تتجه الأوضاع الميدانية في مدينة سرت، وسط البلاد، إلى الحلحلة بعد مشاورات ليبية - ليبية، احتضنتها عواصم عدة، آخرها القاهرة، انتهت إلى الاتفاق على تشكيل قوة شرطة ليبية مشتركة لتأمين المدينة بعد انسحاب قوات طرفي الصراع منها.
وتطابقت معلومات أوساط ليبية تحدثت إلى "اندبندنت عربية" حول انتهاء مشاورات ليبية غير معلنة برعاية مصرية، في القاهرة الثلاثاء والأربعاء الماضيين، لتشكيل قوة شرطة بسلاح خفيف ومتوسط مؤلفة من عناصر أمنية من حكومة الوفاق والحكومة الموقتة للإشراف على أمن المدينة، توازياً مع حديث متزايد عن قبول موسكو وأنقره سحب دعمها طرفي الصراع، ميليشيات حكومة الوفاق وقوات الجيش الوطني الليبي، تمهيداً لإخلاء المدينة من السلاح واحتضانها سلطة ليبية جديدة وموحدة.
وقالت المصادر إن كلاً من المشير خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح سيتوجهان إلى العاصمة الفرنسية باريس في إطار تحشيدهما للتوافق الحاصل مع قيادات بارزة في معسكر غرب ليبيا، بعد انتهاء لقاءاتها مع مسؤولين مصريين في القاهرة تمكنوا من تنسيق ثلاثة لقاءات متتالية بين حفتر وصالح وقيادات من مدينة مصراته على رأسها بلقاسم قزيط عضو المجلس الأعلى الاستشاري، وحسن شابه رجل الأعمال المقرب من ميليشيات مصراته والمعارض لسياسات تيار الإخوان المسلمين.
باب الحوار
ومنذ إعلانَي رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، وقف إطلاق النار، في 21 أغسطس (آب) الماضي، اتجه مجلس النواب والقيادة العامة للجيش الليبي الوطني لفتح باب الحوار مع القيادات الفاعلة في معسكر غرب ليبيا.
وإثر إعلان القيادة العامة عن اتفاق مع نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق، بشأن استئناف إنتاج النفط وتصديره، السبت الماضي، قال المتحدث الرسمي باسم القيادة العامة اللواء أحمد المسماري "فتحنا خط حوار مع المجلس الرئاسي لحل إشكالات الأزمة الليبية"، مشيراً إلى أن دعم القيادة "أحمد معيتيق في تمثيل المنطقة الغربية في مفاوضات استئناف إنتاج النفط وتصديره دليل على أننا لا نحارب الليبيين".
وبحسب المصادر الليبية نفسها، فإن التوافق الليبي في القاهرة سيمهد للقاءات ليبية أوسع تحتضنها سويسرا، مطلع الشهر المقبل، لبدء إعادة تشكيل مجلس رئاسي جديد وحكومة ائتلاف وطني موحدة برعاية أممية.
مسارات أساسية
ونفت المصادر نفسها وجود تشعب في المسارات الحالية لحل الأزمة الليبية، مشيرة إلى أن مشاورات أبوزنيقة المغربية ستستأنف الأحد المقبل قبل عودة ممثلي أطياف ليبية للقاء في سويسرا، مطلع أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، برعاية الأمم المتحدة، وستنتهي المشاورات في المغرب من وضع آليات لاختيار قادة المناصب السيادية، في وقت تبدأ الثانية في سويسرا لاختيار ممثلي الأقاليم الليبية الثلاثة لتشكيل مجلس رئاسي جديد وحكومة ائتلاف وطني يكون مقرهما الجديد مدينة سرت.
وحول اللقاءات غير المعلنة في القاهرة وعواصم أخرى من بينها لقاءات مسؤولين أتراك وروس في أنقره، شرح الباحث الليبي في الشؤون السياسية فرج المسلاتي أنها لقاءات على هامش المسارات الأساسية تتعلق بمصالح الدول المتصلة بالملف الليبي سواء مصالح جوار كما هي الحالة مع مصر، أو سياسية وإستراتيجية كما هي الحال مع تركيا وروسيا المتنافستين في أكثر من ملف.
وفي وقت اعتبر المسلاتي لـ "اندبندنت عربية" أن اللقاءات التي تجرى في هذه العواصم مهمة لدعم المسارات الأساسية، أكد أن أثر الضغوطات الأميركية كان واضحاً وناجحاً في دفع كل الأطراف سواء المحلية أو الإقليمية لنقل الملف الليبي من حالة المواجهة العسكرية إلى المفاوضات السياسية على مصالحها في ليبيا.
إجماع؟
لكن مواقف ممثلي الأطراف الليبية في لقاءات القاهرة لا توحي بوجود إجماع في معسكر غرب البلاد حول هذه التفاهمات، لا سيما حول إخلاء مدينة سرت من السلاح، وتشير إلى هذا الأمر معارضة واسعة للاتفاق المعلن بين القيادة العامة للجيش الوطني ونائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق أحمد معيتيق، كما أن تصريحات قادة ميليشيات حكومة الوفاق، المتواجدة منذ مطلع يونيو (حزيران) الماضي على تخوم سرت، تشير إلى رفض أي تقارب سياسي مع القيادة، وهو ما يصفه الصحافي الليبي سالم عرفه بـ "الترف ولا محل له بعد انكسار تركيا السياسي واضطرارها للتقارب مع دول متوسطية عدة عارضت اتفاقاتها مع حكومة الوفاق لا سيما الاتفاق البحري".
وقال عرفه لـ "اندبندنت عربية" إن تركيا كانت تهدف بالأساس في دعمها العسكري حكومة الوفاق إلى السيطرة على مدينة سرت بسبب حوضها الغني بالغاز المتصل بجرف قاري يربطه بشرق المتوسط، لكن المعارضة الأوروبية والمصرية الواسعة أفشلت هدف أنقره الإستراتيجي وبالتالي لن تجازف بتأزيم أوضاعها أكثر وتستمر في دعم ميليشيات الوفاق".
ترسيم الحدود البحرية
وفي مؤشر إلى تراجع قوة الاتفاق البحري الذي عقدته تركيا مع حكومة الوفاق بشأن ترسيم حدود جديدة في البحر المتوسط تكفل لأنقره توسيع نفوذها البحري في شرق المتوسط، قالت وزارة خارجية حكومة الوفاق بطرابلس، في بيان مقتضب، "سنتواصل مع حكومتَي اليونان ومالطا للتفاوض على ترسيم الحدود البحرية"، في إشارة ضمنية لتراجعها عن حدودها البحرية المتفق عليها مع تركيا.
ولفت الصحافي الليبي إلى أن الإشكال في عرقلة التوافق الليبي الذي رعته القاهرة لا يتمثل في تعنّت بعض ميليشيات حكومة الوفاق فـ "قرارها النهائي لدى أنقره"، ورأى أن العرقلة تتمثل في قبول موسكو، التي تتواجد قواتها بشكل غير رسمي في محيط سرت والجفرة ومواقع استراتيجية أخرى، بنزع سلاح منطقتَي سرت والجفرة، وفق مقترح صدر عن السفارة الأميركية في ليبيا مرات عدة، ويبدو أنه يلقى قبولاً ودعماً أممياً، مضيفاً أن "موسكو تبحث عن ضامن لمصالحها في ليبيا تستخدمها ورقة ضغط في ملفات أخرى أكثر أهمية لها ولا ترغب في دخول أي مواجهة عسكرية مع أي طرف في هذه البلاد، لذا لم تعلن عن وجودها بشكل رسمي فيها ويتوقف قبولها بإخلاء سرت والجفرة من السلاح بحصولها على ضمان مصالحها في المنطقة".
توافق الليبيين
تعليقاً على المسار الحالي، لا يرى عرفه توافق الليبيين على إنشاء سلطة جديدة تتخذ من سرت مقراً لها "نهاية للفوضى السياسية والأمنية في البلاد"، مشيراً إلى أن انتصاف التوافق على المسافة الليبية جغرافياً في سرت سيقسّمها إلى طرفين من دون أن ينهي فوضى السلاح والتدخلات الخارجية، وقال "ستتشكل قوة شرطة لتأمين سرت لكن ماذا عن حل الميليشيات غرب البلاد وإبعاد شبح الإرهاب و"داعش" عن الجنوب المستبعد من أي توافقات؟ وماذا عن القوات التركية والمرتزقة من الجانبين بعد انسحابهما من سرت"، معتبراً أن هذه التوافقات لا تشير إلا إلى حلول موقتة تخدم مصالح دول كبرى وتقلل من التوتر الحاصل بين أطراف إقليمية متنافسة في هذا الملف.
بالتوازي، يبدو الاتفاق على توزيع المناصب السياسية وفق أساس جغرافي سيخرج قيادات تيار الإخوان المسلمين من دائرة النفوذ والسيطرة على مفاصل الدولة وأهم المناصب، كمنصب محافظ المصرف المركزي وديوان المحاسبة، لذا تجتهد قيادات إخوانية بارزة في عرقلة مسارات الحل الحالية التي ستفضي قريباً إلى طاولة ليبية موسعة تحتضنها سويسرا، من خلال اقتراح تمثيل واسع للمجلس الأعلى للدولة يصل إلى 18 ممثلاً عنه، بالإضافة لتمثيل آخر لأحزاب العدالة والبناء والوطن والجبهة الوطنية، وهي موالية للإخوان المسلمين، تصل إلى 20 ممثلاً في محاولة للتأثير في نتائج العملية السياسية الجديدة والتموضع مجدداً في المشهد المقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مقترح
في السياق نفسه، أعلن ممثل حكومة الوفاق لدى الأمم المتحدة الطاهر السني عن تقديمه مقترحاً للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بشأن توسيع دائرة المشاركين الليبيين "من كل التيارات والانتماءات" في طاولة الحوار السياسي المرتقبة في سويسرا، وإطلاق مسارات جديدة، منها "مسار للمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية يضم المجتمع المدني والمكونات الثقافية والاجتماعية والنخب"، و"مسار آخر للبلديات" التي تسيطر على أغلبها قيادات منتمية لجماعة الإخوان المسلمين.
لكن البعثة الأممية بادرت إلى نفي علاقتها بقوائم أسماء الممثلين الليبيين "في منتدى الحوار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة"، في إشارة إلى قائمة أسماء سرّبتها وسائل إعلام ليبية موالية للمجلس الأعلى للدولة المقرب من جماعة الإخوان المسلمين.
وقال الناطق الرسمي باسم بعثة الأمم المتحدة في ليبيا جان أبو علم في تعميم على وسائل الإعلام الليبية، "مجدداً، أود التأكيد على أن البعثة ليست مسؤولة عن أي معلومات يتم تداولها، بما في ذلك تداول نسخ متعددة بأسماء مشاركين في منتدى الحوار السياسي الليبي المقبل، طالما هذه المعلومات أو الأسماء لم تصدر عن البعثة أو تنشر على موقعها أو صفحاتها الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي"، مضيفاً "البعثة في طور التحضير لعقد منتدى الحوار السياسي في الأسابيع المقبلة، وبمجرد استكمال الترتيبات، ستُنشر التفاصيل المتعلقة به، بما في ذلك تاريخ الانعقاد ومكانه وما يتعلق بالمشاركين".
اشتباكات عنيفة
على صعيد منفصل، شهدت طرابلس منذ الساعات الأولى لصباح الجمعة 25 سبتمبر (أيلول) اشتباكات عنيفة بين ميليشيا "الضمان" وميليشيا "أسود تاجوراء"، في منطقة بئر الأسطى ميلاد شرق العاصمة، وسمعت أصوات القذائف والمدفعية في أرجائها بشكل واضح ساعات عدة، في وقت أقفل المسلحون الطريق الرئيسي للعاصمة وطرقات فرعية أخرى.
وتحدثت معلومات صحافية عن مقتل نادر الأزرق، قائد ميليشيا "أسود تاجوراء" التي تعهدت برد قاس على مقتله، في وقت أكد شهود من المنطقة لـ "اندبندنت عربية" استمرار حالة التوتر.
تعتبر ميليشيات "الضمان" وأسود تاجوراء من أكبر القوى المسلحة المسيطرة على منطقة تاجوراء، ضاحية طرابلس الشرقية، بالإضافة لميليشيا "البقرة" وتتبع كلها وزارة الداخلية في حكومة الوفاق.