ناقشت قمة وزراء خارجية الدول السبع الصناعية الكبرى بحضور رابطة آسيان للمرة الأولى مع أستراليا وكوريا الجنوبية والهند وجنوب أفريقيا، ملفات متعلقة بالمنطقة الآسيوية، فيما عبرت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس عن مخاوف المجموعة من السياسات الاقتصادية "القسرية" للصين، في إشارة إلى دبلوماسية القروض التي تنتهجها بكين مع عدد من دول العالم النامية. وتضمن البيان الختامي انتقاداً للحكومة الصينية في مجالات حقوق الإنسان، وملف هونغ كونغ والتوترات مع تايوان. وأكد وزراء خارجية الدول السبع مع نظرائهم المستضافين في بيان مشترك، على أهمية الحفاظ على منطقة المحيط الهادئ والهندي "حرة ومنفتحة"، في تلميح إلى التوسع الصيني المتنامي في البحر الجنوبي.
في المقابل، عارضت بكين اليوم الاثنين 13 ديسمبر (كانون الأول)، بشدة محاولات مجموعة السبع للتدخل في شؤونها الداخلية، وتشويه صورتها والإضرار بمصالحها. وحضت الصين، الولايات المتحدة وبريطانيا على نبذ عقلية الحرب الباردة، وممارسة التعددية الحقيقية بدلاً من تقسيم العالم.
ما قبل القمة
وعلى الرغم من تأكيد الولايات المتحدة في رسائلها المتكررة لدول "آسيان"، على عدم تخييرها بين الوقوف في الجانب الأميركي أو الصيني، كما جاء على لسان نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس في زيارتها الأخيرة التي شملت سنغافورة وفييتنام، لكن بعض التحركات والاتفاقات والتحالفات الأميركية الجديدة في المنطقة لا تعكس الرسالة ذاتها. إذ أعلنت واشنطن أخيراً عن تقييد بيع الأسلحة والمعدات العسكرية إلى كمبوديا، المعروفة بميلها الشديد إلى الجانب الصيني وروابطها السياسية والاقتصادية مع بكين. وأعقب ذلك التقيد، رد فعل كمبودي، فأمر رئيس الوزراء الكمبودي القوات المسلحة بإجراء مراجعة فورية للأسلحة والمعدات العسكرية الأميركية التي تمتلكها كمبوديا وتخزينها أو تدميرها.
علاوةً على ذلك، فإن التحالف الأخير الذي كونته الولايات المتحدة مع أستراليا والمملكة المتحدة، المعروف بـ"أوكوس"، يضع المنطقة على صفيح ساخن، ويجبر دول المنطقة على اختيار موقف من التحالف الذي ترفضه الصين، وتتهم أطرافه باعتماد عقلية الحرب الباردة.
كذلك فإن الزيارات المتتالية من قبل الإدارة الأميركية للمنطقة، التي كان آخرها زيارة وزير التجارة الأميركي إلى ماليزيا وسنغافورة، والزيارة الحالية لوزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى إندونيسيا وماليزيا وتايلاند التي تظهر اهتمام واشنطن الحثيث بالمنطقة، بخاصة مع تنامي أهمية منطقة المحيط الهادئ والهندي عالمياً واستقطاب المنطقة لأطراف دولية عدة.
الاستراتيجية البريطانية الجديدة
السياسة الجديدة للمملكة المتحدة التي أولت منطقة الأرخبيل ومحيطاته أهمية بالغة، واتجهت نحو الشرق الآسيوي بالتزامن مع خروجها من الاتحاد الأوروبي لإعادة دورها كدولة كبرى ذات صبغة عالمية، جعلت بوريس جونسون يستدعي حكومته لمراجعة عديد من سياسات الدفاع والأمن والخارجية. وفي محاولة للتأثير على منطقة المحيط الهندي-الهادئ، أطلقت المملكة المتحدة على المنطقة اسم "المركز الجيوسياسي للعالم المتزايد" ووصفتها بـ "المنطقة الحيوية" للمصالح البريطانية.
كما أطلقت بريطانيا هذا العام استراتيجية جديدة أكدت فيها على رغبتها في أن تصبح "وسيطاً" سياسياً عالمياً. كما تعمل على تقوية انخراطها في منطقة المحيط الهادئ والهندي، كما تهدف لندن إلى تحقيق أكبر وجود أوروبي في المنطقة، وإقامة علاقات أقوى مما كانت عليه مع كوريا الجنوبية ودول إقليمية أخرى وإندونيسيا وفييتنام وماليزيا وسنغافورة.
وتفسَّر دعوة رابطة آسيان للمرة الأولى للمشاركة في قمة وزراء الخارجية للدول السبع الصناعية التي استضافتها بريطانيا، على أنها تطبيق للاستراتيجية الجديدة التي أعلنت عنها لندن سلفاً. وناقشت القمة قضايا عالمية كالتعافي الاقتصادي بعد أزمة جائحة كورونا والصحة العالمية وحقوق الإنسان إلى جانب المخاوف الغربية من تنامي النفوذ الصيني، فيما يرى مراقبون أن دعوة التكتل الآسيوي تهدف إلى كسب دعمهم لاتفاقية "أوكوس" الجديدة.
وذكرت وزارة الخارجية أن الدعوة تؤكد على السياسة التي بدأت بريطانيا في انتهاجها منذ الربع الأول من العام، وهي التحول وتنامي الاهتمام بمنطقة المحيط الهادئ والهندي. وتوقع باحثون أن يكون المحور الأهم في القمة التي تجمع للمرة الأولى بين دول منطقة جنوب شرقي آسيا ودول السبع، هو التحالف الأمني التقني الثلاثي الجديد "أوكوس" وموقف دول المنطقة منه.
آسيان ودول السبع
وتجمع "آسيان" علاقات جيدة للغاية مع الدول السبع الصناعية، إذ سبقت القمة اجتماعات بين الرابطة ودول المجموعة بشكل منفصل. وترتبط "آسيان" بشراكة حوار مع أربع دول من الدول السبع الصناعية، وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وكندا، أما الدول الثلاث الباقية، أي فرنسا وألمانيا وإيطاليا، فترتبط بعلاقة شراكة تنمية مع تكتل آسيان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتسمح صفة "الشريك الحواري" في "آسيان" بالتعاون في القضايا السياسية والأمنية والإقليمية والمصالح الاقتصادية والتعاون في مجالات الجرائم العابرة للحدود ومكافحة الإرهاب وغيرها من المجالات الأخرى.
وكانت كندا على سبيل المثال شريكاً حوارياً للكتلة الإقليمية منذ عام 1977، وبحسب بيانات الحكومة الكندية، فإن حجم التجارة والاستثمار بين الجانبين كان توسعاً في المجال الاقتصادي أخيراً في عدد من القطاعات كالنفط والغاز الطبيعي والتعدين والتكنولوجيا المتقدمة. كما تولي كندا أهمية خاصة للمنطقة باعتبارها من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، وفي عام 2009 عينت سفيراً خاصاً للتكتل، لتبني الإعلان المشترك للشراكة المحسنة بين آسيان وكندا. كما تُعَد آسيان الشريك التجاري السادس لكندا. وفي منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عقدت كندا وآسيان القمة السنوية، التي ركزت على العلاقات الاقتصادية بين الجانبين والتعافي الاقتصادي من أزمة "كوفيد-19".
كما عُقدت قمة آسيان-اليابان، الرابعة والعشرين، جرى فيها التشديد على التعاون والصداقة بين الجانبين والتأكيد على الالتزام بتقوية الشراكة الاستراتيجية بينهما. وتلتها قمة آسيان-الولايات المتحدة التي عُقدت اجتماعاتها الثنائية برئاسة الرئيس الأميركي جو بايدن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
أما قمة وزراء خارجية السبع الصناعية مع آسيان فعُقِدَت لأول مرة بحضور بروناي والفيليبين، فيما انضمت باقي دول آسيان افتراضياً بسبب تفشي متغير "أوميكرون".
وأسفر الاجتماع عن بيان ختامي تعرض للصين وممارساتها في المنطقة، كما أكد على الالتزام بالحفاظ على منطقة المحيط الهادئ والهندي "حرة ومنفتحة". ورداً على البيان الختامي، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين، الاثنين 13 ديسمبر، معارضة بلاده بشدة محاولات مجموعة السبع التدخل في الشؤون الداخلية للصين، وتشويه صورتها والإضرار بمصالحها. وحض الولايات المتحدة وبريطانيا على نبذ عقلية الحرب الباردة، وممارسة التعددية الحقيقية بدل تقسيم العالم.
الصين الجار والشريك
وتمثل الصين الدولة الأكثر انخراطاً مع تكتل الرابطة الآسيوية الإقليمي، إذ يجمعها بـ"آسيان" علاقات خاصة بحكم الموقع الجغرافي أولاً، والروابط الاقتصادية ثانياً. وتشير التقديرات إلى تضاعف حجم التجارة بين كتلة آسيان والصين لأكثر من 85 ضعفاً منذ أن بدأ الجانبان في علاقاتهم كشركاء حواريين في عام 1991، حيث تُعَد الصين الشريك التجاري الأكبر لآسيان منذ أكثر من عقد. وأصبحت "آسيان" العام الماضي الشريك التجاري الأضخم للصين، حيث قفزت نسبة التبادل التجاري بين الجانبين لحوالى 38 في المئة عن العام الماضي، وبلغ الاستثمار المشترك ما يزيد على 310 مليارات دولار.
وفي القمة الثنائية الأخيرة التي تحتفل بمرور 30 سنة على الحوار بين آسيان والصين، لفت الرئيس الصيني إلى استعداد بلاده لاستيراد منتجات أكثر جودة من الإقليم، وتعهد بمنح 1.5 مليار دولار من المساعدات التنموية في السنوات الثلاث المقبلة لدعم الرابطة في حربها ضد فيروس كورونا والتعافي الاقتصادي، ما يؤكد التزام الصين التعاون مع دول الإقليم وعدم تنازلها عن دورها في المنطقة.
لكن دولاً في المنطقة انخرطت في نزاعات مع بكين بشأن بحر الصين الجنوبي وجزره، حيث تتنازع على تلك الجزر الصين وأربع دول من آسيان، وهي إندونيسيا والفيليبين وماليزيا وفييتنام. فيما تسعى دول آسيان في كثير من الأحيان إلى الابتعاد عن الخيار العسكري في حل ذلك النزاع، مفضلةً الطرق الدبلوماسية للوصول إلى حل معضلة بحر الصين الجنوبي.
وبالنظر إلى طبيعة العلاقات المتشعبة بين آسيان والصين، أصبح من الصعب على دول "آسيان" الانسلاخ بشكل كامل عن بكين والانحياز إلى الغرب والولايات المتحدة، مع محاولة الموازنة في علاقاتها مع الجانب الغربي، مفضلةً الحوار السلمي حول النزاع وإن طال أمده، وهو ما بيّنه تصريح رئيس الوزراء الماليزي، داتوك سيري إسماعيل صبري يعقوب، الذي يحمل وجهة نظر معظم دول الرابطة بأن ماليزيا، بصفتها نصيراً قوياً للتعددية، فهي ملتزمة حل النزاعات من خلال الحوار السلمي والبناء.