عاد ملف حماية المبلغين عن الفساد ليطفو على السطح في الجزائر بعد التقدم الحاصل مع مناقشة مشروع قانون تنظيم السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته وتشكيلتها وصلاحياتها، والذي يبدو أنه يمنح ضمانات ويشدد العقوبات.
تكييف القوانين مع الدستور الجديد
وتتجه الحكومة إلى جعل محاربة الفساد على رأس الأولويات بعد "الخراب" الذي مس مختلف القطاعات على مختلف المستويات خلال النظام السابق الذي أسس لمنظومة فساد كادت تعصف باستقرار البلاد، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، يجري توسيع دائرة الضمانات التي تحمي المبلغ عن قضايا الفساد في المؤسسات العمومية والخاصة، مقابل حماية المسؤول الذي يتعرض لبلاغات كيدية، بهدف منع كل محاولات "تصفية الحسابات"، وتأتي مناقشات لجنة الشؤون القانونية والحريات بالبرلمان، في إطار تكييف قوانين مكافحة الفساد مع نصوص الدستور الجزائري الجديد، وقد عرفت المواد التي تتعلق بحماية المبلغ عن الفساد، تجاذبات واسعة تستهدف مزيداً من الضمانات، وهو ما تحقق مع تأكيد ممثل وزارة العدل بأن هذا الأخير لن يكون شاهداً في القضية محل التبليغ، ولن يُستدعى لحضور جلسات المحاكمة.
كما كشفت الوزارة عن أن المبلغ عليه كتابة ورقة فيها كل التفاصيل حول الدعوى والشخص المعني بها، والتوقيع عليها شخصياً، مع إحضار وثائق تثبت هويته، مقابل منع تقديم البلاغات عبر توكيل شخص آخر ينوب عنه.
الحكومة حذرة
في السياق، أوضحت الباحثة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية سلمى تيوسارين أن الضمانات التي تقدمها الحكومة من أجل محاربة ناجعة لظاهرة الفساد، يجب تثمينها، بخاصة في ظل ظروف الفساد العامة التي تمر بها المؤسسات والشركات والهيئات الرسمية للدولة، وقالت، "أجد أن الحماية لازمة لمن يبلغ عن الفساد، وهو ما أدركته الجهات الوصية، ذلك أن الإقدام على مثل هذا الإبلاغ خطير نوعاً ما عند النظر إلى بيئة الفاسدين وما يتعاملون به"، مضيفة أن الحكومة حذرة في هذا الشأن، وهو ما تعنيه باشتراطها الهوية الحقيقية للمبلغ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابعت تيوسارين، "قد نصل إلى جزئية كيف عرف المبلغ عن هذا الفساد، وهل هو جزء منه أو أنه فعلاً اكتشف هذه الملفات الخاصة بالفساد في الشركة أو الهيئة العامل بها عن طريق عمله وعن غير قصد، ومنه نصل إلى القرار بحماية المبلغين عن الفساد الذين قد يكونون جزءاً من الفساد نفسه، لكن يمكننا القول، إنه أكثر ذكاء أو مكراً من شركائه، إن صح القول".
مطلب يشكل شبه إجماع
وطالب رئيس هيئة مكافحة الفساد طارق كور، في وقت سابق، بإيجاد قانون لحماية المبلغين عن قضايا الفساد بغية حمايتهم من العقوبات أو الاستفزازات، وأوضح في تصريحات إذاعية، أن حماية المبلغين عن الفساد مطلب يشكل شبه إجماع على المستوى المحلي والدولي، ولذلك دعت الهيئة السلطات العليا إلى إيجاد قانون لحماية هذه الفئة، مشيراً إلى أنه يمكن للسلطة العليا أن تتخذ تدابير وآليات لحماية المبلغ في محيط عمله بإصدار أوامر لكل المسيرين من أجل تأجيل كل العقوبات التأديبية للشخص الذي بلغ عن الفساد إلى غاية انتهاء التحقيق، وشدد على ضرورة حماية المبلغ في محيطه كي لا يكون هدفاً لاستفزازات وانتقادات أو عقوبات.
لافتات استعراضية
إلى ذلك، رأى الإعلامي المهتم بالشؤون السياسية، حكيم مسعودي، أن قضية حماية المبلغ عن الفساد تحتاج أولاً إلى إرادة سياسية حقيقية قبل الحديث عن الجوانب التقنية، وإلى طرح إشكالية ما إذا كانت السلطة التنفيذية لديها فعلاً استعداد للخضوع لمختلف أشكال الرقابة الحقيقية الفاعلة وإلى أي حد، و"هذا يجرنا إلى الحديث عن المنظومة الرقابية بأكملها وقضية الفصل بين السلطات التي تعطي المصداقية للمؤسسات والقرارات والأحكام الصادرة عنها"، وقال، إن القضية ليست تقنية بقدر ما هي سياسية.
ولفت مسعودي إلى أنه مع الاعتقالات التي تطال كل الأصوات المعارضة التي تؤدي نوعاً من "الرقابة السياسية" بما يكفله الدستور من الحريات ولو خارج الإطار المؤسساتي، يتعزز الانطباع بأن الأمر قد لا يتعدى كونه لافتات استعراضية، لأن منطلق أي إصلاح من هذا النوع هو الإرادة السياسية.
أخلقة الحياة العمومية
وبحسب وزير العدل، عبد الرشيد طبي، فإن المشروع يندرج في إطار الإصلاح المؤسساتي في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته، كما يهدف إلى جعل آلياته أكثر فعالية ونجاعة بتكريس مبدئي الشفافية والنزاهة كقاعدتين لأخلقة الحياة العمومية، وتوفير مناخ نزيه مساعد على تسيير الأعمال والشؤون العمومية، وتوجيه الإدارات والهيئات العمومية والمؤسسات الاقتصادية والموظفين إلى تكريس قواعد الشفافية وقيم النزاهة في العمل.
وحول تشكيلة السلطة العليا للوقاية من الفساد وتنظيمها، أشار وزير العدل إلى أنها تتكون من جهاز تنفيذي يمثله الرئيس، وجهاز تداولي يمثله المجلس يضم أعضاء ممثلين عن السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والمجتمع المدني.