Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

تحول موقف إسبانيا من قضية الصحراء يغضب الجزائر ويريح المغرب

يرجح مراقبون أن يلجأ الجانب الجزائري إلى إشهار ورقة الغاز للضغط على مدريد

رئيس الوزراء الإسباني في زيارة سابقة إلى الجزائر ولقائه الرئيس تبون (الإذاعة الجزائرية)

أيدت المفوضية الأوروبية موقف إسبانيا الجديد بخصوص مصير "الصحراء الغربية" كمنطقة تتمتع بحكم ذاتي تابعة للمغرب، لتدعم تغيراً مفاجئاً في موقف حكومة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز.
وقالت نبيلة مصرالي، المتحدثة باسم مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إن "الاتحاد الأوروبي يرحب بأي تطور إيجابي في العلاقات الثنائية بين دوله الأعضاء والمغرب، الذي من شأنه أن يفيد في تطبيق الشراكة الأوروبية - المغربية".
ويعتبر المغرب، الصحراء الغربية تابعة له، لكن "جبهة البوليساريو" الداعية إلى الاستقلال بدعم من الجزائر، تطالب بإقامة دولة ذات سيادة في المنطقة. وعلى مدى سنوات، أيدت دول، منها إسبانيا، إجراء استفتاء على الاستقلال لتقرير مصيرها.
وأبلغت مدريد، الرباط يوم الجمعة الماضي، أنها تعتبر اقتراح الحكم الذاتي للصحراء الغربية "الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف"، في خطوة يُتوقع أن تسهم في تحسين العلاقات المتوترة بين البلدين. كما أنه في السنوات الأخيرة، تراجع احتمال إجراء استفتاء بشأن استقلال الصحراء، كما توقفت الأمم المتحدة عن الإشارة إليه، وتتحدث بدلاً من ذلك عن التوصل إلى حل واقعي مقبول من الطرفين.
وقالت المتحدثة باسم بوريل للصحافيين، الاثنين 21 مارس (آذار) الحالي، إن "الاتحاد الأوروبي يجدد دعمه لجهود الأمين العام للأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي عادل ومنطقي وعملي ودائم ومقبول من الطرفين لقضية الصحراء الغربية".
وأصاب الفتور العلاقات بين إسبانيا والمغرب العام الماضي بعدما سمحت مدريد بدخول زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي لتلقي العلاج مستخدماً وثائق جزائرية.
ورداً على ذلك، على ما يبدو، خففت الرباط القيود على الحدود مع جيب سبتة الخاضع للسيطرة الإسبانية شمال المغرب، ما أدى إلى تدفق ما لا يقل عن 8000 مهاجر، تمت إعادة معظمهم لاحقاً.
ونتيجة لتغير موقف إسبانيا، سيعيد المغرب سفيرته إلى مدريد، بينما استدعت الجزائر، وهي شريك استراتيجي لإسبانيا، باعتبارها المورد الرئيس للغاز إليها، سفيرها للتشاور.

تغير تاريخي

وكان رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، قال في رسالة رسمية موجهة للعاهل المغربي الملك محمد السادس إنه "يعترف بأهمية قضية الصحراء بالنسبة إلى المغرب"، بالتالي فإن إسبانيا تعتبر مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب في عام 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف"، مشيراً إلى "الجهود الجادة وذات الصدقية التي يبذلها المغرب في إطار الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى تسوية ترضي كل الأطراف". وبخصوص العلاقات المغربية - الإسبانية، أكد سانشيز أن "أواصر المحبة، والتاريخ، والجغرافيا، والمصالح، والصداقة المشتركة تجمع بين البلدين، بشكل وثيق"، معرباً عن يقينه بأن "الشعبين يجمعهما المصير ذاته أيضاً"، وأن "ازدهار المغرب مرتبط بازدهار إسبانيا والعكس صحيح"، مشدداً على أن هدف بلاده يتمثل في بناء علاقة جديدة، تقوم على "الشفافية والتواصل الدائم، والاحترام المتبادل والاتفاقيات الموقَّعة بين الطرفين والامتناع عن كل عمل أحادي الجانب".
من جانبها، أشارت وزارة الشؤون الخارجية المغربية إلى أن الرباط "تثمّن عالياً المواقف الإيجابية والالتزامات البناءة لإسبانيا بخصوص قضية الصحراء المغربية التي تضمنتها رسالة رئيس الوزراء الإسباني"، معتبرةً أنها "تتيح وضع تصور لخريطة طريق واضحة وطموحة بهدف الانخراط، بشكل مستدام، في شراكة ثنائية في إطار الأسس والمحددات الجديدة التي تمت الإشارة إليها في الخطاب الملكي في 20 أغسطس (آب) الماضي"، الذي دعا فيه إلى "تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة، في العلاقات بين البلدين، على أساس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل، والوفاء بالالتزامات".

توازنات جديدة

ويُرجع الباحث في العلاقات الدولية، هشام معتضد، "التغيير في الموقف الإسباني من قضية الصحراء إلى التوازنات الجيوسياسية الجديدة في المنطقة، بخاصة بعد الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية وافتتاح عديد من الدول تمثيلاتها الدبلوماسية في الصحراء"، موضحاً أن "التوجه الإسباني اعتمد أيضاً في إعادة حساباته الجيواستراتيجية وفي تبنيه الموقف الجديد تجاه ملف الصحراء، على الدور المغربي الريادي في المنطقة، ورغبته في الحفاظ على مصالحه الحيوية المشتركة مع المغرب، إاضافة إلى سعيه إلى كسب الرباط كشريك استراتيجي من أجل ضمان منصة جنوبية قادرة على تكريس التعاون في مختلف القطاعات، بخاصة تلك المتعلقة بالأمن والهجرة غير الشرعية".

تداعيات

في المقابل، أعلنت الجزائر وجبهة البوليساريو عن رفضهما الموقف الإسباني، فتم استدعاء السفير الجزائري من مدريد للتشاور، في حين اعتبر زعيم البوليساريو، إبراهيم غالي، موقف مدريد، "مؤسفاً ومخجلاً، لأنه غير قانوني وغير أخلاقي"، معتبراً أنه "انتهاك صارخ للشرعية الدولية"، ومعتبراً أن رئيس الوزراء الإسباني "يريد أن يعطي ما لا يملك لمَن لا يستحق. إن الدولة الإسبانية، بهذا الموقف، تعيد اجترار الخيانة التي ارتكبتها في عام 1975، حين قسمت، بغير حق وخارج القانون، الصحراء الغربية وشعبها، من خلال اتفاقية مدريد المشؤومة". وأضاف أن توجه سانشيز "رضوخ وخنوع مكشوف من طرف الدولة الإسبانية لحملات مغربية متتالية من الابتزاز والاستفزاز والضغط والتهديد، باستعمال الإرهاب والمخدرات والتدفق البشري عبر الهجرة غير الشرعية، والمكثفة، والعلنية والممنهجة، وهذا الرضوخ يتم، مع الأسف، من خلال استثمار جديد ومقزز في الخيانة، واستغلال انتهازي وبشع لمعاناة الشعب الصحراوي ولصموده ومقاومته".

أزمة دبلوماسية

وبذلك تكون إسبانيا فتحت أبواب أزمة دبلوماسية مع الجزائر، بعدما كانت دائماً تتبنى موقفاً محايداً بشأن قضية الصحراء، لا سيما أن مكالمة هاتفية كانت جرت قبل أسبوع بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس الحكومة الإسبانية، عبّر فيها الأخير عن ثقته بمتانة العلاقات مع الجزائر التي وصفها بأنها "شريك موثوق في مجال الطاقة"، إلى جانب تعامل مدريد بإيجابية كبيرة في ما يتعلق بتسليم مطلوبين للعدالة الجزائرية.
وجاء في بيان لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، إن "السلطات الجزائرية التي اندهشت من التصريحات التي صدرت عن أعلى السلطات الإسبانية بخصوص ملف الصحراء الغربية، وتفاجأت بهذا التحول المفاجئ لموقف القوة المديرة السابقة للصحراء الغربية، قد قررت استدعاء سفيرها في مدريد للتشاور بأثر فوري".


نضج أم ضغط

في السياق، هناك مَن يربط "الاندفاع الإسباني" في مسألة الصحراء، بزيارة نائبة وزير الخارجية الأميركي، ويندي شيرمان إلى مدريد والرباط والجزائر، التي رافقتها أنباء حول رفض جزائري لطلب أميركي بإعادة تشغيل خط أنابيب الغاز الذي يمر عبر المغرب باتجاه إسبانيا، وذلك على خلفية العلاقات المتوترة بين الجزائر والرباط.

تصدع في مدريد

وألقت الخطوة بظلالها في مدريد، وقالت المتحدثة باسم الحكومة الإسبانية، إيزابيل رودريغيز، إن علاقة بلادها ستبقى قوية مع الجزائر، باعتبارها "شريكاً استراتيجياً وموثوقاً، على الرغم من تغيّر الموقف بشأن قضية تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية"، مضيفة أن "وزير الخارجية يحافظ على تواصل سلس مع الجزائر... نحافظ على علاقة قوية مع الجزائر، وهذا أمر ضروري في ظروف عدم الاستقرار التي يعرفها العالم بسبب حرب بوتين، لأن هذه العلاقة القوية تعزز تفاهمنا حول خط أنابيب الغاز".
إلا أن نائبة رئيس الوزراء الإسباني، وزيرة العمل، يولاندا دياز، أبدت اعتراضاً ضمنياً على مواقف حكومتها، وقالت في تغريدة على "تويتر" "أجدد التزامي الدفاع عن الشعب الصحراوي وقرارات مجلس الأمن في هذا الشأن". وأضافت أنه " أي حل للنزاع يجب أن يمر عبر الحوار واحترام الإرادة الديمقراطية للشعب الصحراوي. سأستمر في العمل على ذلك".

الصحافة الإسبانية تحذر

"حكومة بيدرو سانشيز، غطت رأسها لكنها في الوقت ذاته كشفت عن قدميها"، هكذا وصفت صحف إسبانية دعم خطة الحكم الذاتي، مشيرةً إلى أن سانشيز، استسلم لـ "الابتزاز والضغط"، مبرزةً أنه "لن يكون من السهل على إسبانيا الحفاظ على تلك العلاقة المميزة مع الجزائر". وقالت إحدى الصحف إن "إسبانيا عالقة وسط الصراع بين الجزائر والمغرب"، موضحةً أنه "بنفس الطريقة التي استخدم بها المغرب صنبور الهجرة للضغط على إسبانيا، ستفعل الجزائر الشيء نفسه مع الغاز".
وتابعت الصحافة الإسبانية، أن "التغيير المفاجئ في موقف الحكومة الإسبانية تجاه الصراع في الصحراء الغربية يمكن أن يفتح جبهة ثانية في أزمة الطاقة، بعد تلك التي سببها الغزو الروسي لأوكرانيا"، مضيفة أنه "يعرض إمدادات الغاز الطبيعي للخطر في وقت معقد بالفعل، مع ارتفاع أسعار الغاز والنفط بسبب الأزمة الأوكرانية، وأشارت إلى أنه في عام 2021، كانت الجزائر أكبر مزود بالغاز لإسبانيا، حيث أرسلت 43 في المئة من إجمالي الاستهلاك".

المزيد من العالم العربي