يحتشد آلاف السودانيين في عاصمتهم، الخرطوم، والمدن الأخرى، اليوم الاثنين 28 فبراير (شباط)، للتظاهر في "مليونية 28 فبراير"، التي دعت إليها تنسيقيات لجان المقاومة، ضمن البرنامج التصعيدي لهذا الشهر، للمطالبة بحكم مدني في كامل أجهزة الدولة، وإبعاد العسكر من المشهد السياسي في البلاد، وذلك رداً على القرارات التي اتخذها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) بإعلان حالة الطوارئ، وتعطيل الشراكة مع المكون المدني، ما اعتبرته قوى سياسية ومجتمعية عريضة انقلاباً عسكرياً.
وتزامنت هذه التظاهرات مع طرح لجان المقاومة في الخرطوم، الأحد، ميثاقاً سياسياً جديداً لحكم الفترة الانتقالية، تحت عنوان "تأسيس سلطة الشعب"، في وقت يُجري فيه الشركاء الإقليميون والدوليون من أبرزهم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة في السودان "يونيتامس"، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة "إيقاد"، مشاورات حول استراتيجية مشتركة لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد.
وحدّدت تنسيقيات لجان المقاومة نقاطاً لتجمّع ومسارات مواكب مدن العاصمة الثلاث التي ستكون وجهتها الرئيسة القصر الجمهوري (الرئاسي) في وسط الخرطوم، حيث تشمل مدينة الخرطوم (جاكسون، والقندول، وشروني، وباشدار، وحديقة القرشي)، والخرطوم بحري (المؤسسة)، وأم درمان (باشدار).
ميثاق جديد
وأشار بيان لهذه التنسيقيات إلى أننا "نختتم في هذه الأيام شهراً جديداً من مسيرة النضال الوطني في وجه قوى الظلام والردة، التي أرعبتهم شراسة وصمود هذا الشعب العظيم، فما علموا ما يفعلون، يوماً بعد يوم، ومع كل خطوة يتقدمها الثوار، تستحكم حلقات الثورة حول رقابهم، فالشعب لا شك أقوى، والمُرجفون إلى الجحيم".
وتابع البيان، "تأتي مليونية الاثنين وقوى الثورة تخطو خطوة إلى الأمام بالإعلان عن ميلاد ميثاق لجان المقاومة في الخرطوم، بعد أشهر من عمليات الحوار والتداول وسط هذه اللجان في كل الأحياء، وانطلاقاً من جهود تنسيق مواقف القوى الثورية الحية المتمسكة بالتغيير الجذري في المركز وولايات السودان المختلفة، والعمل على بناء تحالفها القاعدي الواسع، وتحصين إرادتها الثورية ضد الاختطاف والتجيير، ولضمان جاهزيتها لتسلم السلطة الوطنية المدنية الكاملة ومراقبتها لتنزيل شعارات الثورة وتحقيق التحول الديمقراطي والعدالة والسلام، في دولة المواطنة واستقلال القرار السياسي والاقتصادي، ولكسر الدائرة الشريرة للانقلابات العسكرية للأبد".
الأهداف والهياكل
ويهدف الميثاق السياسي الجديد لتنسيقات لجان مقاومة ولاية الخرطوم، إلى توحيد الشعب السوداني والتأسيس للحكم المدني الديمقراطي بعد إسقاط انقلاب 25 أكتوبر.
وبحسب الميثاق، فإن مقترح تأسيس سلطة الشعب في مرحلته الأولي قابل للتعديل من قوى الثورة حتى يتم الوصول لميثاق نهائي في ولاية الخرطوم، ووفقاً لذلك يتم طرحه للتداول للتنظيمات والاتحادات والتنظيمات الثورية والسياسية كافةً، الرافضة الانقلاب، منوهاً بأن كل هياكل الحكم ستكون تحت رقابة لجان المقاومة على أن تكون مدة الفترة الانتقالية عامين قابلة للزيادة، وأن تتم تسمية رئيس وزراء من كفاءات مستقلة مؤيدة للثورة وبرنامجها بتوافق قوى الثورة والموافقين على هذا الميثاق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونصّ الميثاق أيضاً على تكوين مجلس تشريعي يمثل قوى الثورة كافةً يلتزم بالتعدد الثقافي والإثني في البلاد، ويقوم على اعتماد الحكومة والمفوضيات، ويراقب الجهاز التنفيذي، ويعمل علي إجازة التشريعات، فضلاً عن تكوين مجالس تشريعية محلية وولائية بتوافق القوى الثورية، على أن تقوم بمهام اعتماد الأجهزة التنفيذية المحلية لتنفيذ مهام الثورة.
وحضّ الميثاق على إنشاء 11 مفوضية مستقلة، من أبرزها مفوضية العدالة الانتقالية والسلام، وكذلك مفوضية الخدمة المدنية، ومفوضية مكافحة الفساد واسترداد الحقوق والأموال المنهوبة، ومفوضية الحدود، ومفوضية صناعة الدستور والانتخابات، على أن يتم التعيين لهذه المفوضيات على أساس الكفاءة وذوي الاختصاص.
الفيدرالية والعدالة
ودعا الميثاق إلى تبنّي نظام حكم فيدرالي بما يعزز خيارات الوحدة الوطنية ونقل سلطات الدولة لمستويات الحكم للولايات، بما يسهم في مشاركة المجتمعات المحلية في صنع القرار، مؤكداً ضرورة إنفاذ العدالة الانتقالية والجنائية، باعتبارهما الضامن الوحيد لانتقال سياسي مكتمل في البلاد، ويقطع الطريق على أي عمل غير ديمقراطي، كما شدد الميثاق على إصلاح الجهاز القضائي وضرورة معالجة قضايا أسر الشهداء وضحايا الانتهاكات.
وطالب أيضاً بمراجعة اتفاق جوبا للسلام الذي وقّع بين الحكومة السودانية وحركات الكفاح المسلح مطلع أكتوبر 2020، في إطار وطني لمعالجة القصور الذي شابه، على أن يعقبه انعقاد مؤتمر وطني للسلام يؤسس لحوار سياسي ينطلق من داخل معسكرات اللاجئين. ونوّه الميثاق بضرورة إصلاح المنظومة الأمنية وإعادة النظر في مهام جهاز الاستخبارات العامة، وحصر مهمته في جمع المعلومات، إضافة إلى إعادة هيكلة الشرطة بما يضمن مهنيتها، وتكوين جيش قومي مهني موحد، وإلغاء منصب القائد العام للجيش، فضلاً عن حلّ ودمج الحركات المسلحة والدعم السريع داخل القوات المسلحة.
وشدّد الميثاق على أن يتم إجراء الانتخابات عقب نهاية الفترة الانتقالية، بعد تحقيق مقتضيات السلام وعودة النازحين واكتمال وإجازة قانون الانتخابات، مطالباً التنظيمات السياسية التي شاركت النظام السابق بتقييم شراكتها معه، والاعتذار للشعب السوداني عن الأخطاء التي وقعت أثناء فترة الأعوام الـ30 الماضية.
وتكوّنت لجان المقاومة في المدن والقرى عقب اندلاع تظاهرات 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018، التي أطاحت نظام الرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل (نيسان) 2019، وكان لها الدور الأكبر في إدارة الاحتجاجات في أحياء العاصمة المثلثة والمدن الأخرى.
83 قتيلاً
ومنذ 25 أكتوبر، يشهد السودان احتجاجات قُتل خلالها 83 متظاهراً بينهم نحو 10 أطفال، وأُصيب أكثر من 2000 بجروح، بحسب لجنة الأطباء المركزية المؤيدة للديمقراطية، رداً على إجراءات استثنائية اتخذها البرهان، أبرزها فرض حالة الطوارئ، وحلّ مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، ما تعتبره قوى سياسية انقلاباً عسكرياً، في مقابل نفي الجيش.
واتهمت الأمم المتحدة قوات الأمن بإطلاق الذخيرة الحية بانتظام، أو استخدام الغاز المسيل للدموع كمقذوفات فتاكة ضد المتظاهرين.
واستنكر مبعوث الأمم المتحدة لحقوق الإنسان السنغالي أداما دينغ الذي زار الخرطوم بين 20 و24 فبراير هذه الممارسات، داعياً السلطات السودانية برئاسة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إلى مراجعة سياساتها الأمنية المفرطة في قمع المتظاهرين.
وأقرّ البرهان بأن ضباطاً استخدموا الرصاص الحي ضد المتظاهرين، لكنه أكد أنها مبادرات شخصية تتعارض مع الأوامر.
وقبل هذه الإجراءات كان السودان يعيش منذ 21 أغسطس (آب) 2019 مرحلة انتقالية تستمر 53 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة.