الإجابة البديهية عن السؤال البديهي "مَن ربح في أزمة فيروس كورونا ومَن خسر بسببها؟ هي أننا جميعنا خاسرون". قد يبدو من غير اللائق أن نميل حتى إلى التفكير في مثل هذه المقارنة بين الحظوظ السياسية، في وقت لقي فيه نحو 50 ألف شخص في بريطانيا حتفهم بسبب الوباء، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وبينما يواصل عدد أكبر من الناس المعاناة من مشكلات صحية شتى، ولا يزال المزيد من العائلات والأصدقاء يتعاملون مع فاجعة خسارتهم أحد المقربين إليهم. ومهما حاولنا تفسير الأرقام التي وصلنا إليها، فهي تبقى من أعلى النسب في العالم.
وعلى الرغم من ذلك، فإنّ الوباء أصبح يشكّل، سواء رغبنا في ذلك أم لا، حدثاً سياسياً عميقاً، لا بل حدث مثير للانقسام في الفترة الأخيرة، الأمر الذي من شأنه أن يغيّر المسار السياسي للبلاد.
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن رئيس الوزراء بوريس جونسون كان لا يزال يتمتّع حتى الأسبوع الماضي، بمستوى بارز من التأييد الشعبي. غير أن إصابته وشريكته الحامل كاري سيموندز (وإن لم يتمّ إدخالها إلى المستشفى) بالعدوى، أكسبته تعاطفاً شعبياً واسعاً. واتّضح شأنه شأن سائر القادة حول العالم، أنه كان مستفيداً من "حشد مبكّر" للرأي العام في بريطانيا.
ومنذ اندلاع الجدل الذي أحاط بدومينيك كمينز، أحد كبار مستشاري جونسون، شهد رئيس الوزراء البريطاني تراجعاً ملحوظاً في تصنيفه الشخصي كما في تصنيفات حزبه، على الرغم من أن حزب "المحافظين" يتفوّق الآن بست نقاط على حزب "العمال". لكن في الإجمال وعلى المستوى السياسي البحت، يخرج جونسون من الأزمة أقلّ شعبية وتأثيراً. ويبدو أن شهر العسل الذي عاشه سابقاً انتهى.
وتوازياً، لم يكن أداء زملائه في الحكومة أفضل بكثير، بحيث بدا وزير الصحة مات هانكوك، على مدى معظم الأسابيع القليلة الماضية، أشبه بكيس ملاكمة، يتلقّى وابلاً من الاتهامات جراء أخطائه وإخفاقاته في قدرته على إدارة أزمة كورونا. وبدت محاولاته الخطابية العرضية بنبرة "تشرتشل" الحاسمة، محرجة له بشكل كبير، ووصفها المقدّم التلفزيوني البريطاني تشارلي بروكر بسخرية بأنها تحاكي إطلالة شخص يحاول أن يبدو "أول صديقٍ لشقيقتك يمتلك سيارة"، كما قال. ولم يبقَ في الواقع أحد إلا وتعرّض لهانكوك، بدءاً من المذيعة كاي بورلي في "سكاي نيوز"، مروراً بروزينا ألين خان العضو في حزب "العمّال" المعارض، وصولاً إلى الإعلامي والمحاور بيرس مورغان. وعلى الرغم من ذلك تجده ممعناً في استدراج مزيدٍ من ردود الفعل والانتقادات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
آلوك شارما، وزير الأعمال البريطاني، يبدو من جهته منهمكاً ومنكبّاً على تلميع صورة باقي أعضاء الحكومة. وأطلق على شارما الذي يجول متبختراً ببزّاته الفاخرة، ويتّسم بمخارج لفظية حادّة ومتفاخرة، لقب "ذروة لينكد إنْ" بسبب ميله المفرط إلى استخدام عبارات مؤسّسية مبتذلة. أمّا غافين وليامسون وزير التعليم فيمتلك هو كذلك النبرة نفسها التي تجعله يبدو وكأنه مدرّس حضانة يحاول "استعادة السيطرة" على طاولة صنع المعجون، في محاولاته العبثية لفرض قواعد التباعد الاجتماعي.
روبرت جنريك، وزير الإسكان، قُبض عليه وهو يقوم برحلة طويلة لمساعدة والديه، لكنه تمكّن من أن ينفذ بجلده، وكذلك مايكل غوف وزير العدل الذي قد يبدو أكثر فأكثر كرسم كاريكاتوري لأحد السياسيين المراوغين والمبتذلين حسب اعتقاد البعض، على الرغم من أنني أعتقد أننا جميعنا نتفق على إبقاء ذلك قيد المراجعة المستمرة، وأن نسترشد كالعادة بما يمليه علينا العلم، بينما نمضي قدماً في دعمنا أبطال الخطوط الأمامية الذين يحاربون عدواً غير قادر على التمييز بين الناس. والآن فلننتقل إلى الشريحة الآتية من العرض.
ماذا عن وزيرة الداخلية بريتي باتيل؟ يبدو أنها لا تستطيع قراءة أرقام كبيرة، وتأسف لشعوركم على هذا النحو حيالها. أمّا ريشي سوناك وزير الخزانة، فهو الفائز الوحيد بلا منازع داخل مجلس الوزراء، إذ بدا أصيلاً وذا طابع إنساني. أو لعلّه يمتاز بالموهبة التي كان يملكها الكوميدي الراحل بوب مونكهاوس: "إن الجمهور يحب الصدق، وإذا كان بإمكانك التظاهر به، تكون قد حصلت عليه". في كلتا الحالتين، أنفق نحو تريليون جنيه لفهم تحديات حياته المهنية.
أمّا الآخرون الذين استطاعوا أن يحظوا بإيجابيات صافية من الأزمة فهم جميعاً من السياسيين المعارضين. الوزيرة الاسكتلندية الأولى نيكولا ستورجون على سبيل المثال، أظهرت تبايناً واضحاً لجهة التحكّم البارد بالأزمة في مناطقها، في موازاة الفوضى القائمة في لندن. وفي ستورمونت، نجحت كلٌّ من رئيسة وزراء إيرلندا الشمالية آرلين فوستر، المؤيّدة بقوّة الوحدة مع المملكة المتّحدة، ونائبتها ميشيل أونيل المناصرة الجمهورية الإيرلندية، في العمل معاً في انسجام بارز. وفي النهاية، لم يكتشف أحدٌ حتى الآن ما إذا كان هذا الكائن المجهري الدقيق هو فيروس بروتستانتي أو كاثوليكي.
قد يبدو من الظلم إصدار كثير من الأحكام على المسؤولين تعساء الحظ، والصحافيين الغارقين في عواصف "تويتر" وجدالات وسائل الإعلام، إلا أننا لا يمكننا أن لا نلحظ أنهم هم الوحيدون الذين لا يتعرّضون إلى توبيخات أو استقالات. فقد اضطُرت كاثرين كالديروود كبيرة المسؤولين الطبيين في اسكتلندا، والبروفيسور نيل فيرغسون عالم الأوبئة من "المجموعة الاستشارية العملية للطوارئ" Sage، إلى التخلّي عن منصبيهما، وهو ما لم يفعله كبير مستشاري جونسون دومينيك كمينز. في حين تعرّضت المذيعة إميلي ميتليس للتوبيخ من قبل إدارة "بي بي سي" التي تلقّت بدورها جرعة من التوبيخ من وزير الثقافة أوليفر دودن. ولا ننس ماري ويكفيلد زوجة كمينز، التي كتبت مذكراتها خلال مرحلة الإغلاق، ونُشرت في مجلة The Spectator، لكن لم يرد في سردها أي ذكر على الإطلاق لكلمتي "دورهام" و"كاسل بارنارد".
ما زالت السيدة كمينز تتولّى منصب محررة التكليف في المجلة. وأُحيلت مقالتها إلى الجهة المنظّمة لعمل الصحافة. أما في ما يتعلق بـ "كبيري السادة خلال أزمة كورونا" وهما باتريك فالانس كبير المستشارين العلميين، وكريس ويتي كبير الأطباء، فتحوم شكوك حول ما إذا كانت سمعتهما ما زالت جيدة بسبب ارتباطهما برئيس الوزراء.
كلّ ما تقدّم يجعلنا نستنتج أن كير ستارمر هو "الفائز" الأكثر وضوحاً بين الآخرين. فقد جاء تعيين الزعيم الجديد لحزب "العمال" في الرابع من أبريل (نيسان) من دون أن يلحظه أحدٌ نسبياً. من البديهي أنه لا يمكن أن يُجرى تنظيم ترحيب جماعي به في وقت تواجه فيه البلاد أزمةً نتيجة ارتفاع عدد الوفيات. وكان يُعتقد أن ستارمر سيناضل بعض الشيء من أجل لفت الانتباه، تماماً كما فعل زعيم "الديمقراطيين الأحرار" إد ديفي.
ومع ذلك، فإن ستارمر تمكّن من خلال عزمه وحذره الهادئين، من أن يبدو في وضع أفضل من بوريس جونسون خلال جلسة طرح الأسئلة على رئيس الوزراء، بحيث استطاع أن يعكس مسار القرار بإلزام موظّفي هيئة "الخدمات الصحّية الوطنية" NHS بالدفع لقاء الخدمات الصحية، وأثار بحنكة جدلاً في أوساط أعضاء حزب "المحافظين" من سياسيي المقاعد الخلفية، في شأن محاولة التخلص من دومينيك كمينز. لكن في نهاية أسبوع حافلٍ بالاضطرابات، لم يبرح كمينز مكانه، على الرغم من جميع الصعاب، وما زال الفائز الأكبر على الإطلاق. فبعد إصابته بفيروس "كوفيد 19" ربما اكتسب بعض المناعة السريرية. لكنه بدا بكل تأكيد محصّناً من الهجوم السياسي.
© The Independent