ملخص
يلقي الكاتب والإعلامي عزيز المجدوب في كتابه الجديد "عبد الحليم حافظ: حكايات مغربية"، أضواء جديدة ومجهولة على العندليب الأسمر بصفته نجماً مغربياً وعلى حضوره الساطع في المغرب.
في كتابه الجديد "عبد الحليم حافظ: حكايات مغربية"، الصادر عن منشورات سليكي أخوين - طنجة، يخرج الكاتب والإعلامي عزيز المجدوب عن كل الإطارات والبورتريهات السابقة التي شكلها الإعلام العربي عن العندليب الأسمر، ويتفادى اجترار المعروف والمتداول من سيرته وتفاصيل حياته وأسراره التي لم تعد أسراراً بعد رحيله. فالكتاب بعنوانه الواضح والمبسط يحدد مجال اشتغاله، أي النبش في ما يجمع عبد الحليم حافظ بالمغرب، وما يحفظه المغرب لعبد الحليم من معطيات وتفاصيل لا يملكها إلا القليل. ومن يقرأ الكتاب سيلمس الجهد الذي بذله المجدوب في التنقيب عن هذه المعطيات الغابرة.
يقف المجدوب عند الزيارات التي قام بها عبد الحليم للمغرب منذ بداية الستينيات إلى رحيله عام 1977، وما عرفتها هذه السنوات من تحولات سياسية، ومن تأثير مراكز القرار في الحياة الفنية، وكواليس الرؤساء والملوك مع الموسيقى والغناء. كما يقف الكاتب عند الحياة المغربية لعبد الحليم حافظ وما بطّنها من إشراقات وإخفاقات، وما شابها من دسائس ووشايات. يعود المجدوب إلى صداقة العندليب بالملك الراحل الحسن الثاني، ولقاءاته بالجنرالات ورجال السياسة، ويستعيد اللحظة التي خرق فيها الفنان المصري البروتوكول الملكي، ومنْعه لاحقاً من الدخول إلى المغرب بسبب غنائه في الجزائر أمام الرئيس بن بلة وتشي غيفارا. كما يتعقب الكاتب العندليب وهو يشتري "عفش" زواجه من سعاد حسني من مدينة الدار البيضاء.
يعرض الكتاب لتفاصيل أخرى مرتبطة بحكاية حليم مع زوجة الجنرال أوفقير، وعن اكتشافه لتجسس هذا الجنرال على الملك، كما يغوص في تجربة محاولة الانقلاب العسكري على الحسن الثاني التي رفض صاحب "رسالة من تحت الماء" أن يكون طرفاً فيها، والتي نجا منها بفضل أحد الضباط المعجبين بأغانيه، والذي جنّبه سيناريو الإعدام رمياً بالرصاص.
يقف الكتاب عند اللحظة التي غنى فيها محمد عبد الوهاب مكرهاً أمام الملك، وعند الخصام الذي وقع بين عبد الحليم وعبد الوهاب الدكالي والصلح الذي تم بينهما في بيت مصطفى العلوي، كما يرصد السهرات الخاصة للعندليب في فيلات الطبقات المخملية بالمجتمع المغربي.
صداقة الحسن الثاني
ربما يعرف الجمهور في غالبيته الأغنية الشهيرة التي غناها العندليب في نهاية الستينيات تقرباً إلى الملك الحسن الثاني، وسعياً إلى المصالحة حينما قرر النظام السياسي إغلاق كل الأبواب في وجهه، بعد أن غنى في الجزائر أمام الرئيس بن بلة وضيفه الأممي تشي غيفارا. وكانت تلك الأغنية من تأليف مرسي جميل عزيز وألحان بليغ حمدي، ويقول مطلعها: "الماء والخضرة والوجه الحسن/ عرائس تختال في عيد الحسن". لكن اللافت أنها لم تكن الأغنية الوطنية الوحيدة التي قدمها عبد الحليم للمغرب، بل ثمة عشر قطع أخرى تغنى بها، إذ لم يسبق أن خص بلداً عربياً بالقدر ذاته من الأغاني الذي خص به المغرب. في الآن ذاته كان الملك يرفع الكلفة في علاقته بالمطرب المصري، فأحياناً يقود فرقته الموسيقية بنفسه في سهرات القصر، بل إنه سيقوم بضبط أوتار العود قبل أن يعزف عليه عبد الحليم.
التقى الحسن الثاني بعبد الحليم قبل أن يجلس على كرسي الحكم. كان ذلك عام 1959 على هامش حفلة افتتاح السد العالي. وكتب العندليب في مذكراته عن تلك اللحظة متنبئاً بأن صداقة كبيرة ستجمعه بالأمير. وهي ما حدث بالفعل منذ وصول المطرب المصري إلى المغرب عام 1962 أي عاماً واحداً بعد تولي الحسن تقاليد الحكم. كان من بين مرافقيه في زيارته الأولى يوسف وهبي وسعاد حسني وعمر الحريري وأعضاء الفرقة الماسية التي كان يرأسها المايسترو أحمد فؤاد حسن. وكان الأمر يتعلق بجولة فنية في عدد من مدن المغرب نظمتها إذاعة "صوت العرب"، وشاركت فيها أيضاً نخبة من أبرز الفنانين المغاربة مثل المطربين عبد الوهاب الدكالي وإسماعيل أحمد والموسيقارين الرائدين أحمد البيضاوي وعبد القادر الراشدي. اللافت أن عبد الحليم سقط مغمى عليه فور وصوله إلى مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، بسبب التعب الذي خلفه طول الرحلة التي تجاوزت 16 ساعة على غير المعتاد.
شاهد فيلماً في سينما موريتانيا بالدار البيضاء، وحضر مباراة في كرة القدم بين فريقي الكوكب المراكشي والمولودية الوجدية رفقة الحسن الثاني والأمير عبدالله.
سعاد حسني وحرب الرمال
يقف المجدوب عند التفاعل الرهيب الذي تفاجأ به العندليب من لدن محبيه في المغرب، والذين كانوا يسبقونه إلى الأماكن التي يفترض أن يصل إليها ويحولون دون هذا الوصول. فانتماؤه بالنسبة إليهم غير محصور في مصر وحدها، إنه الفنان الذي يجسد الوجدان العربي في امتداده الجغرافي والتاريخي أيضاً.
بعد نهاية الجولة الفنية لم يغادر العندليب المغرب، بل ظل فيه لأسابيع إضافية رفقة سعاد حسني، قبل أن يتوجها معاً إلى إسبانيا. اتخذا قرار الزواج وهما في المغرب، بل إن عبد الحليم اشترى أثاث غرفة النوم من أحد أسواق الدار البيضاء، وطلب أن يتم شحنه إلى القاهرة، قبل أن يعود للاتصال من إسبانيا مطالباً بإلغاء الشحن لأن مشروع الزواج قد تأجل.
كانت حرب الرمال بين المغرب والجزائر سبباً في أن يتوارى عبد الحليم عن الحياة الفنية في المغرب، فقد اختارت مصر أن تقف في صف الجزائر، لذلك كان قرار الرباط حاسماً في قطع العلاقة مع القاهرة على مختلف الأصعدة، والفن أحدها. استمرت هذه القطيعة ست سنوات، قبل أن تعرف الحياة السياسية بين البلدين نوعاً من التصافي، ليعود العندليب إلى المغرب من جديد. لكنه تعرض لموقف محرج حين خرق البروتوكول الملكي، وأثناء السلام الرسمي قبّل الحسن الثاني في خده. وهو الأمر الذي لم تكن أعراف القصر تسمح به آنذاك.
يعود كتاب المجدوب إلى مرض عبد الحليم بالمغرب، والفترة التي قضاها للعلاج في مستشفى ابن سينا بالرباط، وإشراف الملك على تتبع حالته الصحية عن قرب. فقد كان يتابع ملفه الصحي ويقرأ تفاصيل الملف، لذلك اتصل بنفسه عبر الهاتف بأكبر إخصائي في أمراض الكبد في فرنسا، وتكفّل بسفره من أجل العلاج هناك.
ثمة الكثير من المعطيات التي يقدمها كتاب عزيز المجدوب "عبد الحليم حكايات مغربية". وهو كتاب يجعلنا نعيد التفكير في علاقة الفن بالسياسة والصداقة والحب، كما يجعلنا نتأمل كيف كان بمقدور فنان عربي في الزمن السابق أن يحظى بكل هذا التقدير وهذه الحفاوة لدى كبار السياسيين ورجالات الدولة، وأن يظفر في الآن ذاته بمحبة كبيرة من الناس البسطاء.