لا يفوت الرئيس التونسي، قيس سعيد، أي مناسبة إلا ويذكر فيها تلكؤ القضاء بالفصل في عديد القضايا التي لها علاقة بالشأن الانتخابي أو بملف الاغتيالات السياسية أو التمويل الخارجي للأحزاب.
وقوبلت تلك التصريحات بانتقادات واسعة من الهياكل القضائية التي رأت فيها نوعاً من الضغط على السلطة القضائية، ومحاولة لضرب استقلالية المؤسسة القضائية.
وهز قرار سعيد حل المجلس الأعلى للقضاء، الجسم القضائي، إذ دخل القضاة في إضراب لمدة يومين 8 و9 فبراير (شباط) الحالي، علاوة على تلويحهم بمزيد من التصعيد في حال لم يتراجع رئيس الجمهورية عن قراره.
فهل ينوي قيس سعيد فعلاً السيطرة على القضاء، ووضعه تحت السلطة التنفيذية؟ وما أسباب حل المجلس الأعلى للقضاء؟
المعركة حول قضاء مستقل
يؤكد مراد المسعودي، رئيس الجمعية التونسية للقضاة الشبان، في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "المعركة اليوم هي معركة استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، وهي ليست من أجل امتيازات أو زيادة في المرتبات، بل من أجل مرفق قضائي مستقل وبعيد عن إملاءات وضغوطات السلطة التنفيذية". ويضيف أن "القضاء هو آخر سلطة في الدولة التونسية، ما زالت قائمة ويتهددها شبح الهيمنة من قبل رئيس الجمهورية، ولا يوجد أي سند قانوني يمنح رئيس الدولة حق اتخاذ قرار بحل المجلس الأعلى للقضاء أو تعيين من يراه".
ويشدد رئيس الجمعية التونسية للقضاة الشبان على أن "السلطة القضائية يجب أن تكون بعيدة عن المشاحنات والتجاذبات السياسية، والقضاة لن يخضعوا لسلطة رئيس الجمهورية"، معتبراً "قرار وضع قانون جديد وهيئة مؤقتة لتحل محل المجلس الحالي، يعني التخلي نهائياً عن المجلس الأعلى للقضاء المنتخب من القضاة والذي له شرعية يستمدها من القضاة ومن الدستور".
الهيئة المؤقتة ستكون بيد الرئيس التونسي
ويعتبر المسعودي أن الهيئة المؤقتة التي سيضعها رئيس الجمهورية، ستكون "تحت إمرته وتحت سلطته وهو ما يعني تجميعاً للسلطات واستفراداً بها وسيطرة على القضاء".
وحول تقصير المجلس في البت في عدد من الملفات القضائية على غرار ملف الاغتيالات السياسية لفت المسعودي إلى وجود "بعض الهنات في المجلس كغيره من الهياكل في الدولة التونسية"، إلا أنه أكد أن "التأخر الحاصل في البت فيها لا يتحمل مسؤوليته المجلس الأعلى للقضاء".
ويشدد رئيس الجمعية التونسية للقضاة الشبان على أن "القضاء يجب أن يكون سلطة مستقلة، في إطار توازن السلطات، ومن دون تغول سلطة على حساب أخرى"، مضيفاً أن "رئيس الجمهورية يرغب فعلاً في أن يكون القضاء تابعاً له وتكريس ما يسمى بـ(قضاء السلطة)"، داعياً إلى التراجع عن قرار حل المجلس الأعلى القضاء، وملوحاً بمزيد من التصعيد.
المجلس عقبة أمام إصلاح القضاء
في المقابل، يرى أستاذ القانون العام والباحث في القانون الدستوري، رابح الخرايفي، في تصريح خاص أن "ادعاء البعض بأن السلطة التنفيذية تحاول الهيمنة على القضاء فيه مبالغة كبيرة، وهو موقف غير وجيه وغير مؤسس لا من حيث القانون ولا من حيث الواقع، لأن قرار رئيس الجمهورية حل المجلس الأعلى للقضاء يأتي في سياق الظروف الاستثنائية التي تعيشها تونس، ولا يوجد ما يمنع رئيس الدولة من اتخاذ مثل هذا القرار"، معتبراً أن "حالة الاستثناء تسمح عند الضرورة بأن تمارس فيها ما تسمى بـ(الديكتاتورية الدستورية) وهي حالة مؤقتة تعني تجميع عديد الصلاحيات بما في ذلك الصلاحيات التنفيذية والتشريعية والقضائية في يد رئيس الجمهورية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف الخرايفي أنه "استناداً إلى الأمر 117 يمكن لرئيس الجمهورية أن يتخذ قرارات ومراسيم في تنظيم العدالة والقضاء".
وحول دور المجلس الأعلى للقضاء في تنظيم وضمان استقلالية القضاء يشدد أستاذ القانون العام على أن "ما يمكن استخلاصه بعد ست سنوات من عمل المجلس الأعلى للقضاء، أن هذا الهيكل أصبح عقبة أمام إصلاح القضاء، على خلاف ما هو منوط بعهدته"، مستحضراً "ملف الاغتيالات السياسية في تونس وما شابه من تجاوزات، علاوة على التصرف في الوظائف الكبرى في القضاء التي باتت محكومة بالعلاقات صلب هياكل القضاء".
المعركة حول الامتيازات
ويعتبر الخرايفي أن "المعركة ليست معركة استقلال قضاء، بل هي معركة من أجل ضمان امتيازات ومناصب منتسبي جمعية القضاة في الوظائف الكبرى، وفي ضمان عدم نقلتهم لضرورة العمل وعند الطلب".
ولفت أستاذ القانون إلى أن المجلس الأعلى للقضاء "تقاعس في تقديم مشروع القانون الأساسي للقضاة الذي يعود إلى سنة 1967 كما لم يقترح أعضاء المحكمة الدستورية"، مشيراً إلى أن "القرار الذي اتخذه رئيس الجمهورية يتحدث عن تركيبة المجلس الأعلى للقضاء، وليس على المجلس كمؤسسة، وبالتالي فمن الوهم الاعتقاد بأن السلطة التنفيذية تريد السيطرة على السلطة القضائية".
ويضيف الخرايفي أن "ما أقدم عليه رئيس الجمهورية يمثل زلزالاً، لأن فيه جرأة كبيرة بعد أن فشلت كل الحكومات السابقة، في فتح ملف القضاء عندما يتم التعلل باستقلالية القضاء والخوف من هيمنة السلطة التنفيذية"، داعياً إلى نزع ما وصفها بـ"القداسة الأسطورية" على القضاء.
سعيد ينهي رسمياً المجلس الأعلى للقضاء
وخلال إشرافه على اجتماع مجلس الوزراء الخميس 10 فبراير 2022، تم التداول في مرسوم يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء ويقضي بحل المجلس الحالي وتعويضه بمجلس آخر.
وقال سعيد ''ليكن الأمر واضحاً أن هذا المجلس سيتم حله بمقتضى هذا المرسوم، وتعويضه بمجلس آخر ولا مجال للتشكيك في هذا الخيار، لأن تونس يجب أن تُطهر، الشعب التونسي يريد تطهير البلاد، ولا يمكن تطهير البلاد إلا بتطهير القضاء، هذه المسألة حيوية والبعض من المفترين والمشككين يريدون أن يقرؤوا بين السطور ولكن ليقرؤوا بين اللوبيات التي تحركهم''.
وأضاف سعيد قائلاً ''المجلس الحالي انتهى وسيتم تعويضه بمجلس آخر''، وأوضح رئيس الجمهورية أن "قضية العدالة في تونس طرحت منذ زمن بعيد"، مؤكداً أن "الوظيفة القضائية في الظاهر مستقلة، ولكن في الواقع هي امتداد"، وتابع "القضاة لهم وظيفة في إطار الدستور وعليهم فقط أن يطبقوا القانون فقط بكل حياد على الجميع''.
القضاة خاضعون للقانون
وكشف قيس سعيد عن أن لديه ملفات كثيرة تتعلق بالأموال التي تلقاها البعض ''تفوق الخيال وبعد ذلك يقول إنه مستقل ولا رقابة عليه''، مشدداً ''مرة أخرى القضاء وظيفة وليست سلطة والقضاة كلهم خاضعون للقانون ولا يمكن أن تكون هناك دولة خارج الدولة التونسية''.
وانتقد سعيد الخبراء الذين يتحدثون في وسائل الإعلام ووصفهم بالمأجورين ''هو مأجور، وعدد من القضاة أيضاً ويجب وضع حد لهذه الممارسات''.
المجلس الأعلى للقضاء يتمسك بتركيبته
وفي المقابل، تمسك المجلس الأعلى للقضاء بتركيبته الحالية، معتبراً أن "إحداث أي جسم انتقالي بديل له هو في عداد المعدوم ولا أثر قانونياً له".
وأكد في بلاغ أن "المجلس هو المؤسسة الدستورية الوحيدة الممثلة للسلطة القضائية"، مجدداً "رفضه المساس بمقتضى المراسيم، بالبناء الدستوري خارج إطار مبادئ الشرعية والتأسيس لوضع انتقالي يتعارض مع الدستور ومع مصلحة العدالة وحقوق المواطنين"، وفق نص البلاغ.