دفعت الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تشهدها تونس رئيس اللجنة المالية والتخطيط والتنمية في مجلس نواب الشعب هيكل المكي إلى دعوة رئيس الجمهورية قيس سعيد للتعجيل بعقد اجتماع لمجلس الأمن القومي، للنظر في وضع المالية العمومية والأزمة السياسية التي تردت فيها البلاد.
والتقى قيس سعيد يوم الثلاثاء 9 مارس (آذار) 2021، كلاً من محافظ البنك المركزي مروان العباسي، ورئيس لجنة المالية والتخطيط والتنمية في البرلمان هيكل المكي، للتباحث حول الأزمة السياسية في البلاد وانعكاساتها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
فهل بلغت المؤشرات الاقتصادية الحالية في تونس مستوى خطيراً يدعو إلى تدخل مجلس الأمن القومي؟ وما هي الحلول الممكنة لتفادي إفلاس الدولة؟
مؤشرات اقتصادية واجتماعية خطيرة
ويبلغ عجز الموازنة مستوى عال جداً بنحو 11.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما كان في حدود 3.5 في المئة عام 2019، أي بزيادة سبع نقاط مئوية، وهو ما نتج منه تفاقم المديونية التي بلغت أواخر 2020 حوالى 85 في المئة من الناتج الوطني، علاوة على انكماش اقتصادي بلغ 8.8 في المئة.
وتتوقع موازنة تونس 2021 أن يصل حجم الاقتراض إلى 7.2 مليار دولار، في حين يقدّر سداد الديون المستحقة هذا العام بـ 16 مليار دينار (5.3 مليار دولار)، بينما كانت في حدود 11 مليار دينار (3.6 مليار دولار) خلال 2020.
تراجع العائدات السياحية
إلى ذلك، أفادت بيانات رسمية صادرة عن البنك المركزي التونسي بتراجع العائدات السياحية 55.8 في المئة.
وعمّقت جائحة كورونا الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، إذ أعلن المعهد الوطني للإحصاء أن نسبة البطالة 21 في المئة، بينما وصلت نسبة الفقر في بعض المناطق الداخلية 53 في المئة، علاوة على أن حوالى مليوني تونسي يعيشون تحت خط الفقر، بينما يعيش ما يقارب الـ 320 ألف تونسي حال فقر مدقع، وهم عاجزون عن توفير الحاجات الغذائية الأساسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مؤشرات اقتصادية واجتماعية لامست الخطوط الحمراء، وتتزامن مع أزمة سياسية حادة في ظل غياب الحوار والتناغم بين السلطات الثلاث الحاكمة في البلاد (الحكومة ورئاسة الجمهورية والبرلمان)، وهي وضعية قلصت حظوظ تونس في التفاعل الإيجابي مع شركائها الاقتصاديين والجهات الممولة.
وحذّر أساتذة الاقتصاد من إفلاس الدولة وعجزها عن سداد ديونها والإيفاء بمتطلباتها الداخلية، وسط غياب رؤية اقتصادية واضحة تبعث برسائل طمأنة للمستثمر في الداخل والخارج.
إغلاق 40 في المئة من المؤسسات
وأفاد الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (منظمة الأعراف) بأن 40 في المئة من المؤسسات الاقتصادية الصغرى أقفلت و40 في المئة أخرى مهددة بالإفلاس، بينما أحالت جائحة كورونا أكثر من 274 ألف عامل إلى البطالة.
ارتفاع أسعار النفط
في غضون ذلك، يؤكد خبراء الاقتصاد ضرورة التعجيل بوضع قانون المالية التكميلي خلال شهر مارس الحالي، لاختلال الأرقام والفرضيات التي بنيت على أساسها موازنة الدولة لسنة 2021، خصوصاً بعد ارتفاع أسعار النفط.
تقهقر الترقيم السيادي لتونس
وفي الأثناء، خفضت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني في الفترة الأخيرة لتونس من (B2) إلى (B3) مع توقعات سلبية، وهو تصنيف سيؤثر في خروج تونس إلى السوق العالمية، لتعبئة موارد الموازنة لسنة 2021، نظراً للكلفة الباهظة للقروض بتوظيف نسب فائدة عالية.
وأكد المدير العام للتمويل والدفعات الخارجية في البنك المركزي عبدالكريم الأسود، خلال تصريح صحافي، أن وكالة "موديز" اعتبرت أن الوضعية الاقتصادية التونسية حرجة جداً، مضيفاً أن هذا التصنيف ناتج من تراجع النمو الاقتصادي بـ 8.8 في المئة سلبي، واصفاً المؤشر بغير المسبوق في تاريخ تونس.
توصيات صندوق النقد الدولي لتونس
ولتحسين وضعها الاقتصادي والتقدم في المفاوضات مع الممولين الدوليين خلال سنة 2021، أوصى صندوق النقد الدولي تونس بتعزيز الحماية الاجتماعية وزيادة الاستثمارات العمومية، وخصوصاً في قطاعات حساسة تمس المواطن التونسي، وتهم بالأساس مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية.
كما دعا إلى خفض الاعتمادات المخصصة لبعض الخدمات من دون المساس بالقدرة الشرائية للأسر ضعيفة الحال، وضمان العدالة في فرض الضرائب.
كما دعاها إلى تشجيع مبادرات بعث المشاريع والاستثمار في القطاع الخاص لخلق مواطن الشغل ودفع النمو.
وشجع الصندوق تونس على الاستثمار في مجالي الاقتصاد الأخضر والرقمي لخلق فرص عمل، فضلاً عن استثمار المهارات التقنية ومستوى الكفاءات التونسية، مثل المهندسين والمتخصصين في تكنولوجيا المعلومات، إضافة إلى تعزيز الحوكمة الرشيدة والشفافية ومكافحة الفساد.
الانطلاق في الإصلاحات
لقد أثّر عدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه تونس في الاستثمار الأجنبي وتراجع النمو وارتفاع نسب البطالة وتنامي الفقر، لذلك على الدولة أن تتحمل مسؤولياتها للدخول في طور الإصلاحات.
ويؤكد خبراء الاقتصاد ضرورة الانطلاق في إعادة هيكلة وحوكمة المؤسسات العمومية، والتحكم في كتلة الأجور التي تبلغ حالياً 20 مليار دينار (7.40 مليار دولار)، أي حوالى 17 في المئة من الناتج الداخلي، علاوة على الاتفاق مع الجهات المعنية حول هدنة اجتماعية، وتنقية مناخ العمل ورفع مظاهر تعطيل مؤسسات الإنتاج ودفع الاستثمار، إلى جانب الانطلاق في إصلاح منظومة الدعم وتوجيهه إلى مستحقيه من خلال ابتكار آليات جديدة لتوزيعه.
وفي المحصلة، وبحكم اختصاصه في السهر على حماية المصالح الحيوية للدولة وصون سيادتها واستقلالها، وضمان وحدة ترابها وحماية ثرواتها الطبيعية، فهل ينجح مجلس الأمن القومي في فرض إجراءات صارمة من أجل إنقاذ تونس؟