بينما تهرول منى (38 عاماً) خلف بناتها في محاولة لمنعهن من متابعة مسلسل "شقة فيصل" بسبب الكم الهائل من "السوقية"، وتدني الألفاظ المستخدمة في الحوار فيما يفترض أنه طريقة كلام الطبقات الشعبية، يضع حاتم (40 عاماً) كفيه حائلاً أمام أعين ابنته ذات الأعوام السبعة كلما جاء مشهد قتل أو حرق أو ضرب في "ولد الغلابة". وفي الوقت نفسه، يضجّ المقهى القابع في أول الشارع بهمهمات السعادة وتعليقات تنمّ عن العجز كلما صفع "قابيل" أياً من الممثلات تأديباً لهذه أو ردعاً لتلك. وكلما ظهرت "فريدة"، السيدة المتحررة صاحبة العلاقات المركبة والمحبة للحياة في "زي الشمس" حَوْقَل رواد المقهى وتمتموا بعبارات تنمّ عن استياء عارم من هذا النموذج النسائي "المثير للاشمئزاز".
اشمئزاز البعض من محتوى ما يَرِد على مدار ساعات الليل والنهار على الشاشات، حيث عشرات الحلقات الدرامية، وجد بعض الصدى في تقرير صدر عن لجنة الإعلام في المجلس القومي للمرأة، حيث رصد المجلس قوائم بخروقات اقترفها صناع الدراما هذا العام.
إيحاءات وخروقات
لكن ما اشمأز منه رواد المقهى الشعبي الرافضين لنموذج المرأة المتحررة، لم يكن بالضبط ما اشمأزت منه اللجنة التي التزمت بمطابقة الكود الأخلاقي الذي وضعته بغرض معالجة قضايا المرأة في الدراما، والمعتمد من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تمثلت الخروقات في: إيحاءات جنسية في مسلسلات، أبرزها "حدوتة مرة" و"فكرة بمليون جنيه" و"البرنسيسة بيسة" و"الواد سيد الشحات" و"علامة استفهام" و"شقة فيصل" و"الزوجة الـ18" و"ولد الغلابة"، وهو ما يعني أن غالبية مسلسلات رمضان احتوت على إيحاءات جنسية اعتبرها المجلس القومي للمرأة "مرفوضة".
رفض المجلس- المعروف بمواقفه الليبرالية والمدافعة عن حقوق المرأة في وجه توغل الإسلام السياسي وبعض المفاهيم الخاطئة عن الدين- كذلك تكرار فكرة تعدّد الزوجات بشكل واضح في أكثر من مسلسل، والتعامل معها إما باعتبارها أمراً محموداً أو عادياً لا يثير إلا غيرة الزوجات. وقد تعددت الزوجات في مسلسلات "الزوجة الـ18" و"ابن الأصول" و"ولد الغلابة" و"شقة فيصل". ويشار إلى أن سياق تعدّد الزوجات في بعض الأعمال بدا وكأنه الطبيعي والمتفق عليه والمقبول، وهو ما يعدّ تشجيعاً للمجتمع على قبول الفكرة، لا سيّما وأن هناك من يدقّ على أوتارها مشجعاّ ومؤيداّ بين جماعات الإسلام السياسي، التي ما زالت موجودة بشكل واضح في مصر. الغريب أن تعدد الزوجات- سواء في شكله الكوميدي حيث مشادة يُفترض أنها مضحكة عن غيرة الزوجات من بعضهن البعض، أو في شكل تراجيدي- تحول إلى فكرة مرتبطة بدراما رمضان.
تعاطي المخدرات
ارتباط دراما رمضان لم يعد مقتصراً على تعدد الزوجات، بل أصبح كذلك يشمل تعاطي المخدرات والتعايش معها. ربما تألقت الفنانة نيللي كريم في رمضان عام 2015 في مسلسل "تحت السيطرة"، الذي أسهب وتعمّق ونقّب في عوالم الإدمان، لكن هذا العام اتخذت المخدرات ومعاقرتها، بالإضافة إلى التدخين، شكلاً نسائياً أزعج المجلس القومي للمرأة، في مسلسلات "زي الشمس" و"حكايتي" و"قمر هادئ" و"قابيل" و"شقة فيصل" و"علامة استفهام" و"لآخر نفس" و"حدوتة مرة" و"لمس أكتاف"، وهو ما جعل البعض يتساءل إن كانت المرأة المصرية قد دخلت بكل قوتها عالم الإدمان والتدخين، أم أن المسالة لا تعدو مجرد توارد خواطر إدمانية بين كل هذه الأعمال.
هذه الأعمال وغيرها وحّدت بينها كذلك ظاهرة تعشقها الدراما المصرية بشكل واضح، ألا وهي صفع النساء على وجوههن. بعضها يكون صفعة واحدة تزلزل أرجاء المكان في بناء درامي مثير، والبعض الآخر يأتي في هيئة صفعات متتالية يهتز معها وجه "المضروبة" جيئة وذهاباً أو تسقط على الأرض متأوهة في حبكة فنية يفترض أن تلقى الإعجاب من جهة، وترسخ فكرة الصفع والضرب للمرأة والفتاة باعتبارها إجراء رويتينياً مقبولاً.
رصد المجلس الصفعات تحت بند "العنف الأسري". وأشار في تقريره إلى "الطريقة الوحشية التي استخدمها الأب ضد ابنته في "زلزال"، وكانت عبارة عن عملية صفع على الوجه تكررت "ست مرات متتالية". واعتبر المجلس ذلك دعوة صريحة لاستخدام الصفع طريقة في تربية البنات.
تهذيب بالصفع
وتكرر الصفع المتواتر في مسلسل "حدوتة مرة"، لكن هذه المرة بغية تهذيب الأخت وليس الابنة. كما احتوى مسلسل "حكايتي" على إهانات لفظية بالغة وجهتها الأم لابنتها لأنها أرادت أن تتعلم، وهو المسلسل الذي يقدم فكرة حق الأخ في تهذيب أخته بالطريقة التي يراها ملائمة له، ضرباً ولفظاً ومنعاً من الخروج والتعليم، وهي الفكرة السائدة بشكل مزعج في المجتمع وتحتاج تعديلاً وتقويماً وليس ترسيخاً وتوطيداً.
طريقة أخرى لتهذيب الأخ لأخته ولكنها أكثر حدة، حيث أقبل الأخ على قتل أخته لأنها تزوجت في "ولد الغلابة".
المعنيون والمعنيات بحقوق المرأة ودور الدراما في ترسيخ أفكار أو العصف بها غاضبون هذا العام من حجم العنف المعنوي واللفظي والجسدي الوارد في مسلسلات رمضان، لا سيما وأن الكثير منه يتم التعامل معه درامياً في سياق الأمور العادية المعروف والمقبول حدوثها داخل الأسر المصرية والمجتمع بوجه عام.
ولفت نظر البعض مستوى وأسلوب الحوار فيما يختص بدور الرجل والمرأة، حيث تتكرر يومياً عبارات مهينة تعكس مفاهيم أكثر إهانة للمرأة، مثل البطل مخاطباً قريباته "مالهم واقفين قدامي زي النسوان كده ليه؟" و"ماعندناش حريم بتشتغل" "واللي ما يتحكّمش في بنته ما يتصنّفش من صنف الرجالة" في مسلسل "حكايتي" على سبيل المثال لا الحصر.
ورغم مئات الانتهاكات التي رصدها أعضاء لجنة الإعلام في المجلس القومي للمرأة في هذا الشأن، إلا أن التقرير يقلل من أهمية وحجم هذه الخروقات! ويشير إلى أنه "على الرغم من مخالفات الكود الإعلامى لقضايا المرأة، إلا أن معظم هذه المخالفات جاء في إطار السياق الدرامي". واعتبر المجلس السياق الدرامي مبرراً ومعللاً لهذا الكم من الخروقات، لكنه استثنى فقط الألفاظ الخادشة للحياء. وذهب المجلس إلى حد القول بأن السلبيات والخروقات الأخرى "كانت مقبولة في السياق الدرامي" وأن "معظم السلبيات جاءت في إطار رسالة هادفة لتصحيح الأخطاء وفي سياق درامي مقبول وليس مفتعلاً".
وبينما تمضي أيام رمضان ولياليه الدرامية، يستمر المشاهدون والمشاهدات في متابعة ما تيسّر من مسلسلات. البعض يتوقف ليضرب كفاً بكف متعجباً من ترسيخ وتجذير دونية المرأة في المجتمع، والبعض الآخر يصفق ويسعد ويتمنى مزيداً من تحقير النساء وتنميطهن في صورة المرأة الضعيفة المضروبة المهانة.
وعلى الرغم من تصنيف الفئات العمرية المناسبة لكل مسلسل، حيث تظهر أرقام 12 و16 و18 أعلى الشاشة بين مسلسل وآخر، إلا أن الواقع يشير إلى أن كل الفئات العمرية تشاهد كل المسلسلات الرمضانية. ربما تتدخل الأم بمحاولات المنع عبر إغلاق التلفزيون أو يسدّ الأب محيط رؤية الابن الصغير بالكفّ، لكن يظلّ الخطر الأكبر كامناً في تمرير الأفكار الرجعيّة وترسيخ الصور الدونيّة.