توصلت دراسة جديدة إلى أن عدد وحجم حرائق الغابات التي تشتعل في مناطق من قبيل الأمازون وكاليفورنيا وأستراليا، وحتى سيبيريا، آخذان في الازدياد، ويمكن للدخان الذي تطلقه تلك النيران أن يوفر حاضنة تعبر من خلالها أنواع من الميكروبات المعدية إلى البشر.
تنتقل البكتيريا والفطريات في أعمدة الدخان المتصاعد من حرائق الغابات، ولكن لا يتوفر إلمام تام بالخطر الذي تطرحه تلك الميكروبات الحية على صحة الإنسان، وفق عالمين أميركيين.
تنتشر تلك الجسيمات في الهواء نتيجة احتراق مواد على غرار التربة والمخلفات والخشب، ثم تتنقل من مكان إلى آخر محمولةً في أعمدة دخان النيران.
تولى الدراسة الباحثان ليدا كوبزيار، عالمة في حرائق الغابات في جامعة أيداهو الأميركية، وجورج طومسون الثالث، اختصاصي في الأمراض المعدية من جامعة كاليفورنيا الأميركية. ووفق كلامهما فإنه "في حين أن العواقب الصحية الواقعة على الرئتين والقلب والأوعية الدموية نتيجة التعرض للدخان معروفة ومسلم بها، لم تحظَ قدرة دخان حرائق الغابات على أن تكون مصدراً للعدوى بالاهتمام المطلوب، ولم يجرِ التطرق لها في مجال الصحة العامة وعلوم حرائق الغابات".
وقال الباحثان إن المناطق التي تشتعل فيها النيران لا تشكل فقط مصدراً للميكروبات المعدية، بل إن الميكروبات - ويتوقف ذلك على حجم الحرائق - يمكن أيضاً أن "تنجذب إلى أعمدة حمل حرارية من خارج منطقة الحرائق".
أضاف الباحثان "ما إن تنتشر الجراثيم أو الأبواغ (خلايا للتكاثر اللا جنسي) أو الفطريات على شكل غبيرة (حجمها أقل من 5 ميكرومترات) في قطر ديناميكي هوائي حتى تصبح قادرة على السفر مئات الأميال، ويتوقف ذلك على اتجاه الحريق وحجمه والظروف الجوية القائمة، وفي نهاية المطاف تترسب تلك الجسيمات (في التربة والماء...)، أو تستنشق مع اتجاه رياح الحريق".
"نقلت عبر القارات انبعاثات دخان أطلقتها حرائق كبيرة عالية الكثافة نشبت في الغابات، مفاقمةً مستوى تركيز الجسيمات الدقيقة الملوثة في مناطق بعيدة"، وفق كوبزيار وطومسون.
وأضافت الدراسة أن "حجم المسافة التي تقطعها الميكروبات محمولةً في الدخان في ظل ظروف مختلفة وأنواع تلك الجسيمات، نقطتان مجهولتان بالغتا الأهمية، ولكن تزداد الأهمية التي ينطوي عليها هذان السؤالان مع اندلاع مواسم أطول من حرائق الغابات واتجاهات أكثر خطورة".
حتى الوقت الحاضر، سعى بعض البحوث إلى معرفة ما إذا كان انتقال الميكروبات المحمولة في الدخان من مكان إلى آخر يطرح خطراً كبيراً على الصحة، وذلك في خطوة أبعد مما هو معروف في شأن الخطر الذي يمثله استنشاق جسيمات الهواء الملوثة.
ولكن يتوفر "دليل قاطع" على وجود تصاعد في معدلات أنواع محددة من العدوى الفطرية في مناطق حيث مستويات دخان حرائق الغابات مرتفعة.
تبدو واضحةً قدرة المحتوى الميكروبي لحرائق الغابات على إلحاق الضرر بمن يستنشقون الدخان، كما قال كوبزيار وطومسون، خصوصاً الناجم من حرائق كبيرة وعلى فترات طويلة.
ورأى الباحثان أنه يتعين على العلماء في المجالين العلميين الغلاف الجوي والصحة العامة توسيع نطاق تركيزهما ليشمل الضرر المحتمل الذي تتركه حمولة الدخان من الميكروبات على المجموعات البشرية، وهو هدف يكتسي أهمية خاصة، إذ يرجح أن تصبح السماء الملبدة بالدخان قاعدة موسمية عوض أن تكون ظاهرة نادرة.
في عام 2020، حسبما ذكرت دراسات أخرى، وصلت "شدة" حرائق الغابات التي اجتاحت غرب الولايات المتحدة والمنطقة القطبية الشمالية إلى مستوى "غير مسبوق".
وشملت بؤر الحرائق بصفة خاصة هذا العام سيبيريا وكولورادو وكاليفورنيا وأستراليا، فضلاً عن أجزاء من منطقة البحر الكاريبي والبانتانال في جنوب البرازيل.
وكشفت عمليات رصد أجرتها "هيئة كوبرنيكوس لمراقبة الغلاف الجوي" (كامس) التابعة للاتحاد الأوروبي بواسطة الأقمار الصناعية، عن أن حرائق الغابات أطلقت نحو ألف و690 ميغا طن من الكربون في الغلاف الجوي، في البرهة الممتدة بين 1 يناير (كانون الثاني) و7 ديسمبر (كانون الأول) من العام الحالي.
ولكن يبقى ذلك الرقم أدنى مما سجله 2019، إذ نتج عن حرائق الغابات العام الماضي ألف و870 ميغا طن من الكربون. ومن وجهة نظر كامز، يعزى ذلك في جزء منه إلى أن كم الحرائق التي مست مختلف أنحاء أفريقيا هذا العام كان "متدنياً جداً".
وأظهرت صور التقطتها أقمار اصطناعية أن أعمدة الدخان المتصاعدة من الحرائق في الولايات المتحدة انتقلت إلى مناطق في شمال أوروبا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"نظراً إلى أن من المتوقع أن تؤدي التأثيرات التي يتركها تغير المناخ على حرائق الغابات إلى ازدياد مجموع الانبعاثات (غازات الدفيئة والغازات بالإضافة إلى الجسيمات الدقيقة) بنسبة تتراوح بين 19 و101 في المئة في كاليفورنيا وحدها حتى عام 2100، من المهم أن توسع علوم الصحة العامة تصوراتها مضيفةً إليها التأثير المحتمل الذي تخلفه الجراثيم المحمولة في الدخان على التجمعات السكانية"، قال كوبزيار وطومسون.
والجدير بالذكر أن هذا البحث نشر في مجلة "ساينس" Science
© The Independent