إزاء أنماط القيود والتدابير التي خبرها البريطانيون منذ مارس (آذار) 2020 لمواجهة فيروس كورونا، من الممكن القول اليوم إننا غدونا، إلى حد ما، معتادين على نمط حياة جديد، حتى لو لم يعجبنا هذا النمط دائماً.
ومن المعروف أنه يلزمنا 21 يوماً، كحدٍ أدنى (و66 يوماً كحد وسطي)، كي نكتسب عادة جديدة. واليوم مع تخطينا عتبة الـ365 يوماً من العيش في ظل القيود وتدابير الإغلاق، فإن الكثيرين منا قد يشعرون أن بإمكانهم التجوال حول حيهم السكني، أو السير حول متنزّههم المحلي، وأعينهم مغمضة. على نحو آليّ تماماً.
والآن إذ يجري بخطى حثيثة تطبيق خريطة طريق للخروج من الإغلاق، تأتي دراسة استطلاعية جديدة، أجرتها مؤسسة "يوغوف" YouGov البحثية البريطانية، كي تظهر أن نصف سكان بريطانيا تقريباً أشاروا إلى أنهم سيجهدون في التأقلم من جديد مع نمط الحياة الذي كان سائداً قبل حلول الجائحة، وذلك حين ترفع جميع القيود والتدابير التي فُرضت لمواجهة فيروس كورونا.
وتذكيراً، تبدلت الحياة تماماً بالنسبة إلى سكان إنجلترا بين عشية وضحاها، حين أعلن بوريس جونسون في 23 مارس (آذار) 2020 تدبير التزام البيوت، وعدم مغادرتها إلا لأسباب قاهرة كالعمل الذي يتعذّر أداؤه من البيت. وها قد مضت سنة تقريباً على هذه الحال. إلا أن التدابير اليوم بدأت تُخفّف، إذ سُمح يوم الاثنين 12 أبريل (نيسان) الماضي للحانات والمطاعم بمعاودة خدمة زبائنها على طاولات في أمكنة مفتوحة. وكذلك استُعيدت خدمات الفضاءات الداخلية في أمكنة كالأندية الرياضية ومتاجر بيع الكماليات (كمتاجر الثياب وغيرها). لكن، بحسب معطيات ونتائج دراسة استطلاعية حديثة أجرتها مؤسسة "يوغوف"، فإن معاودة التأقلم مع نمط الحياة من دون قيود وتدابير مواجهة "كوفيد"، قد تكون أكثر صعوبة بالنسبة إلى بعض الأشخاص بالمقارنة مع غيرهم. وبناءً على هذا، جاءت مُفاجئة تلك النتائج التي تضمنها الاستطلاع الذي سأل نحو 1600 شخصاً من الراشدين عن آرائهم تجاه العودة إلى نمط الحياة الذي كان سائداً قبل مارس السنة الفائتة، إذ أشارت النتائج المذكورة إلى أن نصف البريطانيين يرون صعوبة في معاودة التأقلم مع نمط حياة ما قبل الإغلاق، بالمقارنة مع 42 في المئة اعتبروا أن ذلك التأقلم سيكون سهلاً.
وفي تحليل لهذا الاستطلاع، ظهر تأثير فوارق الهوية الجندرية في أوساط المستطلعين، في النتائج. ومن أصل مجمل المشاركين، أفاد 56 في المئة من النساء المشاركات بأنهن سيواجهن صعوبة في التأقلم من جديد مع نمط الحياة القديمة، بالمقارنة مع 43 في المئة لدى الرجال.
كذلك بدت النتائج متأثرة أيضاً بعامل السن والفئات العمرية. في هذا الإطار، رأى عدد أكبر من الأشخاص ممن هم في مقتبل العمر، صعوبة في العودة إلى نمط الحياة قبل "كوفيد"، إذ أورد 56 في المئة من المستطلعين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة، أنهم يرون صعوبة في العودة إلى نمط الحياة القديم، مقابل 33 في المئة ذكروا أن العودة تلك ستكون سهلة.
ومن ناحية الصعوبة في التأقلم من جديد مع نمط الحياة قبل "كوفيد"، أفاد معظم المُجيبين (34 في المئة) بأن الوجود في الخارج ضمن الأمكنة العامة مع آخرين، خصوصاً وسط التجمعات، يمثّل قلقهم الأساسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستكمالاً، رأى 16 في المئة (من المستطلعين) صعوبة في التأقلم من جديد مع ظاهرة الاختلاط الاجتماعي. وتبيّن أن المخاوف الأبرز في ذلك الصدد بالنسبة إلى 8 في المئة منهم، تتمثّل في مظاهر العودة إلى الجامعات، أو أماكن العمل.
بالنسبة إلى الراشدين الذين واجهوا مخاطر صحية أكبر مما واجهه الشبان والمراهقون، فإن فكرة التواجود ضمن التجمعات مرة أخرى، ستمثّل الأمر الأصعب في سياق معاودة التأقلم مع نمط الحياة القديم، إذ ذكر 44 في المئة ممن هم فوق عمر الـ50 سنة أن الوجود من جديد ضمن التجمعات والحشود سيكون صعباً، مقابل 11 في المئة ممن هم بين عمر الـ18 والـ24 سنة.
في سياق متصل، إثر تجربة العيش في ظل القيود والتدابير طوال أكثر من سنة، أقرّ كثيرون بأن ثمة جوانب من تدابير الإغلاق سيفتقدونها حين تعود الحياة نسبياً إلى نمطها الاعتيادي. ومع تناقص أعداد الطائرات في الأجواء، وتقلّص مظاهر زحام السير في ظل تدبير التزام البيوت، تراجعت معدلات انبعاثات الكربون وتلوّث الهواء بـسبعة في المئة خلال الجائحة. وقد عبّرت نتائج الاستطلاع عن تلك المظاهر المذكورة، إذ أورد 11 في المئة من المستطلعين أنهم سيفتقدون حالة تقلّص زحام السير على الطرقات وتراجع أعداد الطائرات في الأجواء، والفرصة التي سنحت لهم في التمتع بهواء وشوارع أنظف.
وفي السياق عينه، جاء ترافُق مسألتَي الوجود في المنزل لوقت أطوال وتراجع الزحام على الطرقات، كي يعني أن كثيرين تمتّعوا بأنشطة الخروج إلى الطبيعة وقضاء وقت فيها. وفي هذا الصدد، أشار أحد المُستطلَعين إلى أن "الأجواء صافية، الطائرات اختفت، والزحام تراجع. النتيجة: زقزقات طيور أكثر". وكذلك أوضح آخرون انهم استمتعوا بـ "السلام والهدوء". أما بالنسبة إلى بعض الأشخاص، فقد تمثّل مصدر متعتهم بالوقت الأطول الذي قضوه في البيت مع أحبائهم، إذ لفت ثمانية في المئة من المستطلعين إلى أنهم سيفتقدن قضاء الوقت ضمن إطارهم العائلي اللصيق (بما في ذلك حيوانتهم الأليفة).
في المقابل، يبقى أمام خريطة طريق رفع الإغلاق بعض المراحل المنتظرة، إذ يتوقع البدء في تطبيق المرحلة التالية من تخفيف القيود في 17 مايو (أيار) المقبل، في أقل تقدير. وستتضمن تلك المرحلة معاودة فتح الفضاءات الداخلية للمطاعم والحانات، وإطلاق العنان أمام مزيد من مظاهر التفاعل والتلاقي الاجتماعيين. بانتظار ذلك، فإننا نواصل مراقبة تطوّر المعطيات البحثية ونعوّل على استمرار نجاح برنامج التطعيم.
© The Independent