مع وصول أول شحنة مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة تزن 200 ألف رطل من الأسلحة والذخيرة إلى أوكرانيا، وتوقع وصول مساعدات أخرى من دول البلطيق الثلاث، تشمل أسلحة أميركية مثل صواريخ "غافلين" المضادة للدبابات وصواريخ "ستينغر" المضادة للطائرات المحمولة على الكتف، تركزت المناقشات السياسية في واشنطن على ما يمكن أن تفعله هذه الأسلحة لمساعدة الأوكرانيين في الدفاع عن بلدهم في مواجهة تفوق عسكري روسي واضح، فهل سيكون لهذه الأسلحة أي تأثير على القوات الروسية في حال غزوها أوكرانيا؟
دوافع مختلفة
مع تدفق ذخائر وأسلحة متنوعة قصيرة المدى على أوكرانيا من الولايات المتحدة وبريطانيا ودول البلطيق، بما في ذلك صواريخ "غافلين" الأميركية، وصواريخ "ستينغر" التي تمثل قدرة جديدة للجيش الأوكراني قد تساعده في إسقاط بعض المروحيات الروسية، وطائرات الدرون المسلحة، وأنظمة دفاعية منتقاة بعناية مثل الرادارات التي تحدد مصدر قذائف الهاون لاستهدافها مباشرة، تعددت الدوافع وراء هذه المساعدات سواء كان ذلك بدافع استراتيجي، لزيادة التكلفة على الرئيس بوتين بقتل مزيد من القوات الروسية المهاجمة أو بدافع أخلاقي لمساندة حليف مقرب لا يجوز التخلي عنه.
يعتقد البعض أن المساعدة العسكرية الغربية يمكن أن تغير حسابات روسيا الآن، وربما تمنع موسكو من شن هجوم، فيما يزعم آخرون أن المساعدة المقدمة للجيش الأوكراني يمكن أن يكون لها تأثير حقيقي على معركة محتملة مع الروس، ما يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة إلى الكرملين، لتحقيق النصر واستبعاد بعض الخيارات العسكرية التي قد تفكر فيها روسيا.
لكن، لا شيء من ذلك يبدو مقنعاً للمحللين الدفاعيين والخبراء الاستراتيجيين الأميركيين الذين يؤيدون التعاون الأمني مع كييف، لكنهم يعتقدون أن المساعدات العسكرية بشكلها الحالي لن تكون كافية لحل الأزمة أو لردع روسيا والرئيس بوتين.
المساعدات لا تكفي
ويعود ذلك إلى عدة أسباب، فالقوات الأوكرانية لم تقاتل بشكل أساسي ضد القوات المسلحة الروسية بشكل مباشر سوى مرتين فقط خلال عامي 2014 و2015 وبقدرات محدودة، وانتهت المعركتان بسحق الأوكرانيين، رغم أن الجيش الروسي لم يستخدم أكثر من جزء ضئيل من قدراته مع تجنب التدخلات المطولة والعلنية، ولم تشارك مجموعة واسعة من القدرات الروسية المميزة، بما في ذلك سلاحها الجوي وصواريخها الباليستية وصواريخ كروز.
ولهذا، فإن أي حرب واسعة تندلع سوف تختلف تماماً عن الوضع السابق للصراع في أوكرانيا، وهذا يقوض أحد تبريرات المساعدة العسكرية الأميركية، وهو ردع روسيا، بحسبما يقول صمويل شاراب، كبير المحللين السياسيين في مؤسسة راند، وسكوت بوسطن، كبير محللي الدفاع في المؤسسة نفسها.
لكن، أنظمة الأسلحة الوحيدة التي يمكن أن تفرض تكاليف معقولة يمكن أن تغير حسابات روسيا، مثل صواريخ أرض جو والطائرات المقاتلة، فمن غير المرجح أن توفرها الولايات المتحدة للأوكرانيين، وحتى لو وفرتها لا يمكن تسليمها وتشغيلها، ناهيك عن تدريب القوات الأوكرانية على استخدامها في الوقت المناسب، ليكون لها تأثير على هذه الأزمة، ذلك أن الأنظمة الكبيرة والحديثة تتطلب تدريباً مكثفاً ودعماً مادياً.
ولأن الجيش الأوكراني جرى تصميمه لمحاربة الصراع في إقليم دونباس مع المتمردين الموالين موسكو، فإنه لا يشكل تهديداً رادعاً لروسيا، بالتالي فإن توفير الأسلحة الأميركية لا يمكن أن يفعل شيئاً لتغيير ذلك، وإذا كانت موسكو على استعداد لشن حرب واسعة، بغزو ثاني أكبر دولة في أوروبا بعد روسيا، يبلغ عدد سكانها 41 مليون نسمة، مع محاولة امتصاص عقوبات اقتصادية هائلة من الولايات المتحدة والغرب، فمن غير المرجح أن يردع ذلك أي مساعدة عسكرية أميركية إضافية يمكن تسليمها في الأسابيع المقبلة.
اعتبارات الدور الحاسم
وفي حين يركز كثير من النقاش الغربي حول مساعدة أوكرانيا على مواجهة التفوق العسكري الروسي الساحق على أسلحة قصيرة المدى وتكتيكات تهدف إلى إيقاع قوة الغزو الروسية في شباك مماثلة لحالة أفغانستان عام 1979، إلا أن هذه الأساليب لا تأخذ في الاعتبار الدور الحاسم الذي قد تلعبه الضربات الجوية والصاروخية الروسية، إذا أمر الكرملين بغزو واسع النطاق في أوكرانيا، فمن المحتمل أن تأخذ شكل عملية متعددة المجالات، تبدأ بضربات جوية وصواريخ يمكن أن تكون حاسمة ومدمرة قبل وقت طويل من بدء عمل الدفاعات الأوكرانية قصيرة المدى.
وبالنظر إلى استراتيجية وعقيدة الجيش الروسي الحالية، والقدرات التي أظهرها في النزاعات الأخيرة، من المرجح أن يشن حرباً أولية قصيرة ومكثفة، قد تنتج تأثيرات حاسمة حتى قبل الانخراط الكامل للقوات البرية الروسية، حيث يجري إطلاق القنابل والصواريخ الموجهة بدقة ضد قوات العدو والبنية التحتية التي تدعم القتال، مثل القواعد العسكرية، والوحدات المنتشرة في الخطوط الأمامية، ومواقع الدفاع الجوي، والمطارات، ونقاط النقل الرئيسة، ومستودعات الوقود، ومراكز القيادة والسيطرة، ومحطات توليد الكهرباء، بهدف إجبار حكومة العدو على الاستسلام بسرعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التكتيكات الروسية
وبحسب دارا ماسيكوت، كبير المحللين السابق في وزارة الدفاع الأميركية والمتخصص في القدرات العسكرية الروسية، فمن المحتمل أن تكون العملية الروسية واسعة النطاق ضد أوكرانيا، مختلفة عن العمليات السابقة في فترة ما بعد الاتحاد السوفياتي لعدة أسباب، فقد أمضى الجيش الروسي العقد الماضي في إعادة تنظيم قواته، وتحديث ترسانته، ولم يعد يعتمد على أعداد كبيرة من المجندين ذوي التدريب السيئ والقوات البرية سيئة التجهيز كما فعلت في الشيشان، حيث جرى تصميم برنامج التحديث الخاص بالجيش الروسي، لتجنب هذا النوع من العمليات غير المنظمة، التي شوهدت في جورجيا في عام 2008، كما أن توغلات الروس في شبه جزيرة القرم في عام 2014 قد تكون توضيحية فقط بشكل جزئي.
وربما يكون المثال الأكثر توضيحاً للتكتيكات الروسية الحالية هو عملياتها العلنية في سوريا، فعلى الرغم من أنها صغيرة، فإنها نموذج من القوة الضاربة الحديثة التي تتمركز بشكل دائم وتحيط حالياً بأوكرانيا من ثلاث جهات.
وفي حال بدأت الحرب، من المحتمل أن تطغى القوات الجوية والصاروخية الروسية على القوات الجوية والدفاعات الجوية الأوكرانية، وتلحق أضراراً جسيمة بالمنشآت العسكرية، نظراً إلى أن القوات الجوية الروسية، اختلفت كثيراً عما كانت عليه قبل عقد من الزمان، فبحوزتهم الآن طائرات حديثة متطورة، إلى جانب نظم الرادار والاتصالات ومعدات الاستهداف، كما أن الطيارين قطعوا مزيداً من ساعات الطيران، وتلقوا تدريبات على الدعم الجوي القريب والعمليات الليلية، وعلى الرغم من قلة خبرتهم في الطيران وسط الدفاعات الجوية المعادية، فإن 92 في المئة من الطيارين الروس، أصبح لديهم خبرة قتالية حديثة في سوريا، وتبنت القوات الجوية الروسية أيضاً إجراءات مضادة أكثر فاعلية ضد الدفاعات الجوية قصيرة المدى، مثل صواريخ "ستينغر".
صواريخ دقيقة
وتمتلك روسيا أيضاً صواريخ هجومية دقيقة، يمكنها ضرب أي موقع أوكراني من داخل الأراضي الروسية أو البحر الأسود، ومن المحتمل بالفعل إطلاق أسلحة مثل نظام الصواريخ الباليستية القصيرة المدى "أس أس 26"، التي يتراوح مداها من 250 إلى 350 كيلومتراً، ويمكن لروسيا أن تضرب من أماكن أبعد باستخدام صاروخ "كروز أس أس سي 7" الذي يطلق من الأرض ويتراوح مداه من 400 إلى 500 كيلومتر، أو صاروخ "كروز كاليبر" للهجوم الأرضي، ومداه أكثر من 1500 كيلومتر، أو قاذفة القنابل الاستراتيجية "كيه أتش 555" أو صاروخ "كروز كيه أتش 101" الذي يبلغ مداه من 2000 إلى 4000 كيلومتر.
وفي مقابل هذه القوة الضاربة، يمكن لأوكرانيا فقط حشد أنظمة الدفاع الجوي والقوات الجوية المحدودة العدد، التي تعود إلى الحقبة السوفياتية، والمتمركزة في عدد صغير من المنشآت، إذ يمكن للضربات الجوية أو الصاروخية الروسية أن تجعلها بسرعة غير فعالة في القتال، حتى لو لم يجر تدميرها بالكامل.
فشل الردع
وبمجرد فشل الردع وبدء الحرب، ستجد القوات المسلحة الأوكرانية نفسها في ظروف بائسة على الفور، إذ لا تمتلك أوكرانيا في أي مكان ما يكفي من القوات للدفاع بمصداقية ضد جميع السبل المحتملة للهجوم، ما يعني أنه سيتعين عليها الاختيار بين الدفاع عن مجموعة مختارة من النقاط القوية الثابتة، والتنازل عن السيطرة على مناطق أخرى، أو المناورة للاشتباك مع القوات الروسية التي تفوقها عدداً.
وتعني مساحة أوكرانيا التي تبلغ 603,550 كيلومتر مربع، أن القوات البرية العاملة هناك ستكون في حاجة إلى التحرك لتغطية مناطق شاسعة من التضاريس الريفية، لكن الاشتباكات المتنقلة ستفيد القوات الروسية، التي تتمتع بتدريب وتجهيز أفضل بكثير للقيام بحرب مناورة جوية وبرية منسقة مقارنة بالقوات الأوكرانية التي غالباً ما تعتمد إلى حد كبير على استخدام الأسلحة السوفياتية القديمة، التي تعرف القوات الروسية بعمق محدودية أنظمتها وتدري بالتكتيكات التي يجب استخدامها لتقليل فعاليتها بشكل أكبر.
ولهذا، لا يوجد أي نوع من التوازن العسكري بين روسيا وأوكرانيا، الذي يميل بقوة لصالح موسكو، لدرجة أن أي مساعدة قد تقدمها واشنطن في الأيام أو الأسابيع المقبلة ستكون بلا قيمة في تحديد نتيجة الصراع حال اندلاعه، إذ تتحد المزايا التي تتمتع بها روسيا من حيث القدرات والعدد والجغرافيا لتشكل تحديات لا يمكن التغلب عليها من قبل القوات الأوكرانية التي ستعجز عن تغيير مسار الحرب.
أفضل الخيارات
ومع ذلك، هناك خيارات على المدى القريب لدعم كييف، وتقليل تأثير هذه الضربات لإنقاذ الأرواح والقوات، إذ يمكن للغرب مساعدة الجيش والحكومة الأوكرانيين على الهروب من الضربات الجوية والصاروخية قدر الإمكان من خلال التشاور بشأن خطط انتشار الدفاعات الجوية الأوكرانية، وهو ما قدمته فرق التدريب الأميركية، أخيراً، أو تعزيز الخطط للانتقال إلى منشآت حيوية أخرى، لأن هذه المواقع ستكون بالتأكيد أهدافاً أولية ومبكرة للضربات الروسية.
وقد يشارك حلفاء أوكرانيا المعرفة والخبرة حول استراتيجية الاستهداف الروسية لمساعدة أوكرانيا في بناء التحصينات أو وضع خطط بديلة لمراكز القيادة والسيطرة المهمة أو الوحدات العسكرية، كما يمكنهم تقديم المساعدة في الكشف عن الهجمات الإلكترونية أو الاقتحامات الروسية، فضلاً عن مشاركة المعلومات الاستخباراتية وقت حدوثها حول عمليات الطيران الروسية أو عمليات إطلاق الصواريخ، وهي معلومات حيوية عندما تكون الدقائق مهمة للبقاء على قيد الحياة.
تمكين التمرد وأخطاره
وبينما لا يختلف أحد تقريباً حول الهوة الشاسعة التي تفصل القدرات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا، فإن البعض يراهن على أن المساعدات الغربية يمكن أن تساعد في تمكين التمرد الأوكراني من فرض تكاليف على قوة احتلال روسية، استناداً إلى القياس التاريخي للولايات المتحدة، حينما ساعدت الأفغان في أفغانستان بعد الغزو السوفياتي في عام 1979، التي عانت صواريخ "ستينغر" المضادة للطائرات في ذلك الوقت.
لكن، إذا حاولت روسيا احتلال مناطق تضم كثيراً من الأوكرانيين المعادين لها على المدى الطويل، فإن أشكال الدعم هذه قد تعقد الأمور بالنسبة إلى موسكو، ولذلك يدرك المخططون الروس أن كثيراً من الأمور يمكن أن تسوء في عملية واسعة النطاق، بخاصة بعد الاحتلال، لكن الأميركيين أيضاً يتخوفون أيضاً من أن تكاليف الحرب التي تستمر إلى حد حملة التمرد، سوف يتحملها الأوكرانيون بشكل غير متناسب، ففي تلك المرحلة من الصراع، يموت الآلاف أو عشرات الآلاف من المتمردين الأوكرانيين مقابل أي نجاحات يحققونها ضد المحتلين الروس، ولا ينبغي أن يتمنى أحد تكرار تجربة المعارضة السورية أو المتمردين الشيشان مع شريك وثيق مثل أوكرانيا.
وفي النهاية، فإن أي عملية روسية متعددة وواسعة النطاق ستكون مدمرة للجيش والشعب الأوكراني بصرف النظر عما ستلحقه بروسيا وقواتها من أضرار عسكرية واقتصادية. ولهذا، فإن الطريقة الأكثر فعالية التي يمكن لواشنطن أن تساعد بها هي العمل على إيجاد حل دبلوماسي الذي يطمح الجميع إلى الوصول إليه.