تظهر مبيعات الأسلحة الصينية، والتدريب العسكري، والاستثمار في مشاريع البنية التحتية الأفريقية، تعزيزاً أكبر لموطئ قدم بكين في القارة السمراء على نحو متزايد، فوفقاً لتحليل جديد أجرته "جانيس"، وهي شركة معروفة بإصداراتها حول الأسلحة العالمية، هناك ما يقرب من 70 في المئة من 54 دولة في القارة الأفريقية تمتلك مركبات عسكرية مدرعة صينية، وما يقرب من 20 في المئة من جميع المركبات العسكرية في أفريقيا مستوردة من الصين. وتظهر الدراسة أيضاً زيادات حادة على مدار العقدين الماضيين في مبيعات المعدات العسكرية الصينية إلى أفريقيا، مقارنةً بالبائع التقليدي للقارة، وهي روسيا.
وتعتبر تنزانيا ونيجيريا والسودان والكاميرون وزيمبابوي وزامبيا والغابون والجزائر وناميبيا وغانا وإثيوبيا، من بين أكبر مستوردي المعدات المدرعة الصينية، وفقاً للدراسة، في حين أن هناك نحو 50 في المئة من المخزون العسكري في تنزانيا من أصل صيني، بينما تشكل المعدات الموردة من الولايات المتحدة نحو 11 في المئة. ويمثل العتاد الذي يعود إلى الحقبة السوفياتية، والكثير منه قديم، نحو 32 في المئة من إجمالي المخزون، الذي يشمل المركبات المدرعة والدبابات والطائرات.
وقال ديلان لي ليرك، كبير المحللين في "جانيس" لصحيفة "وول ستريت جورنال"، "من الواضح أن الاتجاه تصاعدي، وما تمنحه دبلوماسية مبيعات الأسلحة للصين له تأثير وقوة أكبر بكثير على تلك الدول الأفريقية"، مضيفاً، "إنها تبعية عسكرية".
القوة الناعمة للصين والنموذج الأميركي
تعتبر الولايات المتحدة الصين منافساً عالمياً في كل من القطاعين الاقتصادي والأمني، حيث توسع بكين نفوذها في جميع أنحاء العالم من خلال مجموعة متنوعة من الوسائل، بما في ذلك ما يسمى مبادرة الحزام والطريق، وهي حملة عالمية للاستثمار في البلدان، لا سيما في البنية الأساسية.
الأستاذة المساعدة للسياسة في جامعة "ويك فورست" في نورث كارولينا، لينا بن عبد الله، قالت للصحيفة، إن أفريقيا قد تجد نهج القوة الناعمة للصين أكثر جاذبية في بعض النواحي من النموذج الأميركي. وأضافت، "إن مبادرات القوة الناعمة الصينية تشمل تبادلات رفيعة المستوى عندما يسافر القادة الأفارقة إلى الصين لبناء شبكات عسكرية. وهذا يخلق حسن النية بين الكثيرين في أفريقيا، وحيث توجد قواعد صينية، كما هي الحال في جيبوتي، تحاول الشركات الصينية والمرافق الأخرى أن تكون جزءاً من المجتمع، وتقدم فائدة محلية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشارت إلى أن القاعدة الأميركية في جيبوتي مغلقة أمام السكان المحليين، مضيفة، "لن أقول إن هذه الدول قد تم استقطابها من قبل الصين، فالنموذج الصيني أكثر جاذبية بكثير، ويعتقد الناس أن هناك إبداء اهتمام بمزج هذه الصفقات التجارية مع الصفقات الأمنية حتى يحصل الجميع على شيء ما".
القيادة الأميركية في أفريقيا وتردد بايدن
من جانبها، حاولت إدارة بايدن تركيز مواردها العسكرية للتنافس مع الصين من خلال إخراج قدرات مثل المقاتلات النفاثة وأنظمة الدفاع الجوي والأفراد من الشرق الأوسط، حتى يمكن إعادة تموضعهم في آسيا، لكن المسؤولين الحكوميين يعتقدون أيضاً أن المنافسة مع الصين تعني أن على الولايات المتحدة وضع بعض هذه القدرات نفسها في أماكن أخرى حول العالم، مثل أفريقيا في وقت يتصارع فيه البنتاغون مع موقفه طويل الأمد في القارة بعد أن حاولت إدارة ترمب سحب القوات من أفريقيا في أعقاب حادثة مأساوي في النيجر، قتل فيها أربعة جنود بعد كمين مميت.
ويرابط نحو 6000 فرد عسكري مكلفين القيادة الأميركية في أفريقيا، وهي القيادة العسكرية التي تشرف على القارة، ويشمل ذلك العسكريين والمدنيين والمتعاقدين بالزي الرسمي، بحسب القيادة. كما تم تكليف نحو 3500 منهم بمعسكر ليمونير في جيبوتي. وقال مسؤول إن نحو 1300 عنصر إضافي تم تكليفهم بغرب أفريقيا، بما في ذلك النيجر وتشاد، لكن الجيش لم يكشف عن مكان تعيينهم لأسباب أمنية.
وكان وزير الدفاع الأميركي السابق مارك إسبر، الذي خدم في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، اقترح سحب القوات الأميركية من أفريقيا، لكن القرار لم يتم تنفيذه مطلقاً. وقبل أسابيع من مغادرته منصبه، سحب ترمب نحو 700 من القوات الخاصة الأميركية وقوات أخرى من الصومال، حيث كانوا يدربون القوات المحلية لمحاربة حركة الشباب، التابعة لتنظيم "القاعدة"، في حين لم يبت الرئيس بايدن بعد في طلب البنتاغون لإعادة قوات العمليات الخاصة إلى القواعد في البلاد.
نوايا الصين وقلق الأميركان
حتى مع انسحاب الولايات المتحدة من أفريقيا، يبدو أن الصين تعمل على تعزيز وجودها العسكري هناك، فيما أعرب مسؤولو الاستخبارات الأميركية عن قلقهم بشأن نوايا الصين إقامة أول وجود عسكري دائم لها في المحيط الأطلسي، في دولة غينيا الاستوائية الصغيرة الواقعة في وسط أفريقيا. وفي فبراير (شباط) الماضي، سافر وفد أميركي كبير إلى هناك للمساعدة في إقناع كبار المسؤولين بعدم السماح لبكين بإنشاء قاعدة في البلاد.
وعلى الساحل الشرقي لأفريقيا، كان المسؤولون العسكريون الأميركيون قلقين من وجود قاعدة صينية في جيبوتي بالقرب من معسكر ليمونير، حيث تنفذ الولايات المتحدة عمليات حساسة بطائرات من دون طيار وغيرها من العمليات. وكان مسؤولو البنتاغون اتهموا عملاء صينيين باستخدام الليزر ضد الطيارين العسكريين الأميركيين هناك.
استثمارات صينية ضخمة في البنية التحتية
بحسب تقرير للعهد الدولي للتنمية المستدامة (IISD)، استثمرت الصين ما قيمته 2.96 مليار دولار أميركي في أفريقيا العام الماضي، بزيادة 9.5 في المئة عن 2019. كما واصلت الصين الاستثمار بكثافة في جميع أنحاء أفريقيا طوال جائحة كورونا. ومع ذلك، فإن بعض الدول الأفريقية تعلق أو تدقق في العقود مع الشركات الصينية.
وبحسب المعهد، فقد أنشأت الصين 25 منطقة تعاون اقتصادي وتجاري في 16 دولة أفريقية، وواصلت الاستثمار بكثافة في جميع أنحاء القارة حتى في توقيت الجائحة، كما جذبت المناطق الأفريقية المسجلة لدى وزارة التجارة الصينية 623 شركة باستثمارات إجمالية قدرها 735 مليار دولار أميركي في نهاية 2020، وفقاً للتقرير السنوي للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وأفريقيا (2021).
وتعد الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا منذ 12 عاماً، على الرغم من انخفاض التجارة الثنائية بنسبة 10.5 في المئة إلى 187 مليار دولار أميركي في 2019. كما أنها رابع أكبر مستثمر في القارة بحسب تقرير المعهد.
وتستثمر الصين بكثافة في قطاع الخدمات الأفريقي. ويقول تقرير المعهد إن الاستثمار في القطاعات الفرعية، مثل البحث العلمي وخدمات التكنولوجيا والنقل والتخزين والخدمات البريدية تضاعف في 2020. ومع ذلك، فقد تراجعت تجارة الخدمات بين الشريكين بنسبة 20 في المئة العام الماضي إلى 8.66 مليار دولار أميركي.
وبلغ حجم مبيعات المشاريع المتعاقد عليها للشركات الصينية في أفريقيا 383.3 مليار دولار أميركي في عام 2020، بانخفاض 16.7 في المئة عن 2019. وكان هذا هو الانخفاض السنوي الخامس على التوالي، كما يقول التقرير، على الرغم من ارتفاع قيمة العقود الموقعة حديثاً للمشاريع الأفريقية بأكثر من 21 في المئة إلى 67.9 مليار دولار، "مما يشير إلى أن البلدان الأفريقية لا يزال لديها طلب كبير على البنية التحتية".