من جولة إلى أخرى ومن اجتماع لآخر، لا تزال مفاوضات سد النهضة الثلاثية بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا برعاية الاتحاد الأفريقي تراوح مكانها، من دون "أدنى اختراق" لجدار الخلافات المعتم وحجم التباينات المتسع، وفق ما يقول مراقبون، في شأن السد المثير للجدل الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق، وتعتبره مصر والسودان تهديداً لأمنهما المائي.
وبعد نحو أسبوع من مفاوضات مماثلة، استأنفت الاجتماعات السداسية لوزراء الخارجية والري للدول الثلاثة "افتراضياً"، برئاسة جنوب أفريقيا، بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، بمشاركة المراقبين والخبراء المعنيين من قبل مفوضية الاتحاد الأفريقي، لحلحلة الأزمة والعمل على الوصول إلى اتفاق ملزم لجميع الأطراف، عبر بحث النقاط الخلافية العالقة في شأن قواعد ملء وتشغيل السد، إلا أنها كسابقاتها "بائت بالفشل" بحسب القاهرة والخرطوم.
لا اختراق للأزمة
وفق مصادر مصرية مطلعة تحدثت إلى "اندبندنت عربية"، لم تحقق المفاوضات التي استمرت ساعات عدة أي اختراق في الأزمة المتعثرة منذ سنوات بين الدول الثلاث. وذكر أحد المصادر أن فجوة الخلافات اتسعت بين المتفاوضين أكثر من أي وقت مضى، على إثر دعوة السودان لمنح خبراء الاتحاد الأفريقي دوراً أكبر في تسهيل عملية التفاوض، والإسهام في إعداد مسودة ثانية لمذكرة الاتفاق المقترحة التى تسلمتها الدول الثلاث فى الاجتماع السداسى السابق بداية الشهر الحالي، وهو ما رفضته كل من القاهرة وأديس أبابا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي بيان لها اليوم الأحد (10-1-2021)، قالت وزارة الخارجية المصرية، في أعقاب الاجتماع السداسي، الذي شارك فيه وزير الخارجية سامح شكري ووزير الموارد المائية والري محمد عبدالعاطي، برئاسة وزيرة خارجية جنوب أفريقيا، بصفتها الرئيس الحالي للمجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي، إن القاهرة أكدت استعدادها للانخراط في مفاوضات جادة وفعالة من أجل التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، تنفيذاً لمقررات اجتماعات هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي التي عقدت على مستوى القمة خلال الأشهر الماضية، وبما يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث، ويحفظ ويؤمن حقوق مصر ومصالحها المائية.
وبحسب بيان الخارجية المصرية، "فقد أخفق الاجتماع في تحقيق أي تقدم بسبب خلافات حول كيفية استئناف المفاوضات والجوانب الإجرائية ذات الصلة بإدارة العملية التفاوضية، حيث تمسك السودان بضرورة تكليف الخبراء المُعينين من قبل مفوضية الاتحاد الأفريقي بطرح حلول للقضايا الخلافية وبلورة اتفاق سد النهضة، وهو الطرح الذي تحفظت عليه كل من مصر وإثيوبيا، وذلك تأكيداً على ملكية الدول الثلاث للعملية التفاوضية، وللحفاظ على حقها في صياغة نصوص وأحكام اتفاق ملء وتشغيل السد، بخاصة أن خبراء الاتحاد الأفريقي ليسوا من المتخصصين في المجالات الفنية والهندسية ذات الصلة بإدارة الموارد المائية وتشغيل السدود".
من جانبها، أعلن السودان فشل جولة المفاوضات السداسية التي عقدت اليوم، كما احتجت على إعلان إثيوبيا الاستمرار في ملء السد من دون التوصل إلى اتفاق حتى الآن، مطالبة بتغيير طريقة التفاوض ومنهجيته بعد فشل الجولة الحالية من المحادثات بين أطراف الأزمة في التوصل إلى صيغة مقبولة لمواصلة المفاوضات.
وقال وزير الري والموارد المائية السوداني، ياسر عباس، في تصريحات صحافية، إن بلاده تقدمت باحتجاج للاتحاد الأفريقي وإثيوبيا على عزم الأخيرة الاستمرار في تعبئة سد النهضة. مضيفاً، "لا يمكننا أن نستمر في هذه الدورة المفرغة من المحادثات إلى ما لا نهاية".
وتابع، "سد النهضة تهديد مباشر لخزان الروصيرص إذا تم ملؤه وتشغيله من دون اتفاق، وتقدمنا باحتجاج لإثيوبيا والاتحاد الأفريقي على عزم إثيوبيا الاستمرار في تعبئة سد النهضة".
في المقابل، شدّد وزير خارجية السودان المكلف، عمر قمر الدين، على عدم إمكان استئناف المفاوضات بهذه الطريقة، معتبراً أنها في شكلها الحالي تمثل الدوران في دائرة مغلقة، ولا تشهد أي تقدم ملحوظ.
بدورها، أعلنت جنوب أفريقيا التي تتولى رئاسة الاتحاد الأفريقي، وتشرف على المفاوضات، أسفها للوصول إلى طريق مسدود في محادثات سد النهضة. وبحسب بيان الخارجية المصرية، فقد أعربت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا عن أسفها لعدم تحقيق الاختراق المأمول في المفاوضات، وذكرت أنها سترفع تقريراً إلى الرئيس الجنوب أفريقي، سيريل رامافوزا، حول ما شهدته المباحثات ونتائجها، وذلك للنظر في الإجراءات التي يمكن اتخاذها للتعامل مع هذه القضية خلال الفترة المقبلة.
لماذا تصاعد الخلاف؟
قبل ساعات من انطلاق المفاوضات السداسية اليوم الأحد بين كل من مصر والسودان والخرطوم، لبحث النقاط الخلافية العالقة في شأن قواعد ملء وتشغيل السد للوصول لاتفاق ملزم للأطراف الثلاثة، أعلن فريق التفاوض السوداني مساء أمس السبت، "رفضه الحازم" لتجزئة اتفاق سد النهضة على مراحل، للملء الأول والتشغيل الدائم كاتفاقين منفصلين. وطالب فريق التفاوض أثناء اجتماع ثنائي مع فريق خبراء الاتحاد الأفريقي، بالتوصل إلى اتفاق واحد شامل يعالج كل القضايا المتعلقة بسد النهضة.
ووفق مراقبين، فإن اجتماع اليوم الأحد، جاء لمتابعة مخرجات الاجتماع الأخير الذي عقد قبل أسبوع برئاسة جنوب أفريقيا، ومشاركة المراقبين والخبراء المعنيين من قبل مفوضية الاتحاد الأفريقي، مثلت إحدى نقاط الخلاف الجوهرية إصرار السودان على منح خبراء الاتحاد الأفريقي دوراً أكبر في تسهيل التفاوض بين الأطراف الثلاثة، للإسهام في إعداد مسودة ثانية لمذكرة الاتفاق المقترحة التي تسلمتها الدول الثلاث في الاجتماع السداسى السابق في الثالث من يناير (كانون الثاني) الحالي، تأخذ في الحسبان ملاحظات كل الأطراف.
إذ تعلن الخرطوم تمسكها بما تقوله الرعاية الكاملة من الاتحاد الأفريقي للمفاوضات، "إعمالاً لمبدأ الحلول الأفريقية للمشكلات الأفريقية، على أن يلعب الخبراء دوراً أكثر فاعلية في تسهيل التفاوض"، مضيفين أن الجانب الآخر من تعقد الأزمة يتمثل في غياب المعلومات والتنسيق المسبق بين الدول الثلاث.
وبينما كانت الخلافات مقتصرة على آلية ملء وتشغيل السد، والوصول إلى اتفاق قانوني ملزم للأطراف الثلاثة، قالت إثيوبيا الأسبوع الماضي، إن هناك تطوراً إيجابياً بمفاوضات سد النهضة، مشيرة إلى تباينات في وجهات النظر بين السودان ومصر في شأن دور الخبراء الأفارقة.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، إن الخبراء الأفارقة قدموا وثيقة تتعلق بطريقة التفاوض المقبلة، مشيراً إلى ضرورة أن يكون دور الخبراء تقديم الأفكار والمقترحات، لكن من يقرر هذه المقترحات هي الدول الثلاث، ولا تفرض عليهم. وهو ما يختلف مع وجهة النظر السودانية التي تميل إلى منح الخبراء الدور الأكبر، وهو ما ترفضه إثيوبيا ومصر.
وأوضحت الخارجية الإثيوبية أن المشاورات لا تزال تجري بين الخبراء الأفارقة، لبحث جميع نقاط الاختلاف والتوافق منذ بدء التفاوض.
وتزامنت تلك التطورات مع رفض سابق من السودان المشاركة في اجتماع ثلاثي دعت إليه لجنة خبراء الاتحاد الأفريقي، اعتراضاً على تغير مفاجئ في اتفاق تم التوصل إليه في اجتماع سابق، نص على عقد اجتماعات ثنائية بين خبراء الاتحاد الأفريقي والسودان ومصر وإثيوبيا، كل على حدة. وقالت وزارة الري السودانية في بيان، إنه "استناداً إلى مخرجات الاجتماع الوزاري الثلاثي بين السودان ومصر وإثيوبيا حول ملء وتشغيل سد النهضة، تقدم السودان بطلب لعقد اجتماع ثنائي مع خبراء الاتحاد الأفريقي والمراقبين، ولم يتلق رداً على طلبه".
وتابعت، "لكنه بدلاً من ذلك، تسلم دعوة لمواصلة التفاوض الثلاثي المباشر، مما دفع السودان للتحفظ على المشاركة في الاجتماع، تأكيداً على موقفه الثابت بضرورة إعطاء دور لخبراء الاتحاد الأفريقي، لتسهيل التفاوض وتقريب الشقة بين الأطراف الثلاثة".
وكان السودان عبّر عن تفاؤله بإمكان حدوث اختراق ملموس في المفاوضات، بعد الموافقة على صيغة عقد اجتماعات ثنائية لمناقشة مسودة توافقية أعدتها لجنة خبراء الاتحاد الأفريقي، تتعلق بتقريب وجهات النظر بين ثلاث مسودات، تقدمت بها كل من السودان ومصر وإثيوبيا في أغسطس (آب) الماضي.
إثيوبيا نحو بناء سد جديد
في سياق متصل، وعلى وقع التعثر في المسار التفاوضي بين الدول الثلاث، أعلنت أديس أبابا في ساعة متأخرة مساء أمس السبت، وضع حجر الأساس لسد جديد في إقليم أمهرة، تصل طاقته التخزينية إلى 55 مليون متر مكعب من المياه. وبحسب ما ذكرت هيئة الإذاعة الإثيوبية، فقد أعلن وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي، سلشي بقلي، ورئيس إقليم أمهرة، أغانجه تشاغر، وضع حجر الأساس لسد "أجما شاشا" الجديد، والذي يقع في منطقة شمال شوا بإقليم أمهرة، ويصل ارتفاعه إلى 45.5 أمتار، بطول 371 متراً. ومن المقرر استكمال بناؤه في ثلاث سنوات، بكلفة تقدر بـ 125 مليون دولار.
وبحسب الهيئة، فمن خلال سد "أجما شاشا"، ستتمكن أديس أبابا من تطوير 7 آلاف هكتار من الأراضي، يستفيد منها أكثر من 28 ألف أسرة. وتقوم شركة الهندسة المدنية الصينية بالتعاون مع مؤسسة أعمال المياه والبناء التابعة لإقليم أمهرة، بتشييد المشروع.