ملخص
مستقبل اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة عبر عنه المجلس الوطني الإيراني الأميركي في بيان تجاه نتائج الانتخابات الأخيرة، فبعد ساعات من إعلان فوز ترمب أصدر المجلس بياناً قال فيه "بما أن الرئيس المنتخب دونالد ترمب وضع نفسه في موقف المرشح المناهض للحرب في الشرق الأوسط الذي يفضل الدبلوماسية، فسنعمل على إلزامه بالوفاء بهذه الالتزامات تجاه الشعب الأميركي".
بعد أربع سنوات من النشاط قضاها اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة خلال فترة الرئيس الأميركي الديمقراطي جو بايدن، يتوقع مراقبون أن يتعرض نشاطه إلى الانكماش بعد عودة الرئيس الجمهوري دونالد ترمب للسلطة مجدداً بعدما فاز في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وتفوق فيها على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس.
واستطاعت طهران خلال حكم بايدن للبيت الأبيض استعادة اللوبي الإيراني بعد سنوات العزلة التي عاشتها أثناء ولاية ترمب الأولى (2017-2021)، فتخلت الإدارة الديمقراطية برئاسة بايدن ونائبته هاريس عن سياسة الضغوط ضد إيران التي فرضها ترمب، فغضت الطرف عن الحظر النفطي وعقدت مع طهران اتفاقات تبادل سجناء وحررت أموالاً إيرانية مجمدة في واشنطن.
وكشفت تقارير إعلامية أميركية وإيرانية عن اختراق اللوبي الإيراني لمعلومات سرية في واشنطن في السنوات الأربع الأخيرة، حتى أن صحيفة "طهران تايمز" كشفت عن تفاصيل تجميد وإقالة مبعوث بايدن إلى إيران روبرت مالي وتعيين بريت ماكغورك قبل وصول المعلومات إلى أعضاء الكونغرس، وهو ما حققت فيه الجهات الاستخبارية.
ويشكل المجلس الوطني الإيراني الأميركي (نياك) عصب اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة، وبحسب موقعه الإلكتروني فإنه إحدى منظمات المجتمع المدني غير الحكومية التي لا تهدف إلى الربح، وتأسس في 2002 من الناشطين تريتا بارسي وباباك طالبي ووفارين إيليتش لتعزيز المشاركة المدنية الإيرانية - الأميركية، كما يعتمد في تمويله على تبرعات الأفراد والمؤسسات الأميركية من دون تلقي دعم من حكومتي واشنطن وطهران، فيما يترأسه جمال عبدي منذ 2018.
دعم طهران
ويدعم اللوبي الإيراني سياسات طهران ويدافع عن النظام الإيراني، إذ ترتكز تحركات "نياك" على دعم السلطة في الدولة الفارسية من خلال التحركات في الأوساط السياسية الأميركية، ونشر في 2015 تأييده للاتفاق النووي الإيراني باعتباره أحد "انتصارات الضغط الكبرى".
وخلال فترة حكم الرئيس الديمقراطي باراك أوباما (2009-2017) توغل اللوبي الإيراني في الأوساط الجامعية، إذ قاد "نياك" حملة لتغيير سياسة الولايات المتحدة تجاه الطلاب الإيرانيين التي كانت تمنحهم تأشيرة واحدة فقط للدخول، ونجح المجلس في الحصول على اعتماد إدارة أوباما لمنحهم تأشيرات متعددة عام 2011.
ومنذ ذلك الحين يعقد المجلس الوطني الإيراني الأميركي مؤتمراً سنوياً يستهدف إعداد قادة قادرين على إدارة المواجهات السياسية، وتعليم الأميركيين الإيرانيين كيفية اكتساب مهارات التفاوض الدبلوماسي واستراتيجياتها وتكتيكاتها المختلفة، والقوة السياسية اللازمة لإحداث تغيير حقيقي في القضايا التي تهم طهران.
مستقبل اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة عبر عنه المجلس الوطني الإيراني الأميركي عقب نتائج الانتخابات الأخيرة، فبعد ساعات من إعلان فوز ترمب أصدر المجلس بياناً قال فيه "بما أن الرئيس المنتخب دونالد ترمب وضع نفسه في موقف المرشح المناهض للحرب في الشرق الأوسط الذي يفضل الدبلوماسية، فسنعمل على إلزامه بالوفاء بهذه الالتزامات تجاه الشعب الأميركي".
وبعد تداول أنباء في الأوساط الإعلامية الأميركية عن وجود اتصال بين وفد دبلوماسي إيراني وإيلون ماسك عقب اختيار ترمب له في فريقه الرئاسي لاستكشاف سبل خفض التصعيد، أصدر رئيس المجلس الوطني الإيراني الأميركي جمال عبدي بياناً تطرق فيه إلى اغتيال قاسمي سليماني أثناء ولاية ترمب الأولى، ومن قبله إلغاء الاتفاق النووي الذي كان سبباً في عدم مواصلة طهران العمل مع إدارة الرئيس الجمهوري.
وذكر البيان "لدى ترمب فرصة ضيقة لعكس الأخطاء التي جلبت الولايات المتحدة وإيران إلى شفا الحرب وطهران إلى شفا السلاح النووي"، داعياً واشنطن إلى تجنب الحرب لأن "المواجهات العسكرية والتخريب والاغتيالات لم تنجح في تحقيق مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران، ولكنها جلبت الفوضى وسفك الدماء إلى المنطقة، ولا يزال بوسع الرئيس المنتخب ترمب وقيادة إيران اختيار مسار مختلف"، وفق البيان.
الحضور وحدود التأثير
وتوقع الباحث في العلاقات الدولية ومؤلف كتاب "جماعات الضغط الإيرانية في أميركا: الجذور... الحضور وحدود التأثير" محمد محمود مهدي، أن يعود اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة لحال "السكون" بوصول الرئيس دونالد ترمب إلى سدة الحكم مرة أخرى، قائلاً إنه أمام "ما سجلته هذه الإدارة الأميركية في الفترة من 2017 إلى 2021 بعودة العلاقات الأميركية - الإيرانية لسياق واشنطن العام المتضاد مع طهران، حتى أصبحت نموذجاً فاق في عدائيته للنظام الإيراني غالبية الإدارات الأميركية السابقة، وذلك باتباعها سلوكاً كان الأكثر قوة تجاه طهران ووصل إلى مساحات في المواجهة لم تفعلها أية إدارات أميركية من قبل، يؤشر في مجمله إلى أن تتراجع إلى حد كبير قدرة قوى الضغط الإيراني على التأثير".
وأشار مهدي إلى "ارتفاع احتمالية استبعاد عناصر الضغط الإيراني، وكذلك مؤيدي الحوار مع طهران من مواقع صنع وصياغة السياسات، التي كانت حاضرة في عهد إدارة الرئيس جو بايدن"، لافتاً إلى أن البيت الأبيض شهد في العهد الديمقراطي صعوداً لعناصر من الأميركيين الإيرانيين في أروقته وعدد من العناصر المؤيدة للعمل الدبلوماسي والحوار مع نظام طهران منهم روبرت مالي الذي كان مبعوثاً إلى إيران، وهو المسؤول السابق في إدارة أوباما ولعب دوراً بارزاً في توقيع الاتفاق النووي، وأيضاً رامين طلوعي، الذي عين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الاقتصادية والتجارية.
وأوضح باحث العلاقات الدولية أن اللوبي الإيراني خلال السنوات الأربع المقبلة قد يدخل في مواجهات ترتبط أكثر بمدى صدقيته أمام مجتمع الأميركيين الإيرانيين، وأخرى ترتبط بالمشاركة في كيفية تكوين رأي عام معارض لسياسات الرئيس ترمب سواء تلك المتعلقة بإيران أم المتعلقة بإجراءات التضييق المحتمل على الأميركيين من أصل إيراني، أو بالأحرى مزدوجي الجنسية الأميركية - الإيرانية الذين كانوا ضمن العناصر التي شملتهم إدارة ترمب بالحظر في فترتها الأولى.
وأكد مهدي أن الثابت هو بقاء المؤسسات المجتمعية التي تمثل مرتكزات للوبي الإيراني في أميركا على كامل قوتها وإمكاناتها، كالمؤسسات السياسية والاقتصادية والبحثية والإعلامية، التي يمارس من خلالها اللوبي نشاطه ودوره، فكلها قائمة بكامل إمكاناتها وكوادرها، وبالتالي حتى مع ترجيح فرضية عدم وجود دور مؤثر للوبي الإيراني كما كان الحال في فترة الرئيس جو بايدن، إلا أنه لن يتوقف عن ممارسة أدواره وإصدار البيانات والعرائض التي ظلت طوال فترة ترمب الأولى تطالب بالتراجع عن سياساته ورفع العقوبات عن إيران وعدم توجيه ضربات عسكرية وتدعوه إلى الحوار مع طهران، وفق قول الباحث.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نفوذ اللوبي الإيراني لم يعد قاصراً على ممارسة الضغط وتوجيه الحملات السياسية، بل وصل إلى المشاركة في الانتخابات الأميركية الأخيرة، فبينما كان الجميع في انتظار الفائز من بين دونالد ترمب وكامالا هاريس، كان هناك سباق من نوع آخر خاضته جماعات الضغط الإيرانية يتمثل في المشاركة الفعلية على مواقع تنفيذية وتشريعية في الانتخابات العامة للوصول إلى الكونغرس، وأسفرت عن فوز خمس سيدات من أصل إيراني بمواقع مختلفة، وأعلن "نياك" عبر موقعه الإلكتروني دعمه لهن.
وفي انتخابات الكونغرس فازت عضو مجلس النواب ياسمين أنصاري بمنصب نائب عمدة فينيكس، وهي عاصمة ولاية أريزونا، وأعيد انتخاب ستيفاني بايس لمجلس النواب للدائرة الخامسة عن ولاية أوكلاهوما، وكذلك داريا فاريفار عن الدائرة الـ46 للعاصمة واشنطن، وآنا إسكاماني عن الدائرة الـ42 لولاية فلوريد، إضافة إلى يارا زوكاي ممثلة الدائرة 52 في ولاية كولورادو، وذلك بخلاف ميترا جلالي التي أعيد انتخابها كعضو مجلس مدينة عن الدائرة الرابعة في سانت بول بولاية مينيسوتا.
برامج سياسية إيرانية
من جهته يرى الباحث السياسي المتخصص في الشأن الإيراني محمد شعت أن جماعات الضغط الإيرانية "اللوبيات" تمثل أحد أهم أدوات النظام الإيراني في واشنطن لتنفيذ أجندات طهران، وفي مقدماتها التأثير في نتائج الانتخابات الأميركية، ومحاولة إبعاد وصول من يمثل عقبة في طريق المشروع الإيراني أو إضعافه.
وتابع شعت "تمثل حزم العقوبات القصوى التي فرضها دونالد ترمب في فترته الأولى بين عام 2016 و2020 والانسحاب من الاتفاق النووي في عام 2018 أسباباً كافية لعدم رغبة النظام الإيراني في عودة الرئيس الجمهوري مرة أخرى للبيت الأبيض، خصوصاً إذا كان المنافس المنسحب جو بايدن ونائبته التي استكملت السباق كامالا هاريس اعتمدا مبدأ الدبلوماسية ومنحا النظام قبلة الحياة وأفرجا عن جزء من الأموال المجمدة".
وأشار الباحث السياسي إلى أن التحرك من جانب اللوبي الإيراني ضد دونالد ترمب كان مبكراً حتى أثناء فترته الأولى، إذ أصدر المجلس الوطني الأميركي "نياك" بياناً يدين فيه الإجراءات التي يتخذها الرئيس ترمب ضد إيران، والعواقب السلبية التي سببها انسحابه من الاتفاق النووي، وفي وقت كان يواجه فيه الرئيس الجمهوري انتقادات داخلية في بعض وسائل الإعلام الأميركية كان يقف وراء بعضها اللوبي الإيراني.
وقال شعت "بلغة المصالح فإن الإدارات الديمقراطية كانت تمثل النظام الأميركي الأمثل للنظام الإيراني، وقدرة جماعات الضغط على تحقيق اختراقات في السياسة الأميركية وصلت إلى إبرام الاتفاق النووي في عهد باراك أوباما، وفي عهد بايدن انتقلت السياسة الأميركية من الضغوط القصوى إلى الدبلوماسية وإعادة التفاوض لإحياء الاتفاق النووي الذي كان من الممكن إعادته لولا شراسة الجمهوريين في المعارضة وتمسك إيران بتحقيق أقصى مكاسب ممكنة".
وتأسيساً على ذلك فإن السنوات الأربع المقبلة تمثل كابوساً للوبي الإيراني في واشنطن، خصوصاً في ظل العلاقات المتوترة سلفاً بين إيران والرئيس الجمهوري المنتخب، في ظل المحاولات الإيرانية لعرقلة وصوله إلى البيت الأبيض، بل ووصل الأمر إلى توجيه اتهامات من الولايات المتحدة لإيران بمحاولة اغتيال ترمب، وفق الباحث السياسي.
وأوضح شعت أنه على رغم "إصدار وزارة الخارجية الإيرانية بياناً لنفي علاقتها بمحاولة الاغتيال المزعومة، إلا أنه ليس من المستبعد أن يتخذ ترمب من هذه الاتهامات ذريعة لتقويض نفوذ جماعات الضغط الإيرانية في واشنطن، باعتبار أن وجودها أصبح يمثل خطراً كبيراً يصل إلى محاولات اغتيال رأس الدولة، وهو المبرر الذي قد يكون له وجاهته لسحق هذه الجماعات".
تبادل الانقضاض
ونوه الباحث السياسي بقدرة ترمب على الانقضاض على جماعات الضغط الإيرانية، موضحاً أن ما يعزز ذلك "الحالة التي تعانيها إيران في الوقت الراهن والضربات المتلاحقة التي تعانيها سواء في الداخل أم الدائرة القريبة منها، وهو ما سينعكس بطبيعة الحال على حجم الدعم الموجه لهذه الجماعات، وسعي النظام الإيراني إلى ترتيب أولوياته بتأمين الدوائر القريبة في محيطه وإطفاء الحرائق التي تقترب من المركز بصورة غير مسبوقة".
لكن شعت أكد أن الأمر يتوقف على مدى قدرة طهران على امتصاص الضغوط التي ستواجهها، خصوصاً أن وصول الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان إلى منصب الرئاسة ربما يكون خطوة في هذا الاتجاه واستعداداً مسبقاً لهذا السيناريو، بتصدير الجناح الأكثر قدرة على التعامل مع الغرب.
وتوقع الباحث السياسي أن يكثف اللوبي الإيراني في واشنطن جهوده لتفادي هذه المرحلة، مشيراً إلى أنه "قد يلجأ في سبيل ذلك إلى استثمار علاقته الوثيقة بالديمقراطيين، والقدرة على توظيف الخلافات بين الديمقراطيين وإدارة ترمب، وهي خلافات يمكن استثمارها بعدما أظهرت الدورتين السابقتين في الانتخابات الأميركية حجمها وإمكان الاستفادة منها"، مؤكداً أنه "في كل الأحوال فإن نفوذ هذه الجماعات لن يكون مثلما كان في عهد الديمقراطيين وسيتراجع إلى حد كبير ربما لدرجة تصل إلى حد السكون إلى أن تمر العاصفة".
وكتبت الصحافية في "اندبندنت فارسية" آزاده افتخاري عن جماعات الضغط الإيرانية في الولايات المتحدة، متوقعة أن "يستأنف اللوبي الإعلامي والجامعي والسياسي الإيراني في أميركا نشاطه بواسطة أعضاء جدد، لكن سياسته لن يطرأ عليها أي تغيير لأنها مبنية على سياسة قديمة تسعى إلى حفظ النظام".
وقالت افتخاري إن "هذه السياسة التزمتها جميع بيادر اللوبي الإيراني خلال الأعوام الـ40 الماضية وفي نهاية المطاف احترقت جميع هذه البيادر"، مشيرة إلى أن ما مر به لوبي "النظام الإيراني في واشنطن من تراجع نسبي خلال العامين الأخيرين يرجع إلى عراقيل طهران بسبب حسابات داخلية وإقليمية ودولية بعد الاحتجاجات ضد النظام والتدهور الاقتصادي الذي تعانيه البلاد"، وفقاً لصحيفة "اندبندنت فارسية".