يُتوقّع أن يزداد حجم البلاستيك الذي يصل إلى المحيطات سنوياً بمقدار ثلاثة أضعاف تقريباً في غضون العشرين عاماً المقبلة، وأن يؤدي بحلول عام 2050 إلى أن تفوق كمية تلك النفايات ما تحتضنه مياه كوكب الأرض من أسماك، وفق ما جاء في دراسة تحليلية حديثة.
الدراسة التي أعدّها باحثون من مؤسسة "إلين ماك آرثور"Ellen MacArthur Foundation الخيرية البريطانية، وجامعتي "أكسفورد"، و"ليدز" البريطانيتين، و"كومون سيز" (البحار المشتركة) Common Seas المؤسسة غير الربحية المعنية بالبحث عن حلول لأزمة التلوث البلاستيكيّ، وجدت أنّ المحيطات قد أُغرفت بزهاء 11 مليون طنّ من البلاستيك في عام 2016.
وأشارت الدراسة إلى أنّ تلك الكمية قد تتضاعف ثلاث مرات تقريباً لتصل إلى 29 مليون طن سنوياً مع قدوم عام 2040. ونظراً إلى أنّ البلاستيك لا يتحلّل، ستبلغ كميته الإجمالية الموجودة في المحيطات 600 مليون طنّ.
تستند الأرقام التي أصدرتها الدراسة بشأن تلك الكميات الهائلة من البلاستيك إلى توقّع ارتآه الباحثون مفاده أنّ حجم البلاستيك الموجود في الأسواق سيزداد بمقدار الضعف بحلول عام 2040، وذلك إذا أخفقت الحكومات والشركات في اتخاذ ما يلزم من إجراءات.
وفي تصريح لـ"اندبندنت" في هذا الشأن، قال روب أوبسومر، الرئيس التنفيذي لقسم "البلاستيك والأزياء والتمويل" في منظمة "إلين ماك آرثر"، "لدينا اعتقاد راسخ بأنّ محاولة تغيير النظام كأفراد أمر شبه مُحال. نركّز على استبدال الأوضاع القائمة المتاحة أمام شعبنا عبر تغيير الخيارات التي توفّرها الشركات للناس".
"ينصبّ التركيز الرئيس على الشركات والحكومة لأنّهم يملكون فعلاً القدرة على تغيير النظام".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
معلوم أنّ البلاستيك يلحق الدمار بالنظم الإيكولوجية البحريّة، إذ يتفكّك إلى قطع صغيرة جداً. وقد غزت الجزيئات المتناهية الصغر من البلاستيك (الميكروبلاستيك) كل أعماق محيطات العالم، ووجدت دراسة حديثة أنّ كمية تلك المخلفات ربما تفوق في الحقيقة ضعف الأرقام التي توصّلت إليها تقديرات سابقة.
وللأسف، تُلحق نفايات المحيطات الضرر بما لا يقل عن 600 نوع من الحيوانات البرية، وفقاً لـ"أوشن كونسرفانسي"Ocean Conservancy المنظمة الأميركية غير الحكومية المعنية بالحفاظ على المحيطات. ويستهلك كثير من أنواع الأسماك حطام البلاستيك ظناً منها أنّه طعام فعليّ، من ثم يدخل ذلك سلسلة غذائنا عبر سوق المأكولات البحرية.
وسبق أن تصدّت مناطق من العالم للنفايات البلاستيكية الموجودة في المحيط عبر تحسينها أنظمتها الخاصة بإدارة المخلفات، أو لجوء شركات إلى حظر منتجات مصنوعة من البلاستيك من بينها الماصات ( straws ) والأكياس البلاستيكية. بيد أنّ الباحثين لاحظوا أنّ أياً من تلك الخيارات لن يخفِّف في الحقيقة المشكلة على النحو المطلوب.
وفي هذا الصدد، قال أوبسومر "شهدنا إجراءات قليلة جداً بشأن الاستغناء عن البلاستيك"، قياساً إلى الشركات التي تعرض تخفيض، أو إعادة استخدام بعض أنواع البلاستيك.
اقترحت شركات كبرى تغيير نظام التعبئة والتغليف الخاص بها في السنوات المقبلة بغية الحدّ من النفايات البلاستيكية، غير أنّ الدراسة وجدت أنّ تلك الخطوة لن تخفض سوى 7 في المئة من "تسرّب" البلاستيك إلى المحيطات. وفي الواقع، ربما يفيد تعديل التعبئة والتغليف في المعركة ضدّ البلاستيك، غير أنّه لن يكون كافياً لكبح المدّ المتصاعد من النفايات البلاستيكية.
وفي ردّها على الدراسة التحليلية المعنونة "كسر الموجة البلاستيكية" قالت مؤسسة "إلين ماك آرثر" "لا يمكننا التخلّص من التلوث البلاستيكي عبر إعادة التطوير، ولا عبر خفض استخدام (المواد البلاستيكية) ببساطة".
عوض ذلك، أوصى الباحثون "باتباع نهج اقتصاديّ دائريّ شامل" كوسيلة لإعادة النظر في سوق البلاستيك الحالي.
ستقتضي هذه الخطة أن تستغني الشركات والمؤسسات التجارية الضخمة عن المواد البلاستيكية التي لم تعد بحاجة إليها، وأن تذهب في مسعاها إلى أبعد من التخلّص من الماصات والأكياس البلاستيكية. ينبغي توفير نماذج جديدة لخدمة التوصيل للمستهلكين، مع التركيز على التخلّص من العبوات البلاستيكية المُستعملة للأصناف الفردية، واستبدال مواد قابلة لإعادة الاستخدام بها.
إلى الآن، أقرّت 850 منظمة اعتماد نهج الاقتصاد الدائري في إدارة البلاستيك، وفق كلام أوبسومر. حصلت منظمة "إلين ماك آرثور" على التزامات من حوالي 20 في المئة من منتجي البلاستيك العالميين فيما يتصل بالتزامها العالميّ بشأن تبني الاقتصاد الدائري المستدام. ومع ذلك، ثمة حاجة إلى انضمام مزيد من الشركات إلى هذه المساعي للمساهمة في التغيير قبل عام 2040.
وقال أوبسومر "نحن بحاجة إلى انضمام المزيد (إلى الالتزام). ثمة بعد حوالي 80 في المئة من الشركات التي تقوم بالقليل جداً".
الحدّ من كمية البلاستيك في المحيط، يستدعي من الشركات إعادة تصميم كاملة لكيفية إعادة استخدام المواد، أو إعادة تدويرها، أو إعادة تصميمها. بالإضافة إلى ذلك، سيتطلّب الأمر المزيد من البنى التحتية لجمع المواد البلاستيكية الموجودة أصلاً وتدويرها، التي يمكن أن تكلف ما يقدَّر بنحو 30 مليار دولار وفقاً للدراسة.
قال أوبسومر "ثمة تكلفة باهظة مطلوبة خلال العشرين سنة المقبلة لتمويل البنية التحتية اللازمة لعملية التجميع وإعادة التطوير. يستلزم القيام بذلك عبر استثمارات ضخمة وتكلفة تشغيلية مستمرّة. سيتعيّن على الشركات المساهمة في ذلك، وأن تأخذ بزمام المبادرة بشكل أكبر".
يشكِّل التقرير ضغطاً على الشركات والحكومات لاتخاذ قرارات في الحاضر ستخلّف تأثيراً كبيراً في سوق البلاستيك في المستقبل.
بالإضافة إلى الـ29 مليون طن من البلاستيك التي توقّعت الدراسة أنّ تدخل كل عام إلى المحيط بحلول عام 2040، إذا أخفقت الشركات والحكومات في اتخاذ إجراءات فورية بشأن مقترحات الدراسة، وتأخّرت لمدة خمس سنوات فقط، ستنتهي 80 مليون طن إضافية من النفايات البلاستيكية في المحيط بحلول عام 2040.
© The Independent