أكدت وزارة البيشمركة في حكومة إقليم كردستان أن تصعيد تنظيم "داعش" من هجماته أخيراً مؤشر واضح إلى "إعادة تنظيم صفوفه" وأنه لم ينتهِ "عسكرياً"، وفيما تشير التقديرات إلى امتلاكه نحو ألفين إلى ثلاثة آلاف عنصر، تُوجّه أصابع الاتهام إلى جهات "داخلية وخارجية" بإصرار مواصلة التنظيم لأهداف "سياسية".
وشن تنظيم "داعش" في أقل من أسبوعين نحو 13 هجوماً معظمها وقع في مناطق موضع خلاف بين حكومتي أربيل وبغداد، آخرها اليوم الاثنين، عندما قُتل عنصران من قوات "الحشد الشعبي" الشيعية وأُصيب ثلاثة آخرون في انفجار عبوة ناسفة جنوب كركوك، سبقه هجوم شنه من ثلاثة محاور، مستهدفاً قوات للحشد في منطقة الجزيرة ووادي الثرثار والمخازن، جنوب غربي نينوى.
كما استهدفت هجمات من أربعة محاور قوات البيشمركة والجيش الاتحادي، في الخامس من الشهر الحالي في مناطق خانقين بمحافظة ديالى، وقضاء داقوق وقرية الحوائج ناحية العباسي، وكذلك المنطقة الواقعة بين قضاءَي كفري وطوز خورماتو في كركوك، ومنطقة سيد غريب في صلاح الدين، وأسفرت جميعها عن مقتل نحو 10 أشخاص، بينهم مدنيون.
وكان الهجوم الذي شنه التنظيم في 26 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على قرية الرشاد ذات الغالبية الشيعية والتابعة لقضاء المقدادية في محافظة ديالى، يُعدّ من أكثر الاعتداءات دموية، إذ أدى إلى مقتل 11 شخصاً وإصابة 13 آخرين.
وتتزايد المخاوف من وقوع هجمات أخرى، مع اقتراب موعد انسحاب "القوات القتالية" في الجيش الأميركي والمقرر نهاية العام الحالي، وفق اتفاق رسمي بين واشنطن وبغداد، على أن ينحصر الدور الأميركي لاحقاً في عمليات "تمكين وتدريب" القوات العراقية.
عودة التنسيق المشترك
وتزامناً، أعلن مسؤولون أمنيون في حكومتي أربيل وبغداد أخيراً عن عودة العمل بـ"عمليات التنسيق المشترك" بين الجانبين من خلال حملة أمنية في حدود محافظة نينوى شارك فيها سلاح الجو لملاحقة عناصر التنظيم، وهي أول عملية من نوعها منذ توتر العلاقة بين الحكومتين في أعقاب تنظيم كردستان استفتاء للانفصال في سبتمبر (أيلول) عام 2017، وانسحاب قوات البيشمركة من مناطق موضع الخلاف على وقع تقدّم القوات الاتحادية.
وعلّق القائد في قوات البيشمركة والمشرف على محور مخمور – كوير، عبر منشور في "تويتر" حول العملية، قائلاً "لقد تم تطهير المنطقة من خلايا داعش بعمق خمسة كيلومترات بدءاً من شرق الزاب الكبير وصولاً إلى نهر دجلة".
وأعلن الجيش قتله أحد قادة التنظيم ويُدعى "أبو البراء" في هجوم استهدف ثلاثة "أوكار" لـ"داعش" في منطقة وادي القذف في صحراء محافظة الأنبار، واعتقال 24 شخصاً من أُسر عناصره، وهم من سكان الموصل، قرب قرية الأبطح التابعة لناحية ربيعة الحدودية في نينوى كانوا آتين من سوريا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
داعش "لم ينتهِ"
وقال الأمين العام لوزارة البيشمركة الفريق جبار ياور لـ"اندبينديت عربية" إن "هناك تصوراً بأن داعش انتهى عام 2017 بحسب البيانات الرسمية، لكن في الواقع أنه لم ينتهِ كمنظمة إرهابية دولية، ربما فقد الأرض أو ما سُمّي بالإمارة في العراق والشام، لكنه تمكّن من أن يعيد ترتيب نفسه وشن هجمات، وهذا كان ضمن توقعاتنا"، لافتاً إلى أن "نشاط التنظيم في عام 2018 كان يقتصر في المناطق المتنازع عليها (مناطق موضع خلاف بين أربيل وبغداد)، في ديالى وصلاح الدين وكركوك ونينوى، وشن 456 عملية إرهابية أسفرت عن مقتل وإصابة وخطف 1742 شخصاً. وعام 2019، نفّذ التنظيم نحو 270 عملية، بعدد ضحايا بلغ 1260 بين قتيل وجريح ومختطف. وعام 2020، وصل عدد العمليات الإرهابية إلى 230 عملية بعدد ضحايا بلغ 812".
وكان رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي أعلن نهاية عام 2017 القضاء الكلي على "داعش" لدى استعادة آخر معاقله في مدينة الموصل، التي كان اتخذها كعاصمة "للخلافة"، بعد ثلاثة أعوام من سيطرته على مناطق واسعة، بينها صلاح الدين والأنبار، وصولاً إلى مناطق قرب العاصمة بغداد.
ويؤكد ياور أنه "منذ مطلع العام الحالي، بلغ عدد الهجمات 206، وعدد ضحايا 837، بين جريح وقتيل ومختطف، وهذا يثبت أن التنظيم قائم ولم ينتهِ عسكرياً وفكرياً، وما زال يهدد أمن العراق وإقليم كردستان، حتى على مستوى منطقة الشرق الأوسط والعالم"، وكشف عن "تشكيل ستّة مراكز للتنسيق على مستوى الضباط مع الجيش الاتحادي، أربعة في محافظتي ديالى وكركوك، وفي قضاء مخمور (جنوب شرقي نينوى) وفي الموصل. ونحن بصدد تشكيل لواءين مشتركين لنشرهما في الفراغ الأمني القائم بين خطي انتشار الجانبين من الحدود الإيرانية إلى نظيرتها السورية، حيث تصل مسافة بعض الفراغات إلى 40 كيلومتراً، ونأمل في أن نعزز هذا التنسيق لكونه يحدّ بشكل كبير من تحركات التنظيم".
وعن مدى قدرات "داعش" على مستوى العدة والعدد، شدد ياور على صعوبة "إعطاء بيانات دقيقة، فهو يعتمد على خلاياه النائمة في المناطق التي كان يسيطر عليها، لديه عناصر تكون مدنية في النهار، وتشن هجمات في الليل"، واستدرك "لكن بحسب التقديرات، فإن عدد العناصر الإرهابية ربما يترواح بين 2000 إلى 3 آلاف عنصر كتخمين، ولا يمكن إعطاء أرقام دقيقة لكوننا لا نخوض حرباً جبهوية لكي نعرف ما هو حجم العدو".
حواضن داعمة
ويتمتع التنظيم بـ"حواضن" جغرافية وسكانية، خصوصاً في المناطق المدرجة بما يُعرف بـ"الفراغ الأمني" الفاصل بين القوات الكردية والاتحادية في مناطق موضع الخلاف بين أربيل وبغداد، وتمتاز بتضاريسها المعقدة التي يغلب عليها الطابع الجبلي، وأبرزها منطقة حمرين وجبل قره جوخ في مخمور.
وأكد ياور امتلاك "داعش" لتلك الحواضن "في هذه المناطق، توجد قرى منتشرة، وما زال فيها من يحمل فكر هذا التنظيم الذي سيطر على مناطق واسعة لأربعة أعوام تقريباً". وحول طبيعة الدعم الذي يتلقّاه التنظيم، قال "لا يمكن تحديد الجهة الداعمة له، لكنه حتماً يتلقى دعماً من جهة ما على الرغم من الضربات الكبيرة التي استهدفته من التحالف الدولي، ويصعب توجيه الاتهام إلى طرف محدد. وغالباً فإن الخلافات السياسية بين القوى العراقية تسهم في إحياء نشاطه".
نقاط قوة التنظيم
ويربط عضو مجلس كركوك المنحل، أحد كبار شيوخ قبيلة العبيد العربية برهان مزهر العاصي، تصاعد نشاط "داعش" بالتوتر السياسي الذي تشهده البلاد واستغلاله كورقة. وقال في حديث خاص إن "يوماً بعد آخر، يتكشف أن تصعيد التنظيم لعملياته مرتبط بالوضع السياسي، بدعم من جهات لها مصالح في المنطقة، حتى إذا كانت داخلية فهي تمتثل لأوامر خارجية، وما يزيده قوة، هو تهميش هذه المناطق من النواحي الخدمية وإعادة النازحين"، لافتاً إلى أن "التنظيم أشبه ما يكون بشركة مساهمة، كل من يدفع أكثر يحصل على ما يريد، والأطماع واضحة ببلد يمتلك ثروات هائلة، والمسعى هو إبقاء العراق في وضع هش وضعيف، مما يصب في صالح البلدان الإقليمية والدولية".
وعن مدى أهمية التنسيق بين البيشمركة والجيش الاتحادي، قال إن "تصرفات سابقة للبيشمركة جعلت بعض السكان ينفر منها، وبات وجودها مرفوضاً من قبل المجتمع في الكثير من المناطق والمطالبة بعودتها غايتها سياسية وليست عسكرية والكل يعلم ذلك. وفي الواقع، هناك وجود أمني وعسكري اتحادي كثيف وقد يكون كافياً، لكن التنظيم يستخدم أسلوب العصابات ما يصعب مهمات كبحه، فهو ليس قوة نظامية يمتلك موقعاً محدداً، وهذا يتطلب إشراك السكان في حماية مناطقهم عبر التطوّع أو تشكيل حشد عشائري، وهذا سيدعم الجهود الاستخبارية والميدانية كما يوفر فرص عمل للشباب العاطلين من العمل الذين يعانون ظروفاً اقتصادية مزرية، وبعض المناطق هجرها أهلها بسبب سوء هذه الأوضاع، عدا ذلك تصعب السيطرة على داعش".
وكان انسحاب قوات البيشمركة من كركوك في 16 من أكتوبر عام 2017 عقب اجتياح القوات الاتحادية للمناطق المتنازع عليها، رداً على إجراء الأكراد استفتاء للانفصال خلّف فراغاً أمنياً، وأحدث مساحات مفتوحة بين الجيش والبيشمركة، ما منح مسلحي التنظيم سهولة الحركة لتنفيذ هجمات، وفق مراقبين أمنيين.
غياب الإرادة
ويلقي العاصي باللوم على "صناع القرار" في القوى السياسية المتصارعة على المصالح، ما يعطي "داعش" قوة إضافية، وقال "في الواقع، لا نجد أي حقد أو كراهية بين فئة وأخرى قومياً وإثنياً. عندما كنا نختلف في اجتماعات مجلس كركوك، وبعدها نخرج كأننا إخوة، وندرك أن لا أحد يستطيع أن يعيش من دون الآخر، لكن صانعي القرار هم منبع المشكلة إلى جانب المصالح السياسية التي تنتج مشكلات في شوارع كركوك، ومعلوم أن المحافظة غنية بالنفط وكل طرف يطمع بمكسب أكبر، حتى إن خريطة المنطقة منذ نشأة الدولة العراقية الحديثة عام 1920 تغيّرت بسبب كركوك واكتشاف النفط، ومؤكد أن ذلك انعكس على الخلافات على الصعيد المجتمعي، وهنا يفترض أن تترك إدارة الأمور السياسية بيد أبنائها".
ويرى العاصي أن "داعش يمتلك عناصر معدودة وليس بتلك القوة المزعومة، لكنه يقتنص الفرص المتاحة، وإذا كانت هناك رغبة وإرادة حقيقية، فإنه من السهولة القضاء عليه، وهو ليس بمستوى الخطورة الذي يتم الحديث عنه"، وشدد على أنه "من غير المعقول أن ترسيخ كل هذه الإمكانات العسكرية الضخمة للعراق والتحالف الدولي لم يستطِع إنهاءه أو حتى كبحه".