شاءت الكاتبة الأوكرانية إيرينا تسفيلا، المعروفة بالتزامها ونضالها السياسي أن تشارك في الدفاع عن مدينتها وأهلها أمام الغزو الروسي القيصري، فارتدت الزي العسكري وحملت السلاح برفقة زوجها ديمتيرو، لكن القدر غلبها على الجبهة، فسقطت قتيلة مع زوجها أيضاً على إحدى الجبهات المفتوحة. حصدتها نار الحقد القيصري وخطفت حلمها في أن ترى جحافل الغزاة الجدد تنهزم وتتراجع عن تخوم أرضها. كانت الكاتبة، وهي أم لخمسة أولاد، صاحبة الكتاب الشهير "أصوات الحرب: تاريخ المحاربين القدامى"، عضواً في إحدى فرق الجيش الأوكراني وشاركت سابقاً في معارك مقاطعة دونباس. وبرأيها كما عبرت مراراً، أن الكاتب في مثل هذه الأزمنة، أزمنة الحروب الناشبة على الوطن الأم، يجب أن يحمل السلاح ويلتحق بالجيش من أجل الدفاع عن قضيته. نعى الكاتبة إيرينا تسفيلا اتحاد الكتاب الأوكرانيين، وجمع من أهل الأدب والفكر والسياسة، في ظروف صعبة جداً وقاهرة.
انطباعات من كييف
وعشية سقوط االكاتبة إيرينا تسفيلا استطاعت مجلة "تيليراما" الفرنسية التواصل مع الروائي الأوكراني الشهير أندريه كوركوف المترجم إلى لغات عالمية عدة، والصامد في منزله في مدينة كييف التي تتساقط عليها القذائف والصورايخ مثل حبات البرَد، فتحدث عن الظروف القاسية التي يحياها مثله مثل المواطنين الصامدين، وتطرق إلى أمور سياسية تشمل أوكرانيا وروسيا والغرب عموماً.
عن سؤال أول حول شعوره إزاء ما يحصل، قال، "الوضع صعب. أتابع ما يجري من حول شقتنا التي أسكنها مع زوجتي. الوضع خطر جداً، المعارك تجري على بعد 25 كلم من بيتنا، في الضاحية وبالقرب من مطار صغير على مدخل المدينة، الذي ربما باتت تحتله القوات الروسية. وكي أكون صريحاً، إننا نخاف كثيراً أن يدخل الجيش الروسي بين ليلة وضحاها. مدينة كييف تُهاجم من كل الجهات". وأضاف، "لم أفاجأ كثيراً بالحرب التي تشنها روسيا علينا، لكنني حزين جدا، ومتوتر جدا. كنت اعلم ان الحرب من الممكن ان تقع، لكنني كنت آمل أن تتحاشاها روسيا. تحتاج أوكرانيا الى سياسيين متمرسين واصحاب تجارب، واشد دهاء كي يتمكنوا من الدفاع عن مصالحنا بين "الكتلتين" وإزاء شخص مثل بوتين. لكننا في أوكرانيا لا نملك تقاليد سياسية، وليس لدينا "مدارس" تدرب السياسيين. لم نعرق في السابق رؤساء قادرين، بل مؤهلين حقاً كي يصمدوا أمام روسيا أو أن يتفقوا معها في طريقة تضمن مصالحنا باحترام. ولحسن الحظ، أن الدولة استطاعت في الأقل، أن تطور جيشنا، لهذا أثر، اليوم".
ورداً على سؤال إن كان تاريخ الغزو يعيد نفسه، أجاب،"نعم، هذا الغزو يمثل استمراراً للحرب العالمية الثانية. الجيش الروسي يغزو أوكرانيا من أجل استعمارها والسيطرة عليها. هذا ليس جديداً تماماً، إنه يشبه عودة البلاشفة. وبوتين هو أغنى بلشفي في العالم، ويريد إعادة بناء الاتحاد السوفياتي، لكن كما لوكان إمبراطوريته الخاصة. حتى في خطابه السياسي والعسكري، الذي يشبه خطاب "النازيين"، يذكرنا بوتين أننا نعيش حالاً من امتداد "الحرب الوطنية الكبرى".
أثمان باهظة
وعن سؤال، ماذا تتوقع من أوروبا؟ يقول أندريه كوركوف: "نتوقع المساعدات العسكرية والضغط الدبلوماسي، على الرغم من أنني لا أعتقد أن الضغط يمكن أن يغير سياسة بوتين. يجب قطع روسيا عن العالم المتحضر، ومنع أي شخص يحمل جواز سفر روسياً من السفر، وإلا فإن هذه الحرب لن تنتهي في بلدنا. لا أعتقد أن العقوبات الاقتصادية وحدها ستكون كافية، لكن المساعدة العسكرية، وتجميد الأموال الروسية في البنوك الأوروبية والأميركية، وحظر حسابات الأوليغارشية البوتينية، قد يكون لها تأثير أكبر. ربما…". أما ماذا يتوقع من الولايات المتحدة، فيجيب، "من خلال إرسال الأسلحة إلينا، فإنهم يفعلون الكثير للحفاظ على استقلال أوكرانيا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن سؤال: هل لديك أدنى وهم بأن أوكرانيا، بقواتها العسكرية، ستكون قادرة على مقاومة الأسطول الروسي؟ يقول، "يمكن أوكرانيا أن تقاوم لبضعة أسابيع. أنا لست خبيراً استراتيجياً، بالتالي لا يمكنني التكهن، لكن روح الجيش الأوكراني تبدو لي أقوى بكثير من روح الجيش الروسي، لأن الكرملين أرسل جنوداً يؤدون خدمتهم العسكرية، وليس لديهم حافز مبرر لغزونا. في حين أن القوات الأوكرانية لديها دافع كبير، مثلها مثل بقية السكان، لحماية بلدهم. لقد تحدثت مع المتطوعين الذين ذهبوا إلى دونباس بين عامي 2014 و2015، وقد التحق فعلاً عديد من جنود الاحتياط لدينا البالغ عددهم أربع مئة ألف للانضمام إلى الجيش. لن يكون من السهل على روسيا غزو أوكرانيا ... لكنني أعلم جيداً أن بلادي سوف تدفع ثمناً باهظاً لمقاومتها في هذه الحرب التي لم تكن تريدها أبداً".
الأسر أو الهجرة
وعن سؤال حول خطة بوتين الساعية إلى تنصيب زعيم اوكراني هو أشبه بـ "دمية" وإلى ربط أوكرانيا بروسيا الكبرى، يجيب، "لا أعرف. الأمر الذي أنا متأكد منه هو أن بوتين يريد السيطرة على أوكرانيا، وفي نظري لن يكون هناك فرق كبير سواء كان رئيساً فرضه بوتين أو حاكماً روسياً أرسلته موسكو لإدارة المقاطعة الأوكرانية، كما في العهد القيصري".
ماذا ستفعل إذا احتل الروس كييف؟ يجيب، "إذا لم يتم القبض عليّ، سأسافر إلى الخارج. أنا غير مرحب بي في بلدي إذا احتله الروس. لم يتم نشر كتبي في روسيا منذ عام 2008".
خلال "الثورة البرتقالية"، لم يكن في إمكان اندريه كوركوف الكتابة. فهل سيعيش هذه الحال الآن؟ يقول، لا، لقد توقفت للتو عن مواصلة كتابة روايتي الأخيرة، وهي تدور حول الحياة في كييف عام 1919 أثناء الحرب الأهلية. أكتب الآن مقالات، لكنني أعترف بأنني متعب جداً، وحتى نفسياً إنني مجهد أكثر من متعب".
بيان "نادي القلم"
ومن ناحية أخرى ما زال البيان الشديد اللهجة الذي أصدرته جمعية "نادي" القلم العالمية (بن كلوب) وفيه تدين الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا وتدافع عن الشعب الأوكراني وأرضه، يلقى صدى واسعاً في الأوساط الأدبية والثقافية العالمية، وقد وقعه ألف كاتب من بينهم: سلمان رشدي، مارغريت أتوود، برهان باموك، اليف شفق، بول اوستر، جون فرانزن، سفلتانا الكسيفيتش وسواهم، إضافة إلى كتّاب عرب. ومن البيان، "نحن الكتاب من كافة أقطار العالم، مروّعون من أعمال العنف التي تمارسها القوات الروسية على أوكرانيا، وندعو إلى وضع حد لإراقة الدماء. إننا نقف متحدين في إدانة حرب خرقاء، شُنّت بسبب رفض الرئيس بوتين قبول حق الشعب الأوكراني في مناقشة ولائه المستقبلي وتاريخه دون تدخل من موسكو.
إننا نقف متحدين في دعم الكتّاب والصحافيين والفنانين وكل الشعب الأوكراني، الذين يعيشون أحلك أيامهم. نقف بجانبكم ونشعر بآلامكم.
لكل فرد الحق في السلام وحرية التعبير وحرية التجمع. حرب بوتين هي اعتداء على الديمقراطية والحرية، ليس فقط في أوكرانيا، لكن في جميع أنحاء العالم. إننا نقف متحدين في الدعوة إلى السلام، وإلى وضع حد للدعاية التي تروج للعنف، ولا يمكن أن تكون أوروبا حرة وآمنة من دون أن تكون أوكرانيا حرة ومستقلة."