تخيم أجواء من التوتر على المدن المختلطة بين اليهود والعرب في إسرائيل التي اتسمت عادة بالهدوء، وذلك منذ بدء التصعيد قبل أسبوع بين إسرائيل والفصائل المسلحة في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة "حماس".
تعود الأسباب الجذرية للاضطرابات التي اندلعت في يافا إلى عقود، ولكن هجوماً حدث في أبريل (نيسان) شكل مؤشراً وتحذيراً مبكراً من توترات طويلة الأمد في شأن حقوق الأراضي والممتلكات.
يعيش عشرة أشخاص في الشقة الضيقة التي تسكنها إسراء جربوع مع طفليها وزوجها وحماتها عطاف (57 سنة).
لكن السنوات الماضية شهدت تغيرات كبيرة. إذ شيئاً فشيئاً تم إخلاء جيرانهم العرب من ذوي الدخل المنخفض من مساكنهم التي تديرها شركة إسكان عامة، لفسح المجال لبناء شقق فاخرة معظم من يقدرون على شرائها من الإسرائيليين اليهود.
وتواجه عائلة جربوع نفسها تهديداً بالإخلاء من شركة الإسكان الحكومية "عميدار" التي أمرتها بالخروج في عام 2018، بحجة عدم دفع الإيجار.
وتمثل شركة "عميدار" الحكومة الإسرائيلية في تأجير البيوت العربية التي كان يملكها فلسطينيون هُجروا منها، وتسعى إلى هدمها وإقامة بنايات شاهقة مكانها.
ويقول المحامي ساعر عميت لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه ألغى أمر الإخلاء وطلب من الشركة السماح للأسرة بالبقاء، لافتاً إلى صحة عطاف جربوع الضعيفة ودخلها الضئيل. ولم يتلق رداً بعد.
"تقوية" الوجود اليهودي
في منتصف أبريل حدثت مشاجرة عنيفة مع عائلة جربوع بعدما جاء رجلان من المدرسة اليهودية القريبة إلى شارعهما لتفقد الأرض لاحتمال شرائها. وعلى إثر المشاجرة التي صُورت اعتُقل محمود (34 سنة) زوج إسراء وشقيقه أحمد (36 سنة) بتهمة الاعتداء على الرجلين.
وتروي عطاف "جاء الرجلان إلى دارنا يريدون طردنا منها. ثم يقولون إن هناك عنفاً. هم الذين يرتكبون العنف ضدنا".
ولكن موشيه شندوفيتش، مدير مدرسة "ميئريم بيافو"، يقول "كنا أنا وحاخام المدرسة إلياهو مالي نتفقد أرضاً لبناء مساكن للطلاب عندما صفعنا الرجلان وضربانا وركلانا".
ويضيف شندوفيتش "لا شرعية لأي نوع من العنف، وهذا العنف كان متطرفاً".
ويتابع أن منظمته الممولة جزئياً من الدولة تهدف إلى "تقوية" الوجود اليهودي في يافا.
وهو والحاخام إلياهو مالي على صلة بحركة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.
ويؤكد شندوفيتش أن "يافا ليست مدينة عربية بالتعريف. هناك بالتأكيد سكان عرب هنا ومرحب بهم، لكن الجالية اليهودية هنا وضعها مزدهر".
التغيير حدث في الثمانينيات
يعتبر المخرج اليافاوي طوني قبطي، أن مظالم العرب في يافا، كما في أي مكان آخر، تنبع من قيام دولة إسرائيل عام 1948.
ويتابع "يافا كانت بالنسبة إلى العرب الفلسطينيين عاصمة التعليم والمسرح والسينما والمدارس والصحف. كانت بلداً في حد ذاتها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن بين أكثر من 70 ألفاً من السكان العرب في ذلك الوقت، فر الجميع أو طُردوا باستثناء ثلاثة آلاف، وفقاً لمنظمة "زوخروت" وهي مجموعة إسرائيلية توثق المجتمعات والقرى الفلسطينية المدمرة والمهجرة التي أزيلت عند قيام إسرائيل.
في يافا، استولت الدولة على منازل العرب وقسمتها، وخصصت شققاً سكنية للسكان اليهود والعرب الفقراء الذين دفعوا إيجاراً رمزياً منخفضاً باعتبارهم "مستأجرين محميين".
لكن التغيير حدث في الثمانينيات، عندما بدأت شركة "عميدار" بيع ممتلكاتها في جميع أنحاء إسرائيل، وقدمت للمستأجرين المحميين فرصة لشراء منازلهم بسعر مخفض.
وتقول المتحدثة باسم الشركة شاني يسرائيل، إن نحو 800 شقة سكنية في يافا معروضة للبيع.
وتضيف "الهدف هو البيع للمقيم، إلا إذا كان المقيم لا يريد ذلك".
لكن ابن يافا وعضو مجلس بلدية تل أبيب أمير بدران يقول، إن "معظم المستأجرين من شركة عميدار في يافا اليوم عرب، وأكثر من ثلثهم يواجهون تهديداً بالإخلاء".
ويضيف أن شركة "عميدار" "تتجاهل حقيقة أن هذه الممتلكات هي في الأصل فلسطينية، وتتجاهل حقيقة أن العرب لا يستطيعون شراء هذه العقارات".
طفح الكيل
يتكلم العرب في يافا عادة العربية ممزوجة ببعض الكلمات العبرية، وغالباً ما يدرسون ويعملون في المجتمع الإسرائيلي اليهودي.
وينشد كثيرون من أهل المدينة حسن الجوار. واحتج المئات من سكان يافا من العرب واليهود يوم الأحد على السياسة الإسرائيلية، ودعوا إلى التعايش السلمي.
وبعضهم حمل أغصان زيتون، حتى وإن عبر آخرون عن شكواهم.
ويقول محمد منصور (34 سنة) وهو مهندس عربي خلال التظاهرة "نحن كعرب في إسرائيل لم نفعل أي شيء في حروب إسرائيل الثلاث على غزة... لكن الآن جراء التمييز، طفح بنا الكيل، والأمر لا يتعلق بالأقصى فحسب".
وعززت المعركة التي يخوضها العرب من أجل الحفاظ على سكنهم مشاعر التضامن مع الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر والضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين.
وسلطت عطاف جربوع الضوء على بيوت فلسطينيي حي الشيخ جراح في القدس الشرقية التي يحاول المستوطنون الإسرائيليون طردهم منها، لأنها مقامة على أرض يقولون إنها كانت ملكاً ليهود قبل عام 1948.
وتقول "القدس الشرقية تفطر قلبي. هذا لا يحدث هناك فحسب، بل يحدث هنا أيضاً. إنهم لا يريدون العرب هنا".