سيطر فيديو صوره أحد الهواة داخل أحد القطارات المصرية، أظهر مشادة كلامية جمعت بين مسؤولي القطار، وأحد مجندي القوات المسلحة المصرية إثر خلاف بشأن "تذكرة القطار"، بدا فيه تطاول "على الزي العسكري للمجند"، سرعان ما هدأت حدته بعدما تدخلت سيدة شهدت الواقعة، وقامت بدفع ثمن التذكرة للمجند، على حالة الجدل والنقاش العام في مصر، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي، استدعت معها تبادل المواقف الرسمية من المؤسسات الحكومية بالاعتذار والتحقيق والاحتفاء بمن باتت تعرف إعلامياً بـ"سيدة القطار".
وخلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، احتفت وسائل الإعلام المحلية بالسيدة صفية أبو العزم، التي تصادف وجودها أثناء الواقعة، فيما استمرت ردود الفعل بين رواد مواقع التواصل على الحادث، الذي أعلنت وزارة النقل المصرية التحقيق بشأنه بعد اعتذارها للمجند، ومعاقبة "رئيس ومشرف القطار" الذي حمل رقم 948 وكان متجهاً من المنصورة بمحافظة الدقهلية إلى العاصمة القاهرة.
تفاصيل قصة "المجند وسيدة القطار"
بحسب ما أظهر مقطع الفيديو المصور، الذي تم تداوله بكثافة وتصدر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، بدأت الحكاية عندما نشبت مشادة كلامية بين رئيس القطار ومشرفه، مع أحد افراد القوات المسلحة بشأن "ثمن تذكرة" الأخير في رحلته المتجهة من المنصورة إلى القاهرة.
وطالب رئيسُ القطار المجندَ بدفع 22 جنيهاً مصرياً (نحو دولار ونصف دولار أميركي) ثمن تذكرته بدلاً من تسليمه للشرطة للتعامل مع امتناعه عن دفع التذكرة.
وبجانب إصرار من قبل مسؤولي القطار بضرورة دفع المجند ثمن التذكرة، تهكم المسؤول بحق "الزي العسكري" عندما قال للمجند "استنى (انتظر) بس، لما نوقع النجوم دي اللي على أكتافك الأول وبعدين كلمني (في إشارة لعدم حصوله على أية رتب عسكرية)"، مضيفاً "إنت دماغك فيها حاجة.. هما مفهمينك إيه في المعسكر". ما أثار استياء كثيرين.
في هذه الأثناء، تدخلت امرأة مصرية كانت شاهدة للموقف، وطالبت المجند بالجلوس وقررت دفع ثمن التذكرة بدلاً عنه رغم رفضه الشديد، موجهة حديثها له بالقول "اقعد يا حبيبي انت زي ابني أنا عندي 3 صبيان زيك"، وانتهى المشهد بإعطاء المجند ثمن التذكرة للسيدة.
ومع الانتشار الواسع للمقطع المصور، وبدء تفاعل مؤسسات الدولة الرسمية مع الحادث بين بيانات الإدانة لـ"التجاوز" الصادر من موظفي القطار، والاعتذار للمجند عما بدر منهم، تصاعد نجم السيدة صفية أبو العزم، واحتفت بها وسائل الإعلام المحلية ومؤسسات الدولة معبرين عن ثنائهم على موقفها "النابع من صفات الأمومة"، لتشتهر إثر ذلك باسم "سيدة القطار".
وبحسب حديث "اندبندنت عربية" مع صفية أبو العزم، التي عبرت عن اندهاشها من ذلك الاحتفاء الواسع بموقفها، فإنها "تصرفت من دافع الأمومة وخشية أن يقع أحد أبنائها في نفس الموقف"، موضحة "رفضت نزول الشاب المجند من القطار، واعتبرت ابني في مثل هذا الموقف، ولو كان الموقف تطور وأجبر مسؤولو القطار المجند على النزول لكنت رافقته ولم أتركه".
وذكرت صفية، التي كانت في رحلة من المحلة الكبرى بمحافظة الغربية في (الشمال الغربي) لحضور حفل زفاف ابن شقيقتها في مركز بركة السبع بالمنوفية (جنوب دلتا النيل)، أن "عدداً من كبار رجال الدولة تواصلوا معها لشكرها، أبرزهم وزير الدفاع المصري محمد زكي، فضلاً عن شكر رئاسة الجمهورية لها وعزمها تكريمها".
وفي روايتها للموقف، قالت صفية، "أثار الموقف الذي حدث بالقرب من محطة قطارات طنطا، حفيظتي حيث كان أسلوب مسؤولي القطار غير لائق، ما دفعني للتدخل ودفع ثمن التذكرة للشاب المجند، الذي كان يطالبني بعدم دفعها"، مضيفة "في النهاية أصر المجند على إعادة ثمن التذكرة لي".
كيف تفاعلت مؤسسات الدولة مع الحادث؟
بعد اعتذار سريع من وزارة النقل المصرية عن الحادثة، وفتح تحقيق رسمي (أصدرت نتائجه لاحقاً) مع مسؤولي القطار، أصدرت القوات المسلحة المصرية بياناً بهذا الشأن قالت فيه، إن "القوات المسلحة تقدر الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل وزارة النقل، ضد الواقعة التي لا تنم إلا عن سلوك فردي خاطئ لأحد العاملين"، وأضافت "تؤكد القيادة العامة للقوات المسلحة احترامها لكافة مؤسسات الدولة، وأن جميع أفرادها يتحلون بالانضباط الذي هو من التقاليد الأصيلة للمؤسسة العسكرية، وأن جنودها هم عصب القوات المسلحة على مر العصور، وهم حماة الوطن الذي نعيش فيه، نذروا أنفسهم فداءً لوطنهم وشعب مصر العظيم".
كما تقدمت القوات المسلحة "بخالص الشكر والتقدير للسيدة المصرية العظيمة التي شهدت الواقعة في القطار، وأصرت على دفع ثمن تذكرة الركوب، وتؤكد أن ما فعلته هو تعبير عن أصالة المرأة المصرية التي تحمل في قلبها كثيراً من العطاء والإنسانية والأمومة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبها، قررت وزارة النقل إيقاف كمسارية قطار 948 المنصورة – القاهرة عن العمل، وتغريمهم وإحالتهم للتحقيق على خلفية تجاوزهم بحق أحد الركاب، مؤكدة احترامها للركاب بوجه عام، وجميع أفراد القوات المسلحة والشرطة على وجه الخصوص. كما أعلن وزير النقل المصري، الفريق كامل الوزير، وجميع العاملين بالوزارة الاعتذار، بسبب الواقعة المتداولة.
وقالت وزارة النقل في بيان لها، إن "التوجيهات المستمرة التي تصدر لكل العاملين بالسكك الحديدية، ممن لهم تعامل مع جمهور الركاب، تنص على الاحترام التام للركاب والعمل على خدمتهم وتيسير تنقلهم على خطوط السكك الحديدية المختلفة، وأن كافة المواقف التي تحدث بين أطقم تشغيل السكة الحديد والراكب، يجب أن تكون في إطار القانون واحترام الراكب". متعهداً بعدم التهاون "مع أي مخطئ بحق أي راكب، وأن الوزارة ستستمر في خدمة جمهور الركاب".
هو الآخر، أصدر المجلس القومي للمرأة بياناً أشاد فيه بدور سيدة القطار، وقال إن "هذا الموقف الإنساني النبيل والإيجابي، ليس جديداً على المرأة المصرية المعروف عنها الجدعنة والشهامة، وإن رد فعلها نابع من غريزة الأمومة"، معلناً عزم المجلس تكريمها، إضافة إلى تعيينها عضواً في فرع المجلس بمحافظة الغربية.
حوادث أشعلت وسائل التواصل الاجتماعي
لم تكن حادثة "المجند وسيدة القطار" الأولى من نوعها، التي تشهد تفاعلاً واسعاً بين الأوساط الرسمية والشعبية المصرية خلال الأيام والأسابيع الأخيرة.
فقبل أيام، انتشرت واقعة ما عرفت إعلامياً "بائع الفريسكا (إحدى أنواع الحلويات التي تباع بشكل خاص على الشواطئ)"، وهي للشاب إبراهيم عبد الناصر، الذي يعمل "بائعاً للفريسكا" بعد حصوله في الثانوية العامة على مجموع 99.6 في المئة والتحاقه بكلية الطب، لمساعدة والده في الظروف المعيشية. حيث انهالت عليه المنح الحكومية بعد انتشار فيديو صور له على أحد الشواطئ، وتكفل بمساعدته رجال أعمال.
وقبل حادثة "بائع الفريسكا"، بأسابيع قليلة، احتل فيديو اعتداء إحدى موظفات جهاز مدينة القاهرة الجديدة (شرق) على بائع عربة التين الشوكي، الفيديو الأكثر تداولاً عبر منصات التواصل الاجتماعي، وذلك بعد أن أظهر تعنت الموظفة بعدما خاطبته بطريقة عنيفة، وألقت بضاعته على الأرض رغم توسل المواطنين بتركه، وأمرت آلات المدينة بإزالة العربة. وبعد انتشار الفيديو أقر وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية المصري، عاصم الجزار، بإنهاء انتداب الموظفة وعودتها لعملها الأصلى في شركة مياه الشرب والصرف الصحي.