تسعى إيران منذ سقوط نظام صدام حسين العام 2003 إلى تغيير مسار "خط التالوك"، حيث يفصل شط العرب بينها وبين العراق، للاستحواذ على منشآت اقتصادية عراقية تقع على ضفته، مستغلة حدوث انجراف في مجرى القناة الملاحية على حساب الأراضي العراقية، لم تتعامل سلطات بغداد معه بجدية منذ أكثر من ثلاثة عقود.
وحدد اتفاق الجزائر العام 1975 الخط الفاصل بين بين العراق وإيران في شط العرب، مثل بقية الحدود المشتركة بين البلدين، لكن السلطات العراقية تراجعت عن إعادة العمل به بشكل جدّي منذ العام 2003 وحتى الآن، بسبب ضغط القوى الكردية وبعض القوى الشيعية الصديقة لإيران.
وكان العام 2009 الأكثر تراشقاً إعلامياً بين البلدين على خلفية تقديم السفارة الإيرانية في العراق طلباً إلى مستشار الأمن القومي العراقي موفق الربيعي، بضرورة عدم استخدام ميناء "خور العمية" النفطي كونه جزءاً من الأراضي الإيرانية، والذي جوبه برفض برلماني وشعبي أدى إلى تراجع طهران وتجميد خطواتها في شأن الميناء.
وعلى الرغم من محاولة حكومة عادل عبدالمهدي إعادة تفعيل اتفاق الجزائر الذي تم الإعلان عنه خلال زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق في مارس (آذار) 2009، إلا أن اللجان المشكّلة بين البلدين لم تتوصل حتى الآن إلى نتائج تُذكر، سوى مطالبة إيران بضم ميناء "خور العمية" النفطي إلى أراضيها.
وجاءت تصريحات وزير النقل العراقي ناصر الشلبي أخيراً لقناة العراقية الرسمية حول إمكان ضياع ميناء خور العمية، وضمّه إلى إيران بسبب تغيير مسار "خط التالوك"، ليعيد الأنظار من جديد لهذا الملف الحساس بعد نسيانه سنوات بسبب انشغال العراق بمشكلات أمنية واقتصادية ناجمة عن الحرب مع "داعش" في عدد من مناطق البلاد.
فقدان أراض عراقية
وبحسب خبراء في مجال الملاحة البحرية، فإن الانجراف الحاصل حالياً أخذ مساحة كبيرة من الأراضي العراقية، ويحتاج إلى وقفة جادة لمنع تمدد إيران على الضفة العراقية وضم ميناء خور العمية.
ويقول الخبير البحري، ضجر مرزوك البدران، إن هناك انجرافاً حدث في مجرى القناة الملاحية باتجاه الغرب على حساب الأراضي العراقية بمسافة 1900 متر، مبيناً أنه أدى إلى ظهور أراض في الجانب الإيراني، وفقدان أراض عراقية نتيجة ظاهرة الهدم والبناء، وإذا ما تم حساب "الإزاحة لـ 100 سنة سابقة، فإنها تقارب أربعة كيلومترات، وهذا يؤدي إلى التأثير في الحدود البحرية، مما دعا الجانب الإيراني للمطالبة بميناء العمية النفطي، كونهُ أصبح ضمن المياه الإقليمية الإيرانية".
واستولت إيران على "الرافعة عنتر" التي غرقت العام 1979 بمدخل شط العرب، ورفعت علمها فوقها، وثبتت أساسات كونكريتية حول السفينة الغارقة، كما شيدت ثكنة عسكرية ملاحية بهدف السيطرة والتحكم بالسفن الداخلة والخارجة من وإلى شط العرب، بحسب البدران الذي يرى أن هذه الخطوات تهدف إلى أن يكون مدخل شط العرب إيرانياً من خلال التصاق اليابسة الإيرانية بالعراقية، ليكون ميناء العمية ضمن أراضيها من دون منازع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إجراءات فنية ودبلوماسية سريعة
ويدعو البدران إلى سلسة من الإجراءات السريعة لضمان حق العراق في شط العرب وعدم التفريط فيه، تتضمن رفع مذكرة احتجاج عاجلة إلى الأمم المتحدة من الخارجية العراقية، وإبلاغ الحكومة الإيرانية رسمياً بالتوقف عن تجاوزاتها البحرية، خصوصاً الاعتداء على موقع الرافعة عنترة، وكذلك رفع مذكرة احتجاج إلى المنظمة البحرية العالمية.
كما تتضمن الإجراءات، بحسب البدران، الإسراع في رسم وتحديد خط الأساس العراقي، وتبيان المياه الإقليمية والمجاورة والاقتصادية الخالصة ونشرها عالمياً، وتنشيط الحركة الملاحية في قناة شط العرب من خلال تفعيل عمل مينائي "المعقل" و "أبو فلوس"، وذلك بتحويل السفن الصغيرة والقليلة على موانئ أم قصر نحو موانئ شط العرب، ووضع كواسر أمواج عند مدخل التيارات جنوب رأس البيشة، ودفن المناطق الأرخبيلية.
لجنة حكومية
ولم تؤدِ التطورات الأخيرة في شأن رغبة إيران في ضم ميناء العمية لأراضيها إلى ردود رسمية تنسجم وخطورة الوضع، خصوصاً أن الميناء يمثل عصباً مهماً لتصدير النفط العراقي عبر الخليج العربي، فمجلس النواب العراقي ينتظر تقرير لجنة حكومية شُكلت لدرس الموضوع أمام مجلس النواب العراقي.
ويقول عضو لجنة الخدمات النيابية، جاسم البخاتي، إن الموضوع يُبحث من خلال لجنة متخصصة مكونة من وزارتي الخارجية والنقل، مبيناً أن مجلس النواب بانتظار نتائج تقريرها الذي ستقدمه.
ويضيف أن "هذا الموضوع أثير أكثر من مرة، وتم تشكيل لجنة متخصصة تأخذ في الاعتبار الدعامات الحدودية الموجودة والمثبتة من الأزمنة القديمة، وتتخذها كمسار"، لافتاً إلى أن اللجنة تعمل على إعداد تقرير تقدمه لمجلس النواب، تحدد بموجبه الانحراف ونسبته ومؤثراته، مبيناً أن لديها فترة زمنية لجمع المعلومات بعد تقديم التقرير، لتوضح مدى تأثير هذا الموضوع ثم الخروج بقرار في شأنه.
وبحسب مصادر عراقية مطلعة، فإن مسافة انجراف القناة الملاحية في شط العرب نحو الأراضي العراقية بلغت 1200 متر، وهذا يعني أن رسم "خط التالوك" من جديد يعني ضم "ميناء العمية" النفطي إلى الجزء الإيراني من شط العرب، مؤكدة أن السبب يكمن في قيام إيران بحفر "قناة بهمشير" المجاورة لشط العرب، مما تسبب في ترسبات طينية أدت إلى انجراف القناة الملاحية.
تدويل القضية
ويرى متابعون للقضية أن الحل يكمن في خطوات تسلكها الحكومة العراقية للحصول على حقوق العراق عبر المجتمع الدولي، وحسم مفاوضات اللجنة المشتركة بين البلدين لترسيم الحدود وتفعيل "اتفاق الجزائر".
ويقول الصحافي والكاتب باسم الشرع، إن على الحكومة العراقية رفع دعوى دولية على إيران لإخراج "خط التالوك" مجدداً من خلال الخرائط القديمة عام 1975، الذي تضمنها اتفاق الجزائر بين البلدين، بهدف إرجاع شط العرب إلى وضعه الطبيعي.
واعتبر أنه من المستغرب سكوت أغلب الكتل السياسية والرئاسات الثلاث عن هذه القضية الحساسة التي تهدد جزءاً مهماً من الأراضي العراقية، خصوصاً وأن "ميناء العمية" يمثل جزءاً أساسياً من عملية تصدير النفط العراقي عبر الخليج، داعياً الحكومة العراقية إلى استدعاء السفير الإيراني في العراق للاحتجاج على المساعي الإيرانية إلى ضم "ميناء خور العمية"، وتثبيت حق العراق في شط العرب.
التحكيم الدولي
ويبيّن الشرع أن "اتفاق الجزائر" يحوي بنوداً لرسم الحدود بين البلدين لم يتم تنفيذها حتى الآن، بسبب السجالات التي تبديها أطراف سياسية صديقة لإيران، تخشى الإضرار بعلاقاتها مع طهران، لافتاً الى أن عدم حسم عمل اللجنة المشتركة بين البلدين لتفعيل اتفاق الجزائر وإدخال شخصيات غير متخصصة ضمن عمل اللجنة لا تعرف أهمية شط العرب للعراق والمنطقة المحيطة، وليس لها علاقة بهذه الملفات، سيؤدي إلى ضياع حقوق العراق فيه.
وينص "اتفاق الجزائر" الموقع بين العراق وإيران العام 1975 على إجراء تخطيط نهائي لحدودهما البرية بناء على "بروتوكول القسطنطينيـة" لسنة 1913، ومحاضر لجنة تحديد الحدود لسنة 1914، وترسيم حدودهمـا البرية بحـسب خط "التـالوك"، وهو خـط وسط الجزء الملاحي الرئيـس الصـالح للملاحة عند خفض المنسـوب، ابتـداء من النـقطة التي تنزل فـيهـا الحـدود الـبـرية من شط العرب حتى البحر.
ويتضمن الاتفاق أيضاً اللجوء إلى التحكيم الدولي بين البلدين في حال الاختلاف في التفسيرات حول خط الحدود العراقية – الإيرانية، إذا تعذر الاتفاق بين الطرفين، أو عند اللجوء إلى دولة أخرى كوسيط بينهما وفق أطر زمنية حددها الاتفاق.