تتوسط فيه قطر، مشيراً إلى أنه عازم على "طي صفحة الحرب نهائياً قبل حلول نهاية العام".
ورأى المسؤول الرئاسي أن فكّ البشير ارتباطه بحزب المؤتمر الوطني الحاكم، سيسهل مهمته في قيادة الحوار مع المعارضة بروح جديدة، وبلا أعباء حزبية. كما سيدفع بعملية السلام مع حمَلة السلاح في دارفور والمنطقتين. ويتوقع في هذا الشأن إعادة تشكيل وفد الحكومة إلى المفاوضات وفق مرجعية جديدة.
فرص التسوية
وسيكون الملف الثاني الذي سيحرّكه البشير هو قيادة حوار مباشر مع قوى المعارضة التي رفضت مؤتمر الحوار الذي أنتج "حكومة الوفاق الوطني" بنسختيها اللتين حُلتا مع استمرار الأزمة الإقتصادية وتصاعد الاحتجاجات.
ويرفض تحالف "قوى الإجماع الوطني" الذي يضمّ فصائل المعارضة الداخلية، وغالبيّتها من قوى اليسار، (أبزرها الحزب الشيوعي) أي حوار مع النظام الحاكم وتسعى الى اسقاطه، في حين طرح تحالف "قوى نداء السودان" بزعامة الصادق المهدي، ويضم حركات مسلحة في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان، شروطاً لحوار متكافئ مع النظام ينتهي بتشكيل حكومة انتقالية، وعقد مؤتمر دستوري ثم اجراء انتخابات حرة ونزيهة مُراقَبة دولياً.
شرعية التوافق وإرجاء الانتخابات
يعتقد مراقبون أن خطوات البشير أتت استجابةً لضغوط الحراك الشعبي ورغبة السواد الأعظم من المواطنين نحو التغيير. كما تُعتبر تلك التطورات تغيّراً في مواقف قادة الحكم خلال المرحلة الأولى من الاحتجاجات، بأن لا سبيل للتغيير الا عبر الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في العام 2020.
وترى نخب سودانية أنه إذا تحققت الوعود والتعهدات التي أعلنها البشير، فإنها ستفتح الأفق المسدود حالياً، أمام مسارات سياسية جديدة، وتهيئ المناخ نحو تحوّل ديموقراطي حقيقي يدفع القوى السياسية إلى ممارسة نشاطها بتكافؤ، خصوصاً إذا انتهى ارتباط الدولة بالحزب الحاكم وصارت مؤسسات الدولة محايدة وتحققت قومية الرئاسة فعلاً لا قولاً.
وقال خبير دستوري إن عمر الحكومة الجديدة سيكون سنةً واحدة، مثل مهلة الطوارئ، في حين سيتطلب انجاز التسوية السياسية وتحقيق السلام وقتاً، وهذا ما يرجح تأخير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عن موعدها في العام 2020، واستمرار البشير في موقعه بشرعية التوافق الوطني مع القوى السياسية الفاعلة، لسنتين أو ثلاث، لتهيئة البيئة السياسية نحو انفتاح وانتخابات حرة ونزيهة تشهد تنافساً حقيقياً، وتنتج برلماناً متوازناً وتحولاً ديموقراطياً.
ويُرجّح أن تنظر قوى إقليمية ودولية مؤثرة بارتياح إلى توجهات البشير الجديدة وستنتظر خطوات عملية للتعاطي معها ايجابياً. وليس بالضرورة انها ستضع الحكومة السودانية ضمن أحد المحاور المتنافسة في المنطقة، لكنها ستخرج موقف الخرطوم من المنطقة الرمادية إلى فضاء أوسع، وهذا ما يعزز الانفتاح الخارجي ويحقق استقراراً يسمح للسودان بلعب دور في مكافحة الارهاب والهجرة غير الشرعية.
وتشهد مدن سودانية عدة منذ 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي تظاهرات احتجاجاً على تدهور الاوضاع الإقتصادية والمطالَبة بتنحي البشير، رافقتها أعمال عنف أسفرت عن سقوط 32 قتيلاً وفق آخر إحصاء حكومي، في حين ذكرت منظمة العفو الدولية في 11 فبراير (شباط) الحالي، إن العدد بلغ 51 قتيلاً.