على الرغم من تصاعد المعارضة الداخلية في تونس ضد إجراءات الرئيس قيس سعيد، إلا أن تشتتها وانقسامها لا يمنحها القوة الكافية لدفعه للتراجع عن تعليق عمل البرلمان والعودة إلى "مسار الانتقال الديمقراطي".
وقد علق سعيد عمل البرلمان وأقال الحكومة قبل نحو خمسة أشهر، وبدأ العمل بمراسيم رئاسية، في خطوة وصفها خصومه بأنها "انقلاب على الديمقراطية الناشئة في البلاد".
ودفعت تلك الأحداث بالديمقراطية التونسية الناشئة إلى أكبر أزمة منذ انتفاضة 2011، التي أنهت الحكم الذي يصفه المنتفضون بـ"الاستبدادي"، على الرغم من تعهد سعيد بالتمسك بالحريات المكتسبة منذ نحو عشر سنوات.
تشتت الأحزاب
وعلى الرغم من تزايد مطالبة المعارضة بضرورة العودة للدستور، فإن تشتت الأحزاب وانقسام النخبة السياسية بسبب الخلافات الأيديولوجية والسياسية جعل تحركاتها من دون فاعلية، وجعلها عاجزة عن وقف تقدم سعيد صوب مشروعه السياسي الذي يهدف إلى تغيير دستور 2014.
وبدا مشهد الانقسام واضحاً عندما خرج معارضو إجراءات سعيد في ذكرى اندلاع الانتفاضة على نظام الرئيس زين العابدين بن علي يوم 17 ديسمبر (كانون الأول).
فبينما احتشد بضعة آلاف من المحتجين بقيادة حراك (مواطنون ضد الانقلاب) الذي يشارك فيه معارضون مستقلون ونشطاء وأنصار "حركة النهضة" الإسلامية، اختارت جبهة معارضة ثانية الاحتجاج في مكان آخر في شارع الحبيب بورقيبة وسط تونس العاصمة.
وقررت تنسيقية الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية التي تضم (التيار الديمقراطي والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات والحزب الجمهوري) تنظيم وقفة احتجاجية منفصلة قبل أن تنسحب بدعوى أن قوات الأمن منعتها من الوصول إلى شارع الحبيب بورقيبة.
وترفض أحزاب عدة من بينها "تنسيقية الجبهة الديمقراطية"، التنسيق مع حزب "حركة النهضة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"واقع سياسي جديد"
ويقول المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي "ما يلاحظ بأن المعارضين لقيس سعيد والرافضين للإجراءات التي أعلنها يتسعون ويتعددون من حيث الاتجاهات والمواقع وتتسع رقعتهم، لكن ما تزال فسيفساء هذه المعارضة تعاني من التشتت".
وأضاف لوكالة "رويترز"، "لا شك أن العامل الأيديولوجي يلعب إلى حد الآن دوراً سلبياً في تكوين كتلة سياسية واسعة ضد رئيس الجمهورية".
لكن الجورشي يرى أن نبرة الخلاف السياسي والأيديولوجي بدأت تتراجع في الفترة الأخيرة.
وبرر ذلك قائلاً "نلاحظ أن النشطاء السياسيين الذين قرروا الدخول في إضراب عن الطعام متنوعون في مستوى انتماءاتهم ومساراتهم السياسية".
وبدأ نشطاء سياسيون من ألوان سياسية مختلفة إضراباً عن الطعام، احتجاجاً على ما وصفوه "بالحكم الفردي الذي يدفع بآلة القمع ومؤسسات الدولة لإخماد كل أصوات معارضة".
وقال الجورشي "في الفترة الأخيرة بدأ التفكير في ضرورة أن تلتقي هذه الأطراف والأحزاب والشخصيات حول رؤية مشتركة لإحداث تغيير نوعي في مستوى موازين القوى السياسية".
وأردف قائلاً "هناك تفكير نحو تجاوز الحاجز الأيديولوجي لمعظم الأطراف وبناء جبهة معارضة قوية".
دعوة لتوحيد الصفوف
وبدأت بالفعل أصوات تدعو لتجاوز الخلافات وتوحيد الجهود للوقوف ضد ما وصفوه بـ"انقلاب قيس سعيد على المسار الديمقراطي".
وكتب الرئيس التونسي السابق محمد منصف المرزوقي على "فيسبوك"، "يجب على الطبقة السياسية أن تتوحد لأن اليوم هناك خطراً وراء خطر".
وأضاف "يجب أن تتوحد القوى السياسية على أساس أنه لا يوجد بديل غير العودة للشرعية وتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية سابقة لأوانها في ظل الدستور والشرعية".
وكان المرزوقي، المقيم في باريس، قد انتقد بشدة خطوات سعيد ووصفها بأنها "انقلاب"، ودعا إلى احتجاجات ضده، كما دعا إلى نقل مؤتمر دولي كبير للدول الناطقة بالفرنسية من تونس.
"وضع سياسي جديد"
وفي الأسبوع الماضي، قضت محكمة تونسية غيابياً بسجن المرزوقي لمدة أربع سنوات، بعدما أدانته بتهمة "التآمر على أمن الدولة الخارجي".
وينفي سعيد الانقلاب على الدستور، ويقول إن الإجراءات التي اتخذها كانت ضرورية لإنهاء الشلل الحكومي بعد سنوات من الخلافات السياسية والركود الاقتصادي، ووعد بدعم الحقوق والحريات التي تحققت في انتفاضة 2011 التي جلبت الديمقراطية.
وقال الجورشي "أعتقد أن الرئيس سيبقى متمسكاً بمواقفه مهما كانت حدة المعارضة، لكن إذا اتفقت هذه المعارضة وشكلت نوعاً من أنواع الجبهة السياسية لحماية المسار الديمقراطي وحماية الدستور، فإن وضعاً سياسياً جديداً ستفرزه هذه التطورات".
وأضاف "عندها سيجد الرئيس نفسه معزولاً أكثر من أي فترة مضت، وربما تكون إيقاعات هذه الجبهة مؤثرة على التغييرات التي يمكن أن تحصل في الخط السياسي لرئيس الجمهورية".
وأعلن سعيد جدولاً زمنياً للخروج من الوضع الاستثنائي بتنظيم استفتاء بشأن تعديل الدستور وإجراء انتخابات تشريعية، لكن معارضيه يعتبرونها خطوة في مسار إحكام قبضته على السلطة.