تنتهي حلقة من مسلسل "ليالي الحلمية"، لتبدأ أخرى عبر شاشة مختلفة من مسلسل "الشهد والدموع"، ثم دقائق ويتابع المشاهدون أحداث مسلسل "المال والبنون"، أو "ذئاب الجبل" أو "أرابيسك". فالخريطة متنوعة وتوحي بأن المحطات الفضائية كلها وفجأة أصبحت تريد منافسة قناة ماسبيرو زمان، المحطة التي انطلقت عام 2016 لتحتفي بالتراث الفني المصري، واتسعت رقعة مشاهدتها حتى باتت تجربة ملهمة لكثير من القنوات التي تعرض مسلسلات حديثة جنباً إلى جنب مع الأعمال الفنية القديمة، وكأنها مباراة في النوستالجيا، لتعود تلك الأعمال إلى الواجهة، وبعد أن كانت تعرض نادراً؛ لتأخذ حظها من النجاح مرة أخرى في عصر السوشيال ميديا. فالانتشار هذه المرة مختلف عن الثمانينيات والتسعينيات وحتى أوائل الألفية.
السوشيال ميديا تحتفي بملحمة عبد الغفور البرعي
مسلسل مثل "لن أعيش في جلباب أبي" كان عرضه الأول عام 1996، ويعتبر من أشهر وأنجح أعمال الفنان الراحل نور الشريف، لكن انتشاره وجماهيريته منتصف التسعينيات وضع مختلف تماماً عن حالة الهوس التي صنعها على مدار الفترة الماضية، حيث أعيد عرضه أكثر من مرة على عدة قنوات مصرية وفي توقيتات ذروة المشاهدة، وقد تصدر العمل مراراً محركات البحث عربياً، بل إن حلقة زفاف إحدى بنات عبد الغفور البرعي في المسلسل "سنية"، التي أدت دورها ناهد رشدي، تم تداول فيديوهات و"كوميكس" حولها بالتزامن مع عرضها على الشاشة لتُغرِق مواقع التواصل الاجتماعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعاد أبطاله للحديث في البرامج التلفزيونية عن كواليسه، وكأنه مسلسل من إنتاج 2020 ولاقت تصريحاتهم اهتماماً كبيراً وتصدرت بدورها اهتمام جمهور السوشيال ميديا.
المسلسلات القديمة تعود لتأخذ حقها في عصر "التريند"
حالة مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" لنور الشريف وعبلة كامل، تكررت في مسلسلات أخرى كثيرة، حيث تتسابق الفضائيات على عرض أعمال كلاسيكية، باتت تجد لها مشاهدين من أجيال جديدة، ولم يتوقع أحد أن تستحوذ على اهتمامهم بهذا القدر، فيما هي بالطبع تحافظ على معجبيها القدامى من الأجيال التي شهدت العرض الأول، وهم بدورهم يتابعونها بشغف الحنين إلى تلك الأيام، لتصبح النوستالجيا مرة أخرى هي سيدة الموقف، فبعد أن أصبحت برامج بحد ذاتها قائمة على تلك الفكرة، وأصبحت الإعلانات أيضاً تلعب على نجوم أغنيات التسعينيات، فالمسلسلات كذلك يعاد اكتشافها لتحقق صدى من نوع آخر، وتنافس بقوة، بل تتفوق في أحيان كثيرة على الإنتاج الجديد الذي يعرض في الموسم نفسه معها.
يقول الناقد الفني إيهاب التركي عن تحوّل فكرة عرض الأعمال الدرامية القديمة إلى ظاهرة بعدما كانت تعرض بالمصادفة لتصبح الآن مجال حديث واسع بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، "إن هذه الأعمال كانت تُعرض بشكل دوري على قنوات المسلسلات القديمة المشفرة مثل art، وعلى بعض القنوات المفتوحة مثل ماسبيرو زمان، والجمهور هنا كان محدوداً، ولكن الآن إلى جانب عرضها على القنوات المفتوحة والعامة بانتظام، فهناك متغير جديد جعل رقعة مشاهدتها تزداد؛ وهو إتاحتها على المنصات الرقمية مثل Watchit، وهذا خلق سهولة كبيرة في الوصول إليها ومتابعتها. فالمتفرج لن يضطر لانتظار مواعيد عرض مسلسل قديم على قناة لا يتابعها، بل يمكنه مشاهدته بالكامل في عدة أيام".
المسلسلات الكلاسيكية تكشف ضعف مستوى الإنتاج الحالي
إذن أصبح هناك استثمارٌ في المسلسلات القديمة بصورة كبيرة، ورهانٌ على استقطاب المشاهدين والمشتركين بتلك الطريقة، حيث سريعاً نجد إفيهات الأبطال في تلك الأعمال باتت متداولة بين الجمهور، ونرى سيلاً من الكوميكس التي تتندر على مشاهدها وتذكّر الجمهور بها في حالة من الزخم توحي وكأن هذا هو عرضها الأول. وبالتالي وجدت هذه الأعمال مكاناً ثابتاً على خريطة المحطات الكبرى باعتبارها مضمونة النجاح وتزيد نسب المشاهدة. الأمر نفسه بالنسبة لتطبيقات المشاهدة المدفوعة فحتى منصة نتفليكس بات لديها قسم خاص للنوستالجيا العربية، يضم أفلاماً ومسرحيات قديمة، ومن المتوقع أن تدخل أيضاً سباق المسلسلات الكلاسيكية.
وبعد إتاحة هذه الأعمال تأتي المفاجأة بالنسبة للجمهور الذي يكتشف أنه مقارنة بدراما أخرى حديثة لديها قاعدة دعاية عريضة وإنتاج ضخم فإن الكلاسيكيات تحتفظ بأهميتها وقيمتها.
وأوضح إيهاب التركي لـ"اندبندنت عربية"، أن أعمالاً مثل "لن أعيش في جلباب أبي" قصة إحسان عبد القدوس وسيناريو مصطفى محرم و"الشهد والدموع" كتبه الراحل أسامة أنور عكاشة وغيرهما من كلاسيكيات التلفزيون، تعتمد على بناء درامي قوي وحكايات شعبية اجتماعية ملحمية، وشخصياتها مرسومة بعناية، والأداء الدرامي لها شديد الجاذبية، ولهذا نجد مثلاً شخصيات مثل "عبد الغفور البرعي- نور الشريف" وأفراد عائلته شخصيات حية حتى الآن.
يضيف، "وهذا جزء من أصالة وإبداع هذه المسلسلات، ولا نجده مع مسلسلات أخرى عُرضت بعدها بسنوات، وقلما نجده في الأعمال الحديثة خلال السنوات القريبة الماضية. وبالطبع تلك الأعمال القديمة نسبياً تكشف فقر كتابة وأداء أبطال بعض المسلسلات الحالية التي يمكن أن تكون ترينداً خلال فترة عرضها ثم ننساها تماماً. أما المسلسلات الكلاسيكية الشهيرة فتمتلك في جوهرها عناصر "الطزاجة الفنية" التي تجعلها ترينداً حتى بعد مرور عشرات الأعوام على عرضها".