تعرضت الليرة التركية لضربة أخرى عقب التعليمات التي أصدرها الرئيس رجب طيب أردوغان، السبت، 23 أكتوبر (تشرين الأول)، باعتبار سفراء 10 دول من ضمنها الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا "أشخاصاً غير مرغوب فيهم".
وكانت العملة التركية قد تراجعت بشدة بعد أن أقال أردوغان ثلاثة من مسؤولي البنك المركزي، وبعد خفض أسعار الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس الخميس الماضي - على خلاف التوقعات بخفضها 100 نقطة أساس فقط - والذي جاء ضمن السياسة النقدية غير التقليدية التي يتبعها الرئيس التركي، ما تسبب في أن تفقد عملة تركيا قرابة ربع قيمتها مقابل الدولار الأميركي خلال العام الحالي.
ويوم السبت الماضي، أعلن الرئيس أردوغان أن سفراء الدول العشر التي دعت إلى الإفراج عن المعارض عثمان كافالا، سيتم إعلانهم "أشخاصاً غير مرغوب فيهم". وأضاف، "أمرت وزير خارجيتنا بالتعامل في أسرع وقت مع إعلان هؤلاء السفراء العشرة (عبر اعتبارهم) أشخاصاً غير مرغوب فيهم"، من دون أن يعلن موعداً محدداً لذلك. وأكد أردوغان أن على هؤلاء السفراء أن "يعرفوا تركيا ويفهموها"، معتبراً أنهم "يفتقرون إلى اللياقة". وأضاف، "عليهم مغادرة (البلاد) إذا ما عادوا يعرفونها".
تسوية عادلة وسريعة لقضية رجل أعمال
ويوم الاثنين الماضي، دعت كندا وفرنسا وفنلندا والدنمارك وألمانيا وهولندا ونيوزيلندا والنرويج والسويد والولايات المتحدة إلى تسوية عادلة وسريعة لقضية كافالا، الذي بات عدواً للنظام، والمسجون منذ أربعة أعوام من دون محاكمة. واستدعت تركيا سفراء تلك الدول، معتبرة أن دعوتهم إلى الإفراج عن كافالا "مرفوضة".
وفي تعليق سريع على تصريحات الرئيس التركي بشأن السفراء، قالت وكالة "بلومبيرغ"، إن "الخطر هو أن خطابه قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تفاقم تلك الخلفية الاقتصادية الهشة"، فيما قال بيوتر ماتيس، محلل العملات البارز في "كابيتال ماركتس" في لندن، "من المرجح أن يزيد قراره من ضغط البيع على الليرة، مما سيكون له عواقب سلبية على التضخم".
وكشفت بيانات الوكالة الأميركية عن أن الليرة فقدت نحو 23 في المئة مقابل الدولار هذا العام، وهو أسوأ أداء في الأسواق الناشئة. وارتفع التقلب الضمني في الليرة لمدة شهر إلى أعلى مستوى منذ مايو (أيار) يوم الجمعة الماضي. وأشارت "بلومبيرغ"، إلى أن نوبات التوتر السابقة بين تركيا ودول أخرى - وخصوصاً الولايات المتحدة - أثرت على أصول الليرة، ما أدى إلى تقلبات حادة في الأسواق المالية المحلية.
خسائر الليرة تقفز لـ38.5 في المئة منذ بداية 2020
وقبل أيام، وللمرة الثانية خلال شهرين، تدخل البنك المركزي التركي وقرر خفض معدل الفائدة الرئيس إلى مستوى 16 في المئة، متجاوزاً بذلك توقعات المحللين التي كانت تشير إلى خطورة استمرار خفض أسعار الفائدة في وقت تسجل فيه معدلات التضخم مستويات قياسية.
وقررت لجنة السياسة النقدية في البنك خفض معدل الفائدة على عمليات إعادة الشراء (الريبو) لأجل أسبوع بـ200 نقطة أساس إلى 16 في المئة، على الرغم من التحذيرات المستمرة من تداعيات الخفض على سعر صرف الليرة ومعدلات التضخم.
وكان "المركزي التركي" قد أعلن خفض أسعار الفائدة الشهر الماضي بنحو 100 نقطة أساس إلى مستوى 18 في المئة، وهو ما يأتي في إطار تنفيذ تعليمات الرئيس التركي الذي يرى أن الفائدة "شر لا بد من التخلص منه"، وهو ما يخالف جميع النظريات والسياسات الاقتصادية التي تقضي بضرورة أن يتماشى سعر الفائدة مع معدلات التضخم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأقال الرئيس أردوغان، خلال الأيام الماضية كل أعضاء لجنة السياسة المعارضين لمطلبه بخفض الفائدة، وعلى الفور هوى سعر صرف الليرة لمستوى قياسي منخفض جديد. ووفق إحصاء أعدته "اندبندنت عربية"، فقد قفز الدولار الأميركي بنسبة تتجاوز 23 في المئة مقابل الليرة التركية منذ بداية العام الحالي، إذ قفز سعر صرف الورقة الأميركية الخضراء من مستوى 7.65 لكل ليرة في بداية 2021 إلى نحو 9.74 ليرة في تعاملات اليوم، وهو أدنى مستوى لليرة التركية مقابل الورقة الأميركية الخضراء.
لكن، منذ بداية العام الماضي، وحتى تعاملات اليوم، قفز الدولار الأميركي بنسبة 38.5 في المئة، إذ ارتفع سعره من مستوى 5.97 ليرة في بداية عام 2020 إلى مستوى 9.74 ليرة في الوقت الحالي.
وفي مذكرة بحثية حديثة، وصفت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني الخفض الكبير المفاجئ لأسعار الفائدة في تركيا بأنه "خطوة أخرى في الاتجاه الخاطئ". وأكدت أنها تراقب مدى الضرر الذي قد يلحقه هذا الإجراء بتمويل البنوك والشركات. وأشارت إلى أن تخفيف الإجراءات النقدية كان خطوة سابقة لأوانها، ويبدو أنها جاءت بدافع سياسي من دون أن تترك للبنك المركزي الهامش المطلوب لحماية الليرة المتعثرة.
قفزة كبيرة في ديون تركيا خلال 3 سنوات
وتسبب الهبوط المستمر في سعر صرف العملة التركية في عدد من الأزمات، سواء على صعيد معدلات التضخم أو الديون. وتشير البيانات الرسمية إلى ارتفاع ديون تركيا بنسبة 109 في المئة خلال 3 سنوات. فقد قفز دين الحكومة المركزية من مستوى 969.940 مليار ليرة (112.131 مليار دولار) في يونيو (حزيران) من عام 2018، إلى نحو 2026.802 مليار ليرة (234.312 مليار دولار) في يونيو الماضي، بزيادة بلغت قيمتها 1056.856 مليار ليرة (122.180 مليار دولار) مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 109 في المئة.
وقالت وكالة "بلومبيرغ" في مذكرة بحثية حديثة، إنه مع استمرار نزيف الليرة مقابل الدولار، فقد وضع الرئيس التركي عربات صغيرة حول عديد من محال السوبر ماركت الجديدة، لبيع المنتجات بأسعار زهيدة، ويأمل أن تضع تلك العربات الأسعار "الباهظة" في تركيا تحت السيطرة، لكن جهوده غير التقليدية لمكافحة التضخم فشلت في إقناع المتسوقين وتجار التجزئة.
وبعد ارتفاع معدل التضخم الذي يقترب من 20 في المئة وتراجع استطلاعات الرأي في أدائه قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في عام 2023، أصدر أردوغان تعليمات لسلاسل البيع بالتجزئة بفتح ألف متجر لتوفير منتجات رخيصة وعالية الجودة من أجل تحقيق التوازن في السوق.
وبلغ معدل التضخم السنوي مستوى 19.6 في المئة خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، ليسجل أعلى مستوياته في عامين ونصف العام مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية قرب 29 في المئة. وفي الوقت الحالي، تواجه الجهود المبذولة لتخفيض الأسعار تحدياً جديداً مع انخفاض الليرة مدفوعاً بالتيسير النقدي لأسعار استيراد الوقود.