مع اقتراب دورة هذه السنة من مهرجان كان السينمائي من نهايتها، يقام حفل تسليم الجوائز مساء السبت المقبل، شرع النقاد والمحللون في رصد التوجهات والسمات الغالبة على الأفلام التي تنافس على السعفة الذهبية. على الورق، أراد القائمون على المهرجان أن يكون موضوع الدفاع عن البيئة هو الانشغال المركزي لأفلام هذه الدورة. لكن جردة الحساب الأولية للأفلام المعروضة حتى الآن تؤشر إلى سمة غالبة أخرى تتمثل في هيمنة الشخصيات النسوية على أفلام هذه السنة، بما فيها الأعمال التي تحمل تواقيع مخرجين رجال.
وبرز هذا التوجه بداية، في فيلم الافتتاح "آنيت" للفرنسي ليوس كاراكس، من خلال شخصية المغنية الأوبرالية "آن" (النجمة ماريون كوتيار) التي تعصف بموهبتها - ثم بحياتها - الغيرة الزوجية المرَضية والنزعة الذكورية المتسلطة، ثم في رائعة النرويجي جوهاكيم ترير "أسوأ رجل في العالم"، التي تألقت فيها الممثلة رينات رينسفه (أبرز مرشحة لجائزة أفضل تمثيل نسوي) في دور جوليا، خريجة الطب التي تحلم بأن تصبح فنانة مصورة، والتي تعصف بها الأزمة الوجودية التي تواجهها غالبية النساء عند بلوغ الثلاثين (ما يعادل الأزمة الأربعينية عند الرجال). الأزمة الوجودية ذاتها نجدها في الفيلم الأميركي "يوم العلم" للنجم شين بن، من خلال شخصية جينفر فوغل، التي تقمصتها ابنته ديلان بن، وفي "ثلاثة طوابق"، تحفة المعلم الإيطالي ناني موريتي (الذي تميل الترجيحات - حتى الآن - لأن يدخل التاريخ، هذه السنة، كأول سينمائي ينال السعفة الذهبية في مهرجان كان ثلاث مرات)، من خلال شخصيتين نسويتين محوريتين: دورا (الممثلة مارغريتا باي) ومونيكا (ألبا روهواتشر).
بينما اختار الإسرائيلي آري فولمان (صاحب "فالس مع بشير" – أوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام 2009) أن يغرف من الإرث التاريخي للحرب العلمية الثانية، متخذاً من المذكرات الشهيرة لآن فرانك (الطفلة اليهودية التي قضت في معسكرات الإبادة النازية) منطلقاً لمساءلة الراهن، عبر إقامة مقارنة بين مصير اليهود في أوروبا الأربعينيات بالتراجيديا الراهنة للاجئين المسلمين في القارة العجوز.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ثم برزت النبرة الحقوقية المنتصرة لحقوق النساء من خلال شخصية "أمينة" (الممثلة التشادية أشواق أباكار) في فيلم "الروابط المقدسة" لمحمد صالح هارون، وفي رائعة الفرنسي جاك أويديار" أولمبياد" (على اسم حي شعبي في الدائرة الخامسة عشرة من باريس)، من خلال ثلاث شخصيات نسوية مبهرة: إيميلي (الممثلة لوسي شانغ)، آمبر (جيني باث)، ونورا (ناعومي ميرلان).
لكن السمة المشتركة بين كل هذه الأفلام أنها لمخرجين رجال، على الرغم من أنها شخصياتها الرئيسة نسوية. وهي معضلة أثارتها عضو لجنة التحكيم، المخرجة - الممثلة الأميركية، ماغي جيلنهال، إذ قالت "أعتقد أن النساء حين يستمعن إلى أنفسهن، ويعبرن حقاً عن أنفسهن، حتى لو كان ذلك ضمن منظومة ثقافية ذكورية للغاية، فإنهن يقدمن أفلاماً مغايرة. نحن نروي القصص بشكل مختلف. وأعتقد أننا كنساء، وفق تجربتي، تعودنا على مشاهدة أفلام فيها شخصيات نسوية، لكن نادراً ما تكون من إخراج نساء. غالباً ما أحس بأنني في حاجة لتفعيل عضلة دماغية إضافية. لا أدري هل تقاسمونني ذلك، حين تشاهدون فيلماً، سواء كانت شخصياته نسوية أو ذكورية، فإن الذي يعبّر عنها غالباً ما يكون رجلاً. لذا، فإن النظرة الذكورية هي التي تطغى عليها من الأساس. ونحن بحاجة إلى تفعيل عضلة صغيرة إضافية لتحويل ذلك إلى شيء يمكننا كنساء أو حتى كفتيات صغيرات أن نتفاعل معه".
بالفعل، وعلى الرغم من الحضور النسوي الملفت، فإن أربعة أفلام فقط تحمل تواقيع مخرجات نساء، من بين 24 فيلماً في السباق نحو السعفة الذهبية. ما يبين أن حلم المساواة المنشود بين الرجال والنساء في مجال السينما ما يزال بعيد المنال. لكن المفوض العام لمهرجان كان، تيري فريمو، يرى أن التوجهات الحالية للسينما تدفع للتفاؤل، إذ قال لـ"اندبندنت عربية"، "نلاحظ في تظاهرة "نظرة ما" وجود عدد كبير من النساء المخرجات. فما الذي يجب أن نستنتجه من ذلك؟ هذا يعني أن السينما الشابة - لأن تظاهرة "نظرة ما" تُعنى بالسينمائيين الشباب - تضم عدداً كبيراً من المخرجات الشابات. لذا فأبواب المستقبل مفتوحة أمامهن على مصراعيها. وأعتقد أننا يجب أن نتوخى الحذر حين نسمع مَن يقول إن هناك مشكلة نساء في السينما. كانت هنالك مشكلة بالفعل في الماضي. وتلك المشكلة التي كانت موجودة في الماضي، ما نزال نعاني من تبعاتها حتى الآن، لأننا لا نجد، حتى الآن، 50 في المئة من المخرجات النساء في المسابقة الرسمية. لكننا نعمل جاهدين من أجل تحقيق ذلك".