كشفت دراسة بحثية حديثة أنه حتى قبل ظهور الجائحة الصحية التي يعانيها العالم في الوقت الحالي، واجهت الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات بالفعل بعضاً من أكبر التحديات بين اقتصادات العالم. مشيرة إلى أن مستويات العنف العالمية بلغت أعلى مستوياتها منذ 30 عاماً، وشرد أكثر من 80 مليون شخص قسراً، قبل اكتشاف كورونا.
وأشارت الدراسة، التي أعدها صندوق النقد الدولي، إلى أنه في الوقت الحالي يشكل الوباء المستمر خطراً كبيراً، يتمثل في أن الاختلاف بين هذه البلدان وبقية العالم سوف يتسع ويستمر. مؤكدة أن الجائحة تسببت في تفاقم تباين الدخل بين هذه الاقتصادات وبقية العالم.
وتظهر توقعات صندوق النقد الدولي، أن دخل الفرد في الدول الهشة "لن يتعافى" ليقترب من مستوياته لعام 2019 حتى عام 2024. وبحلول ذلك الوقت، من المقرر أن تظل الفجوة مع اتجاهات الدخل الفردي قبل الأزمة أكبر بالنسبة للهجرة والكهرباء والسكان، مقارنة بالدول الأخرى.
ووفق صندوق النقد الدولي، فقد يكون من الصعب عكس هذه الآفاق القاتمة، لأن الهشاشة والصراع يتفاعلان مع (وغالباً ما يتفاقمان) الاتجاهات العالمية، مثل تغير المناخ، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وعدم المساواة بين الجنسين.
تفاوت كبير في مستويات الدخل
كان البنك الدولي كشف في تقرير سابق، أنه كان لكورونا تأثير غير متناسب على الفئات الفقيرة والأشد احتياجاً في عام 2021، من تفاوت مسارات التعافي الاقتصادي إلى عدم تكافؤ فرص الحصول على اللقاحات، ومن اتساع خسائر الدخل إلى التفاوت في التعلم. إذ تتسبب الجائحة في انتكاسات مسار التنمية، والجهود الرامية إلى إنهاء الفقر المدقع، والحد من عدم المساواة.
كما أدت إلى ارتفاع معدل الفقر المدقع في عام 2020 للمرة الأولى منذ أكثر من 20 عاماً، إذ يعيش الآن نحو 100 مليون شخص آخـر على أقل من 1.90 دولار للفرد في اليوم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبخلاف أزمات التضخم وسلاسل التوريد والطاقة، فقد سلط البنك الدولي، الضوء على مخاطر أخرى منها عدم تكافؤ الفرص في الحصول على اللقاحات، وتفاوت مسارات التعافي من الجائحة.
ويضاف إلى ذلك، الخسائر العنيفة في دخول الأفراد والأسر، وموجة الركود التي ضربت حركة التجارة العالمية، مع دخول عديد من اقتصادات العالم في أزمات ديون ضخمة، وأيضاً زيادة غير مسبوقة في التخلف عن التعليم.
وتطرق البنك الدولي إلى خسائر الدخل لأفقر 40 في المئة من السكان، إذ أصبح هذا التفاوت في التعافي جلياً، وذلك عندما يتعلق الأمر بالخسائر في الدخل، وفقدان الدخل بسبب كورونا كان أشد حدة بالنسبة لأفقر 20 في المئة من سكان العالم.
وعلى الرغم من تكبد جميع الأشخاص بمختلف فئات دخلهم خسائر خلال الجائحة، فقد شهد أفقر 20 في المئة من السكان الخسارة الأكبر. ففي 2021، انخفضت مستويات دخلهم أكثر، في حين بدأت الفئات الأغنى في وقف تلك الخسائر. ويرجع ذلك إلى أن أفقر 40 في المئة من السكان لم يبدؤوا تعويض خسائر دخلهم. وقد أدى انخفاض مستوى الدخل إلى سقوط نحو 100 مليون شخص آخر في براثن فقر المدقع.
40 اقتصاداً "هشاً"
يصنف صندوق النقد الدولي أكثر من 40 اقتصاداً على أنها "هشة ومتأثرة بالصراعات". ومن الأمثلة على ذلك ليبيا واليمن وتشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال وهايتي وبابوا غينيا الجديدة.
وأشار الصندوق إلى أن الدول الهشة هي بالفعل موطن لما يقرب من مليار شخص، وهي في طريقها لتكون موطناً لـ60 في المئة من فقراء العالم بحلول 2030.
وفي حين أن كل دولة مختلفة، فإن الدول الهشة عادة ما تكون قد قللت من القدرات المؤسسية، وتوفر خدمات محدودة للسكان. كما أنها لديها قدرة محدودة على إدارة أو تخفيف المخاطر الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية أو البيئية.
وذكر أنه في هذه الاقتصادات الضعيفة، جاء التعافي الأبطأ في أعقاب الضربة الشديدة بشكل خاص من الوباء. وانكمش نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 7.5 في المئة العام الماضي وسط التوترات السياسية المتزايدة، وخيارات السياسة المحدودة للاستجابة للوباء، والإغلاق والخطوات الأخرى لاحتواء الفيروس، وتقلب أسعار النفط، وكل ذلك انعكس على أرقام التضخم التي أصبحت أزمة عالمية بعد بلوغه مستويات قياسية سواء في الدول المتقدمة أو النامية.
إضافة إلى ذلك، تتصاعد ضغوط الديون والتضخم. فقد أظهرت بحوث صندوق النقد الدولي أنه مقارنة بتوقعات ما قبل الوباء، فقد ارتفع الدين العام 17 نقطة مئوية إلى 78 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020.
كما شهدت الدول الهشة أيضاً ارتفاعاً في أسعار المستهلكين بمقدار 9 نقاط مئوية فوق توقعاتها قبل انتشار كورونا. ويؤدي تضخم الغذاء بشكل خاص إلى تفاقم تحديات الأمن الغذائي وعكس مسار التقدم الماضي.
وتشير البيانات إلى أن أسعار المواد الغذائية العالمية ارتفعت 23.1 في المئة خلال العام الماضي، وفقاً لأرقام منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. وتؤكد هذه التحديات معاً كيف أن الدول الهشة تخاطر بالتراجع أكثر عن بقية العالم، ولماذا يجب أن يكون دعمها، أكثر من أي وقت مضى، أولوية دولية وضرورة عالمية؟