أثار تهديد زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، باستقالة نواب كتلته البالغ عددهم 73 نائباً في البرلمان، عديداً من التساؤلات حول الغاية التي تقف خلف هذا التهديد، خصوصاً مع استمرار تأزم المشهد السياسي في البلاد، منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات الأخيرة.
وتأتي هذه الخطوة بعد نحو 8 أشهر من الانسداد السياسي الذي تعيشه البلاد، في ظل التجاذبات بين الكتل الشيعية الرئيسة، واستمرار حلفاء طهران بالبرلمان العراقي في تعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية.
ويسعى "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية"، الذي يمثل الكتل البرلمانية الموالية لإيران، إلى دفع الصدر وحلفائه في "التحالف الثلاثي" إلى الرضوخ لاشتراطاتهم مقابل تحقيق نصاب جلسة انتخاب الرئيس.
ويشترط حلفاء طهران عودة المسار التوافقي السائد في البلاد، من خلال أن يمر انتخاب رئيس الوزراء المقبل من مظلة "البيت الشيعي" تحديداً، وهو الأمر الذي يرفضه التيار الصدري، ويستمر برفع شعار "حكومة الأغلبية الوطنية" من خلال التحالف الثلاثي الذي يضم "الكتلة الصدرية" وكتلة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" وتحالف "السيادة".
محاولة إرضاخ حلفاء إيران
يبدو أن استمرار الخلافات وعدم التوصل إلى حلول بين الأطراف المتنازعة، دفع زعيم التيار الصدري إلى استخدام آخر أوراقه من خلال التلويح باستقالة كتلته، إذ يرى مراقبون أن حديث الصدر عن الأسباب التي جعلته يعدل عن موقفه بمقاطعة الانتخابات الأخيرة تعطي انطباعاً بأن الاتفاق كان يفضي بأن تشكل الكتلة الفائزة في الانتخابات حكومة الأغلبية السياسية.
وقال الصدر في خطاب متلفز، "بالأمس دعونا لينصرونا، إذ ألحوا علي بالرجوع إلى الانتخابات بعد أن طوينا عنها كشحاً، ووقعوا بأقلامهم على ذلك. واليوم لا يريدون إلا التوافق وقد تراجعوا عن أقوالهم التي كانت لهم دعاية انتخابية بأن إصلاح البلد لن يكون إلا بحكومة أغلبية وطنية، لأن الأغلبية لنا لا لغيرنا".
ويقول الكاتب والصحافي العراقي، مصطفى ناصر، إن تحركات الصدر الأخيرة تمثل "محاولة إجبار الإطار التنسيقي على الرضوخ لاشتراطات التيار الصدري من خلال إعادة تدوير تجربة التلويح بمقاطعة الانتخابات الأخيرة"، مبيناً أنها ربما ستكون "آخر رصاصات التيار الصدري السياسية".
وبحسب ناصر، تضمن الاتفاق الذي عدل بموجبه الصدر عن موقفه بمقاطعة الانتخابات "ذهاب الكتلة الفائزة لتشكيل حكومة الأغلبية السياسية".
ولا يمكن قراءة موقف الصدر الأخير بوصفه "مجرد انسحاب" احتجاجاً على الانسداد السياسي، كما يعبر ناصر الذي يشير إلى أنه "يحمل تلويحاً واضحاً باستخدام الشارع ضد أطراف الإطار التنسيقي، وهو الأمر الذي ربما يدفع تلك الأطراف إلى إعادة حساباتها والتنازل لصالح التيار الصدري".
ويلفت ناصر إلى أن أي اتفاق مقبل بين تلك الأطراف سيتضمن "استبعاد الكتل التي لا يرغب الصدر بدخولها ضمن التحالف الحكومي المقبل، وعلى رأسها ائتلاف رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، مقابل إدخال بعض أطراف الإطار التنسيقي".
ويختم بأنه، في حال نجاح خطوة الصدر في إرغام الإطار التنسيقي على التنازل، فإن أي اتفاق "سيتطلب تنفيذه مدة طويلة قد تصل إلى حدود 6 أشهر".
ضغوط قصوى
لا تعد هذه المرة هي الأولى التي يلوح بها الصدر بالانسحاب من العملية السياسية في البلاد، إذ سبقتها عديد من التهديدات بهذا السياق كان آخرها اتخاذه قراراً بعدم الاشتراك في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في يوليو (تموز) 2021، إلا أنه عاد ليشترك بعد اتفاق لم تعلن بنوده بينه وبين بقية أطراف البيت الشيعي.
ويرى رئيس مركز "التفكير السياسي"، إحسان الشمري، أن "إعادة الانتخابات قد تكون واحدة من المخارج للأزمة الحالية، خصوصاً مع تمسك جميع الكتل باشتراطاتها، وهو ما قد يدفع بمشروع إعادة الانتخابات إلى الواجهة من جديد كمخرج وحيد للأزمة".
ويضيف في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن دعوة الصدر نوابه للاستقالة تندرج ضمن إطار "الضغوط القصوى"، مستبعداً جدية تلك الدعوة، خصوصاً مع سلسلة طويلة من التلويحات السابقة التي أطلقها التيار الصدري ولم ينفذها.
ويبدو أن الغاية الرئيسة من تلويح الصدر الأخير تتمثل في "توجيه رسالة للجمهور بأنه غير معني بالفراغ الدستوري والارتباك السياسي الحاصل"، بحسب الشمري الذي يلفت إلى أن استمرار الفراغ الدستوري "قد يدفع باتجاه تحرك جديد للشارع".
ولعل استخدام مفردة "المعارضة" من قبل الصدر يشير إلى أن تلويحه يندرج ضمن محاولات "تسليط الضغوط على خصومه"، كما يعبر الشمري الذي يضيف قائلاً، "المعارضة لا يمكن ممارستها من دون حضور برلماني، إلا في حال اعتماد التيار الصدري المعارضة الشعبية وهو ما قد يؤدي إلى مسار آخر".
ويتابع أنه، "في حال تنفيذ التيار الصدري لهذا التلويح فالشارع العراقي مهيأ لتأييد أي تظاهرات ضد الطبقة السياسية بشكل عام"، مشيراً إلى أن هذا السيناريو يتطلب أولاً "إعادة ترميم العلاقة بين التيار الصدري والقوى المدنية ووضع آلية جديدة للحراك الشعبي".
ويختم بأن، "أي استخدام للشارع لن يكون منتجاً في حال اعتماد التيار الصدري على جمهوره فقط، ولذلك فإن التحول نحو تلك الخطوة يتطلب إعادة مد الجسور من جديد مع القوى المدنية الصاعدة فضلاً عن قوى احتجاجات تشرين".
موقف ثابت من الأغلبية السياسية
يبدو أن القواعد التي كانت تتحكم بعلاقة الأطراف الشيعية داخل "جدران البيت الشيعي" قد انهارت، مع استمرار إصرار الصدر على موقفه من حكومة "الأغلبية الوطنية"، وهو الأمر الذي ربما يجعل احتمالات التصعيد قائمة في حال استمرار تأخر حسم ملف الحكومة المقبلة.
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية، هيثم الهيتي، أن عدم توصل الصدر إلى نتائج بعد ممارسته كل أنواع الضغوط على خصومه هو الذي دفعه إلى استخدام آخر أوراق الضغط من خلال التلويح بالانسحاب من البرلمان العراقي.
ويرجح الهيتي أن يتحول تلويح الصدر الأخير إلى "حالة جدية" إذا استمر استحكام الانسداد السياسي على الواقع العراقي، مبيناً أن خطاب الصدر الأخير مثّل "تجديداً لثبات موقفه من الأغلبية ومغادرة فكرة التوافق مرة أخرى".
ويشير الهيتي إلى أن تحول تهديد الصدر إلى فعل سيدفع البلاد نحو مسارين محتملين، إما "إعادة الانتخابات أو أن يكون الشارع هو الحكم في حسم ملف شكل السلطة في البلاد".
وفي حال استقالة نواب "الكتلة الصدرية"، تشير تقديرات مراقبين إلى أن قرابة نصف المقاعد ستذهب إلى كتل ضمن "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، يشير رئيس مركز "كلواذا" للأبحاث، باسل حسين، إلى أن "تذكير الصدر بالاتفاقات مع شركائه السياسيين يشي بأن ثمة نكوصاً منهم في تنفيذ التزاماتهم التي دفعت الصدر إلى العدول عن موقفه من مقاطعة الانتخابات".
ويرى حسين أن ما دفع الصدر لاتخاذ موقف كهذا في هذا التوقيت يرتبط بـ"تشريع قانون الأمن الغذائي، وهو الأمر الذي جعله يشعر بموقف تفاوضي أعلى".
ويضيف، أن دعوة الصدر تمثل "رسالة تحذيرية مضمرة للمحكمة الاتحادية وأطراف الإطار التنسيقي في حالة الطعن في قانون الدعم الغذائي والتنمية".
ويعتقد حسين، أنه في حال تنفيذ الصدر تلويحه باستقالة نواب "الكتلة الصدرية"، "سيعمد إلى استخدام ورقة الشارع التي يجيدها على نحو كبير، بوصفه الطرف السياسي الوحيد القادر على تحشيد الجمهور بفاعلية كبيرة".