اهتز الشارع التونسي على وقع جريمة شنيعة جمعت الاغتصاب والسرقة والقتل، ومن ثم التنكيل بجثة الشابة التونسية رحمة الأحمر (29 عاماً)، التي لم "يرحمها" الجاني، ومارس ضدها كل أشكال العنف.
قتل واغتصاب وتنكيل بالجثة
ونشرت وزارة الداخلية الجمعة 25 سبتمبر (أيلول) 2020 تفاصيل الجريمة، معلنة إلقاءها القبض على الجاني، وورد في بلاغ لها "أن قاعة العمليات بمنطقة الأمن الوطني بحدائق قرطاج العاصمة، تلقت مكالمة هاتفية مفادها العثور على جثة فتاة ملقاة بمجرى مياه موازية للطريق السريع رقم 09 في اتجاه العاصمة، وعليها آثار تعفن".
وأثارت الجريمة البشعة غضباً عارماً بين التونسيين الذين استنكروا انتشار الجرائم، مطالبين بإنزال أقصى العقوبات بحق من يثبت ارتكابه لمثلها.
وشغلت الجريمة الناس في تونس، واستأثرت بحيز كبير من حديث المواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين بالقصاص من الجاني وذلك بالدعوة إلى تنفيذ حكم الإعدام بحقه.
مسيرة تطالب بتنفيذ حكم الإعدام
في المقابل، نظم أقارب الضحية وأصدقاؤها مع عدد من نشطاء المجتمع المدني، أمس السبت مسيرة توجهوا خلالها نحو قصر قرطاج، منددين بالجريمة البشعة وسط مطالبات لرئيس الجمهورية قيس سعيد بتطبيق عقوبة الإعدام في حق الجاني.
ويخشى المتخصصون في علم الاجتماع من تطبيع هذا النوع من الجرائم التي تشهد تطوراً نوعياً في فظاعتها، مما يهدد الاستقرار والسلم الاجتماعيين في البلاد.
التطبيع مع الجرائم الفظيعة
يؤكد الباحث في علم الاجتماع محمد الحاج سالم في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أن المجتمع يخلق بنفسه آليات الوقاية من طفرة هذه الجرائم، وذلك من خلال تطوير سلوكياته وتكثيف الوعي بأهمية الحماية الذاتية، والحرص على توعية الأبناء والنساء بضرورة الحذر، والتعويل أحياناً في بعض المناطق على الحماية الذاتية.
ودعا أجهزة الدولة إلى مزيد من الضبط الاجتماعي عبر تطبيق القانون من أجل تطويق العنف والحد منه.
واعتبر سالم أن الجريمة ظاهرة موجودة في كل المجتمعات، وهي عابرة للأمكنة والأزمنة، مشيراً إلى أن فظاعات عدة ترتكب يومياً من دون أن تترك أثراً في الناس، لأن الإعلام لم يسلط عليها الضوء بما يكفي، إلا أن هذه الجريمة جاءت في ظرف سياسي ومجتمعي خاص في تونس، وفي ظل عدم استقرار سياسي، من دون أن يخفي إمكان الاستثمار فيها سياسياً من خلال اتهام أجهزة الدولة بالتقصير في حفظ الأمن.
وعن الوسائل الكفيلة بمعالجة الجريمة، أكد الباحث في علم الاجتماع، أن الجريمة تعالج بمقاربات شاملة وعميقة، فالطبيعة البشرية متحولة ومتغيرة، ومثل هذه الجرائم يمكن الحد منها بالإحاطة والتربية والتوعية.
المخدرات والأمراض النفسية
من جهته، اعتبر المتخصص في علم الاجتماع الدكتور بالعيد أولاد عبدالله أن انتشار الجرائم البشعة وما يتبعها من ممارسات عنف ينم عن حقد دفين وعميق تجاه المجتمع، وهو ناتج من تعرض مرتكب الفعل الإجرامي إلى العنف، على غرار ما يحدث في بعض حالات العنف الزوجي أو جرائم الاغتصاب، ثم القتل والتنكيل بالجثة، مثلما حدث للشابة رحمة.
وأوضح أن المتغير الرئيس في المجتمع التونسي هو انتشار استهلاك المخدرات بأنواعها الخطرة والضارة بصحة الإنسان، داعياً أجهزة الدولة إلى تحمل مسؤولياتها وحماية المجتمع من آثار هذه المخدرات، من خلال الضرب بيد من حديد على كبار مروجي هذه السموم.
وعن الدعوات إلى إعدام الجاني، أوضح في حديث إلى "اندبندنت عربية"، أن الإعدام ليس حلاً، إلا أنه يمكن أن يكون رادعاً، مشيراً إلى ظاهرة الإفلات من العقاب، وداعياً إلى استثناء مرتكبي هذه الجرائم من العفو.
حكم الإعدام بين مؤيد ورافض
في المقابل، تباينت ردود فعل التونسيين حول عقوبة الإعدام بين مؤيد ورافض، فبعضهم يعتبر أن إعدام مرتكب جريمة الاغتصاب سيسهم في ردع من تُسول له نفسه القيام بمثل هذا السلوك، بينما يرى آخرون أن سلب شخص حياته هو جريمة أخرى بالرغم من فظاعة ما ارتكبه.
يذكر أن حكم الإعدام في تونس لم ينفذ منذ عام 1991، إذ نفذ حكم آنذاك في حق سفاح نابل المدعو ناصر الدامرجي، الذي هز تونس بجرائمه بعد أن قتل 14 طفلاً بعد الاعتداء عليهم جنسياً، وشنق في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 1991.
ومن ذلك التاريخ تصدر المحاكم التونسية أحكاماً بالإعدام من دون أن توقّع من رئيس الجمهورية لتنفيذها.
وينص دستور تونس بعد الثورة في فصله الـ 22 على أن "الحق في الحياة مقدس لا يجوز المساس به إلا في حالات قصوى يضبطها القانون".