في تحول هو الأول من نوعه منذ إعلان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حالة الطوارئ وإلغاء الشراكة مع المكوّن المدني، خرج آلاف السودانيين اليوم الثلاثاء 30 نوفمبر (تشرين الثاني)، في العاصمة الخرطوم في مواكب هادرة باتجاه القصر الجمهوري، تعبيراً عن رفضهم الاتفاق السياسي الذي وقِّع بين البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك في 21 نوفمبر، وذلك استجابةً لدعوة تنسيقيات لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين، لكن هذه المواكب قوبلت بإطلاق الغاز المسيل للدموع وقنابل صوتية من قبل قوات الشرطة السودانية لمنعها من الوصول إلى القصر الجمهوري، ما أدى إلى سقوط جرحى لم يتم حصرهم حسب شهود عيان.
وأفاد التلفزيون الرسمي في وقت متأخر الثلاثاء بأن الشرطة قالت إن هناك بعض حالات الاختناق من الغاز المسيل للدموع وإصابات بسبب الازدحام.
وأضافت أن بعض المتظاهرين حاولوا عبور الحواجز الأمنية، وجرى اعتقال 44 شخصاً بينهم 18 من الأحداث أعيدوا إلى عائلاتهم.
وزراء في الشارع
وتقدم وزراء في الحكومة السابقة عقب خروجهم من المعتقل، وقياديون في الأحزاب الرافضة اتفاق البرهان - حمدوك، مواكب "مليونية 30 نوفمبر"، التي جاءت من مدن العاصمة المثلثة (الخرطوم، والخرطوم بحري، وأم درمان) لتلتقي وسط الخرطوم، مطالِبةً بإبعاد المكوّن العسكري من الحكم، وتسليم السلطة إلى المدنيين بالكامل. وردد المتظاهرون الذين حملوا الأعلام الوطنية واللافتات، شعارات تندد بما قالوا إنه انقلاب عسكري وبالاتفاق السياسي الموقَّع بين البرهان وحمدوك، فضلاً عن الهتافات الخاصة بالثورة "الثورة ثورة شعب والسلطة سلطة شعب والعسكر للثكنات، والشعب أقوى أقوى والردة مستحيلة".
وفي التوقيت ذاته، خرج آلاف المتظاهرين في مدن سودانية أخرى عدة منها عطبرة، وكسلا، وبورتسودان، ومدني، والمناقل، رفضاً للحكم العسكري والاتفاق السياسي.
حمدوك يطمئن المتظاهرين
وفيما حذرت القوى السياسية من استخدام العنف ضد المحتجين السلميين، طمأن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك عشية المظاهرات (أمس الاثنين)، السودانيين بتأكيد حرصه على خلق مناخ لا يسمح باعتقال أحد أو ضرب متظاهر، مشيراً في تغريدة له عبر الصفحة الرسمية لمكتب رئيس الوزراء على "فيسبوك"، إلى أن "الديمقراطية هي الشيء الوحيد الذي لا يمكن تعلمه خارج ممارسته".
وتابع حمدوك، "لأجل ذلك نحن حريصون على الاتفاق السياسي، وعلى لجان المقاومة وكل القوى الثورية، في أن نمضي في وجهة خلق مناخ لا يسمح باعتقال أحد تحفظاً ولا يسمح بضرب المتظاهرين". وزاد، "حق التظاهر لم يمنحنا إياه أحد، وقد انتزعه شعبنا عبر عشرات السنين بنضاله، والتحدي الأساسي للاتفاق السياسي أن يُنفَّذ".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحذير من العنف
من جهتها، شددت "قوى إعلان الحرية والتغيير"، الحاضنة السياسية السابقة للحكومة الانتقالية، على عدم التعرض للمتظاهرين في مواكب 30 نوفمبر في الخرطوم والولايات. وقالت في بيان، "إننا ندعم ونؤيد مطالب شعبنا وسنكون في مقدمة صفوف مواكب الثلاثاء". وأضافت، "نحذر سلطات الانقلاب من التعرض للثائرات والثوار السلميين الأحرار، فحرية التظاهر والتعبير حق مكفول بالقانون"، لافتاً إلى أن "مواكب 30 نوفمبر في العاصمة والولايات تتوشح بالسلمية وأهداف استعادة مسار الانتقال المدني الديمقراطي ومحاسبة الانقلابيين".
كما دعا كل من "حزب الأمة القومي"، و"المؤتمر السوداني"، و"الحزب الشيوعي السوداني"، المناصرين وجماهير الشعب السوداني إلى المشاركة الواسعة في تظاهرات الثلاثاء، وتوسيع المقاومة الشعبية بمختلف الأشكال وتتويجها في أوسع حراك جماهيري بالإضراب العام والعصيان المدني لإسقاط الانقلاب وانتزاع الحكم المدني الديمقراطي.
سادس مليونية
وهذه التظاهرات العريضة هي السادسة منذ إعلان قرارات 25 أكتوبر، والثانية منذ توقيع الاتفاق الثنائي بين البرهان وحمدوك، الذي منذ توقيعه لم تشهد التظاهرات السلمية استخدام عنف مفرط كما شهدته التظاهرات الأربع الأولى. فضلاً عن أنها تأتي في ظل تغييرات كبيرة طالت الجيش والأجهزة الأمنية والشرطة، حيث تم إعفاء مدير الاستخبارات العسكرية في الجيش ياسر عثمان، ومدير جهاز الأمن جمال عبد المجيد من مهماتهما، وجرى تعيين بدلاً منهما، اللواء محمد صبير مديراً لجهاز الاستخبارات العسكرية، والفريق أحمد المفضل مديراً لجهاز الأمن والمخابرات، إلى جانب إعفاء مدير الشرطة الفريق أول خالد مهدي إبراهيم الإمام ونائبه الصادق علي إبراهيم، وتعيين بدلاً منهما، كل من فريق شرطة حقوقي عنان حامد محمد عمر مديراً عاماً للشرطة، ولواء شرطة مدثر عبد الرحمن نصر الدين عبد الله نائباً له ومفتشاً عاماً.
إبعاد العسكر
وتباينت آراء المراقبين والسياسيين عن مدى واقعية مطلب المحتجين بإبعاد العسكريين نهائياً من السلطة، وإمكانية تحقيق ذلك من خلال الحراك السلمي المتواصل، فبينما يرى مؤيدو الاحتجاجات الشعبية بأنه قد لا تتحقق مطالب الشارع وشعاراته المرفوعة في غضون أيام معدودة، نظراً إلى انعدام توازن القوة، فضلاً عن التعقيدات الدولية والإقليمية، وطبيعة الحكومة حالياً، لكن التجربة السودانية المتراكمة في عملية الحراك الثوري تؤكد أن الشارع أقوى ويستطيع تحقيق مطالبه مع الوقت.
في المقابل، أشار داعمو قرارات 25 أكتوبر إلى أن الأحزاب السودانية التي فقدت السلطة في الفترة الماضية أصبحت تتعامل برد الفعل، فليس لديها خيار أو بطاقة ضغط تمارسها غير التمسك بمسألة التعبئة والتظاهرات في الشارع، وهي وسيلة وليست غاية، في ظل رفع شعار اللاءات الثلاث في وجه العسكر "لا شراكة، لا تفاوض، لا شرعية"، بالتالي يبقى الفعل السياسي ناقصاً ولن يكون هناك حصاد للمجهود الذي يُبذل.