منع مرضى ومعاقون، أخيراً، من استعمال مرافق ضرورية، كما حرموا من المعالجة الطبية التي كانوا في حاجة ماسة إليها أثناء وجودهم في الحجر الصحي الفندقي الذي تفرضه الحكومة بسبب جائحة كورونا، وهو سلوك يقول محامون، إنه يمثل انتهاكاً للقانون.
وكانت المحكمة أمرت الحكومة بالإفراج عن عدد من الأشخاص من نزلاء فنادق طلب منهم البقاء فيها لعزل أنفسهم إثر عودتهم من دول مدرجة على القائمة الحمراء. وجاء ذلك في أعقاب اتخاذهم إجراءات قانونية بسبب الضرر الذي كان الحجر الصحي يلحقه بصحتهم البدنية.
وفي إحدى الحالات، رفض موظفو الفندق ولساعات عدة أن يسمحوا لأهل رضيعة عمرها أربعة أشهر، وتعاني من التهاب حاد في ساقها، بنقلها إلى قسم الطوارئ والإسعاف. وفي حادث آخر، تعرض مريض بالسكري إلى أزمة قلبية بعد ما منع هو الآخر من استعمال المرافق المناسبة لتخزين الأنسولين ولم يقدم له الطعام الذي يلبي احتياجاته الغذائية كمريض بالسكري.
وفي تعليقه على هذه الحوادث، اتهم بامبوس شارالامبوس، وهو وزير الدولة لشؤون الهجرة في حكومة الظل العمالية، الوزراء بـ"الفشل" في تطبيق نظام حجر صحي فندقي متماسك، وأيضاً بترك حيز زمني ضئيل "لإجراء تقييم مناسب للمخاطر وتطبيق أفضل الممارسات"، ما يؤدي إلى "المجازفة" بحياة هؤلاء الذين يخضعون للحجر.
يذكر أن الحكومة قررت إخضاع جميع المقيمين في بريطانيا للحجر الصحي لعشرة أيام لدى عودتهم إلى الوطن من إحدى الدول الواردة أسماؤها على "القائمة الحمراء" التي يبلغ عددها حالياً خمسين دولة، وذلك في إطار التدابير المتخذة للحد من انتشار الفيروس. واشترط القرار الذي صار نافذاً اعتباراً من 15 فبراير (شباط) مكوث الأشخاص المعنيين طيلة مدة الحجر في فنادق معينة على أن يدفعوا نفقات الإقامة فيها من جيبهم الخاص.
وتقول وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية على موقعها الإلكتروني، إن الإعفاء من الحجر غير ممكن إلا في "بعض الظروف البالغة الصعوبة والمحدودة للغاية". وعزت هذه الصرامة في تطبيق الحجر إلى "وجود أوضاع طبية حادة مسبقة ونقاط ضعف".
وتدعي الوزارة أن هناك "حزمة من الاجراءات الكفيلة بتوفير العناية لجميع الخاضعين لحجر صحي غير ذاتي، كما أن الرعاية الصحية توفر لهم في حالات الطوارئ".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلا أن صحيفة "اندبندنت"، اطلعت على ثلاث حالات لأشخاص رفضت طلباتهم للحصول على إعفاء من الحجر غير الذاتي مع أنهم كانوا متوعكين يشكون من إعاقة أو يعانون من أمراض خطيرة، كما جرى منعهم من الوصول إلى مرافق أساسية وتلقي العلاج الطبي في الفندق.
كنت أظن أنني سأموت
في الحالة الأولى، أمرت المحكمة العليا بإطلاق رفيق محمد، وهو بريطاني– باكستاني، من الفندق الذي كان يخضع للحجر فيه بعد تعرضه لأزمة قلبية وضعته على شفير الموت.
وكان رفيق، 58 عاماً، الذي يعاني من مرض السكري الحاد، قد سافر إلى باكستان في 27 فبراير لزيارة والديه المريضين اللذين كانا في حالة حرجة. ولدى عودته من هناك في 18 مايو (أيار) طلب منه الخضوع للحجر الصحي في فندق "راسل سكوير" وسط لندن. وسرعان ما اكتشف بعد ما دفع 1750 جنيهاً إسترلينياً (2437 دولاراً) سلفاً مقابل إقامته في الفندق لعشر ليال، أن غرفته خالية من براد هو في أمس الحاجة له كي يخزن فيه مادة الأنسولين التي يستعملها.
ذهب على الفور إلى مكتب الاستقبال ملتمساً المساعدة وهو يحمل مذكرة من الطبيب تؤكد أنه في حاجة إلى استخدام نوع معين من الأنسولين الذي ينبغي تخزينه في البراد بدرجة حرارة محددة.
وهنا قالوا لرفيق أن يعود إلى غرفته، من دون أن يوفروا له مكاناً صالحاً لتخزين دوائه.
وبعد ساعة قليلة من بقائه في درجة حرارة أعلى مما يجب، لم يعد الأنسولين صالحاً، وأخذ المريض يشعر بالإعياء والحاجة إلى هواء عذب. سارع بإبلاغ موظفي الفندق عن وضعه المتأزم، غير أنهم تركوه ينتظر لأكثر من ساعة.
وقال رفيق لصحيفة "اندبندنت" إن "ظهري كان يؤلمني، وبطني كان يؤلمني أيضاً. كان لدي عبوة من كوكاكولا غير أنني لم أستطع أن أشربها. واظبت على الاتصال بهم والتوسل إليهم (رجاء أرسلوا أحداً) إلي. كنت أظن أنني سأموت".
وفي النهاية، قرع موظف أمن باب رفيق قائلاً، إن بوسعه أن يرافقه إلى الخارج. وفي نحو الساعة 8 مساءً، وفيما كان المريض خارج غرفته، انهار، ما استلزم نقله بواسطة الإسعاف إلى المستشفى.
وحين استيقظ في الصباح التالي، أبلغوه أنه تعرض لأزمة قلبية. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، أجريت له عملية لوضع شبكة في القلب لحمايته.
اتصل الرجل من على سرير المستشفى بمحاميه الذي رفع قضية مستعجلة انتهت بإصدار المحكمة أمراً يقضي بإعفاء رفيق من الحجر الفندقي.
إلا أنه قيل للرجل عند تخريجه من المستشفى في 25 مايو إن عليه أن يعود إلى الفندق. وبالفعل نقل في سيارة إليه نحو الساعة الخامسة مساء. ولم يسمح له بالخروج حتى هدد محاميه برفع قضية جديدة أمام المحكمة، الأمر الذي أقنعهم بتركه وشأنه فخرج من الفندق نحو الواحدة صباحاً.
بدا الأمر وكأننا كنا نعاقب
في حالة ثانية، جرى منع والدي رضيعة، 4 أشهر، مصابة بالتهاب خطير في ساقها، لثماني ساعات من نقلها إلى المستشفى بغرض إخضاعها لمعالجة طارئة.
كانت الطفلة قد سافرت، مع أمها وأبيها وشقيقيها، 6 و4 سنوات، إلى باكستان لزيارة أقارب مسنين. وقد وضعت باكستان على القائمة الحمراء فيما كانت العائلة هناك. وبعد صعوبات جمة، تمكنت العائلة من حجز تذاكر العودة، حيث وصلت إلى بريطانيا فعلاً في 2 مايو.
كانت الطفلة أليها تعاني من مرض يسمى "ورماً وعائياً دموياً" وهو واحد من سرطانات الأوعية الدموية، وأصيبت بالتهاب حاد ترافق بألم شديد. تم فحصها في إسلام آباد قبل المغادرة مع أهلها، وأوصى الأطباء هناك بإجراء فحوص شاملة لها في أقرب فرصة بعد وصولها إلى بريطانيا.
تقدم والدا الطفلة بطلب لإعفائهم من الحجر الفندقي بسبب وضعها الصحي من جهة ومعاناة شقيقها ابن الست سنوات من حالة توحد حادة، من جهة ثانية. غير أن الطلب قوبل من جانب الحكومة بالرفض.
وقالت والدتها زهرة صهيب "شعرنا بخوف شديد. لو كان الحجر يقتصر علي وعلى زوجي، لهان الأمر بالنسبة لنا، لكن وجود طفلتنا الرضيعة المريضة وابننا المصاب بالتوحد، جعلنا حقاً قلقلين للغاية".
وحالما وصلت العائلة إلى فندق "ميللينيوم غلاوستلر" في كينزنغتن بغرب لندن، بعد فترة انتظار طويلة في مطار هيثرو، ارتفعت درجة حرارة الرضيعة. اتصل الوالدان هاتفياً بـ"الممرضة الزائرة" التي ترعى العائلة، فأوصت بتوفير المعالجة الطبية العاجلة للطفلة.
وتذكر الوالدة "اتصلنا بقسم الاستقبال لإبلاغهم بحاجتنا لنقل ابنتنا إلى قسم الطوارئ والإسعاف. فقالوا إنه من غير المسوح لنا أن نذهب. بقيت أحاول شرح الموقف لهم لساعات عدة، من دون جدوى. ولم نعرف ماذا يجب أن نفعله في الواقع.
وتضيف السيده صهيب "عوملنا كما لو كنا نكذب عليهم. كنا نستميت كي يتركونا نتوجه إلى المستشفى. لقد بدا الأمر وكأننا كنا نعاقب".
وفي نهاية المطاف، أدخلت الرضيعة نحو الساعة الثانية من بعد منتصف الليل إلى المستشفى، حيث أبقيت هي ووالدتها ثلاثة أيام لمعالجة ساقها المريضة.
وفي غضون ذلك، اتصلت العائلة بمحامي وجه رسالة إلى الحكومة ملوحاً باتخاذ إجراءات قضائية وطالباً إعفاء العائلة من الحجر الصحي الفندقي. وفعلاً، جاء الجواب بالموافقة ما سمح للزوجين وأولادهما بالعودة إلى بيتهم لإكمال فترة العزل الذاتي هناك.
وقالت السيدة صهيب عن تلك التجربة "لقد شعرت بالهلع. كانت تجربة كريهة. لو أننا لم نذهب للمستشفى، لكان وضع ابنتنا الرضيعة قد ازداد خطورة".
لم تكن هناك أي شفقة
في الحالة الثالثة، احتاجت سيدة معاقة، 81 عاماً، بعد عودتها من باكستان حيث ذهبت لحضور جنازة، إلى رعاية عاجلة في المستشفى بعد ما تبين عدم وجود مرافق خاصة بالمعاقين في الفندق الذي كان من المفروض أن تخضع فيه للحجر.
تعاني السيدة التي تلقت اللقاح كاملاً بجرعتيه، من مجموعة من الأمراض بما في ذلك قصور في عمل القلب، والربو، والسكري، والتهاب المفاصل الروماتيزمي. ولهذا فهي عاجزة عن السير من دون مساعدة مرافقة ترعاها، كما أنها لا تستطيع المكوث في مكان لا يتوفر فيه أثاث خاص يلبي احتياجاتها اليومية.
مع هذا كله، فقد رفضت الحكومة طلباً لإعفائها من الحجر الفندقي تقدم به نجلها محسن شاه، 25 عاماً، الذي رافقها في زيارتها إلى باكستان.
وعندما طلب ابنها حجز غرفة تضم سريراً لذوي الحاجات الخاصة، اعتذر فندق "راديسون بلو" في مطار هيثرو، لعدم تمكنه من تلبية الطلب.
وبدأت حالة والدته الصحية بالتدهور بسرعة حين كانت في الفندق. وقد وجدت صعوبة كبيرة في استعمال دورة المياه، الأمر الذي دفعها إلى الكف عن تناول أدويتها التي تتطلب منها الذهاب إلى المرحاض كثيراً.
وتمخض احتباس السوائل لديها عن تورم في قدميها وكعبيها، ومن ثم أدى إلى التهاب حاد في ساقها، الأمر الذي استدعى القيام بزيارة عاجلة إلى قسم الطوارئ والإسعاف في المستشفى حيث أبقيت لساعات عدة قيد المعالجة. وصدر الإعفاء من الحجر الصحي الفندقي بعد تدخل محامي السيدة المسنة رسمياً لدى الحكومة.
واعتبر ابنها محسن أنه "لم تكن هناك أي شفقة على سيدة في الواحدة والثمانين من عمرها رغم أن كل شيء كان بادياً بوضوح لهم، فقد كانت مرهقة وليست على ما يرام وساقها تؤلمها".
وأضاف أنها "كانت تبكي بحرقة حيث شعرت بالإهانة وقلة الاحترام. وهي لا تأكل ولا تنام بشكل جيد".
وتابع "لو أنها استطاعت العودة إلى المنزل بسيارة تاكسي من المطار لكانت قد خالطت عدداً أقل بكثير من الناس الذي التقت بهم بسبب الحجر. فقد اضطرت أن تستقل عدداً من سيارات الأجرة وتنتقل بين الفندق والمستشفى. إنه كان أمراً مروعاً".
هذا، وقد اتهم محمد زهاب جميل، وهو شريك ومحام في شركة "آشتون روس لو" للمحاماة– مثل المتضررين في الحالات الثلاث الآنفة الذكر- (اتهم) الحكومة بـ"الفشل الذريع" في الوفاء بواجبها في توفير "المرافق الأساسية" للمرضى والمعاقين في أماكن الحجر الصحي الخاضع للإدارة.
وأضاف المحامي أنه كان هناك "غياب تام للتنسيق بين الفرق المختلفة في وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية، الأمر الذي أدى إلى الفشل في تلبية الاحتياجات الطبية الأساسية، والذي يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان".
في المقابل، قال ناطق باسم شركة "إمبريال لندن" التي تملك فندق "راسل سكوير" لا نعتقد أنه سيكون من المناسب أن نعلق على الموضوع في هذا الوقت".
أما المتحدث باسم شركة "إدوارديان هوتلز لندن" التي تملك فندق "راديسون بلو" فقال إن قضية السيدة شاه كانت حساسة، وقد حاول العاملون في الفندق أن يفعلوا كل ما في وسعهم لمساعدتها، كما تواصل الفريق الطبي الخاص بالفندق معها يومياً.
إلا أن شركة فنادق "ميللينيوم" لم ترد على طلبنا بالتعليق على الحالة ذات العلاقة.
ومن جانبها، قالت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية هي الأخرى، إنها لا تعلق على الأحكام الصادرة عن القضاء المستقل.
© The Independent