"باب شرقي" من أبواب دمشق الأصلية، حيث يقع بالجهة الشرقية من المدينة القديمة وينتهي عند الشارع المستقيم الواصل بينه وبين باب الجابية، وتتفق معظم المراجع على أنه بني خلال القرنين الثاني والثالث الميلادي في عهد سبتيموس سيفيروس وكركلا على أنقاض باب يوناني قديم، وهو الباب الوحيد الذي لا يزال يحتفظ بطراز عمارته الرومانية حتى اليوم.
يتألف الباب من ثلاث أروقة مسقوفة تقابلها ثلاثة أبواب، واحد كبير في الوسط واثنان جانبيان أصغر حجماً، وتحملها أعمدة كورنثية الطراز، لكن سُد الباب الكبير ومعه الباب الصغير الجنوبي خلال العصر الإسلامي ليبقى الشمالي فقط.
وشهد الباب أحداثاً تاريخية عدة، إذ تعود شهرته إلى أيام الفتح العربي الإسلامي لدمشق سنة 14 هجرية، فقد عبره المسلمون لتحرير دمشق بعد حصار المدينة عندما طوقت جيوش المسلمين أبواب دمشق بقيادة خالد ابن الوليد الذي ضرب خيمه عند الباب واستمرت المناوشات والمبارزات بين العرب والروم أربعة أشهر قبل اقتحامه.
كما أنه الباب الوحيد الذي فتح بالسيف، ويحكى في إحدى الروايات أن جيش خالد بن الوليد دخل دمشق حرباً من الباب الشرقي في آخر الشارع المستقيم، بينما دخلها أبو عبيدة بن الجراح صلحاً من باب الجابية الواقع في أول الشارع، والتقى الجناحان في منتصف الشارع، أي في منتصف المدينة.
جامع ومئذنة
وقد رممه نور الدين الزنكي مع بقية أبوب دمشق وسورها وبنى عليه مئذنة ومسجداً صغيراً وأقام أمامه باشورة، ويعتقد أن نور الدين سد الفتحتين الوسطى والجنوبية لأسباب دفاعية، كما رممه الأيوبيون من بعده، وجددت مئذنته في العهد العثماني.
اهتم نور الدين بأبواب دمشق لغرضين، أولهما حربي دفاعي فجعل لكل باب مسجداً صغيراً وأقام فوقه منارة بهدف المراقبة من مكان مرتفع إبان الحملات الصليبية، والآخر اقتصادي لتنشيط الحركة التجارية، فأنشأ إلى جانبه باشورة لتسهيل حاجات الناس، والباشورة طريق منعرج متصل بالباب من خارجه وله بوابة ضخمة متينة، ويظهر في صور قديمة وجود باشورتين أمام الباب الشمالي للباب الشرقي، الأولى داخلية مجاورة للباب بناها نور الدين، والثانية خارجية مجاورة للباشورة الداخلية ويعتقد أنها بنيت على يد الملك الصالح أيوب.
الكواكب السبعة وأبواب المدينة
وكان يطلق عليه في زمن السلجوقيين والرومان "باب الشمس"، والشمس يمثلها في الإغريقية "هليوس" وهو الإله الأكبر عند اليونان، ويقابله عند الرومان إله الشمس "سول"، وسبب تسميته بـ "باب الشمس" يرجع إلى أن الشمس تشرق عليه قبل غيره من الأبواب، فاليونان القدماء ربطوا كل باب من أبواب دمشق السبعة بكوكب من كواكب السماء السابعة اللامعة، وتبعهم الرومان في ذلك، فخصص الباب الشرقي للشمس.
ويقول ابن عساكر إنه رُسم فوق قوس تاج الباب نقش نافر على حجر عبارة عن صورة لقرص الشمس تنبعث منه أشعة النور، واستمر وجوده طوال القرون الأولى الميلادية، وهو رمز مرتبط بالإله الإغريقي "هيليوس" راكباً على عربة تجرها أربعة خيول وحول رأسه هالة مستديرة تنبعث منها حزم من النور.
كما أطلق عليه باب الساعات (انتقلت إليه هذه التسمية من الباب الجنوبي للجامع الأموي) وباب اللبادين وباب جيرون وباب النوفرة وباب القيمرية وباب المنارة الشرقية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الشارع المستقيم
وبنى الرومان الشارع المستقيم الذي ينتهي عنده "باب شرقي" خلال القرن الأول قبل الميلاد كشارع رئيس في قلب المدينة القديمة ليقسمها إلى قسمين شمالي وجنوبي، فهو يمتد من باب الجابية غرباً إلى باب شرقي شرقاً بطول 1500 متر، وبدرجة استقامته العالية التي لا يشوبها أي اعوجاج، وهذا هو سبب تسميته بالشارع المستقيم، كما سمي على المستوى الشعبي باسم السوق الطويل، ويطلق في الوقت الحالي على قسمه الثاني من جهة الغرب اسم سوق مدحت باشا، وهو أطول أسواق دمشق القديمة.
ويأخذ الشارع شكل رواق مغطى بسقف مرفوع على أعمدة تعلوها التيجان، ويقسم اليوم إلى قسمين، الأول يسمى "سوق مدحت باشا" ويمتد من باب الجابية غرباً حتى قوس النصر، وهو مغطى في معظمه بسقف معدني، والقسم الثاني يمتد من قوس النصر حتى باب شرقي، وعليه يطلق "باب شرقي"، وهو غير مغطى.
منطقة حيوية
يقع الشارع في منطقة حيوية تمتد على جنباتها نقاط أثرية ذات تاريخ عريق، وتحيط به أسواق دمشق الشهيرة بمحالها ذات الطابع التراثي وكنائسها العريقة، إذ تشكل ثلاثة من أقدم كنائس دمشق، كنيسة الزيتون "كاتدرائية سيدة النياح" وكنيسة حنانيا وكنيسة مريم "الكاتدرائية المريمية"، بشكل مثلث متساوي الأضلاع تقريباً، تتموضع كل منها على زاوية ليتموضع الباب في منتصف وأسفل قاعدة المثلث، كما تنتظم المحال والأبنية على طوله وتتفرع منه شوارع جانبية تقسم المدينة إلى رقع شطرنجية، وكان زاخراً بالتماثيل والقطع المعمارية المميزة للطراز الروماني من أقواس وأعمدة وغيرها.
وورد ذكر الشارع في الكتاب المقدس في سفر أعمال الرسل باسم "الزقاق المستقيم"، وهو الطريق الذي سلكه القديس بولس الرسول الذي كان واحداً من المبشرين الأوائل بالمسيحية في العالم القديم وفي أوروبا وإيطاليا بخاصة، حتى وصل إلى كنيسة حنانيا ثم كنيسة باب كيسان وارتبط اسمه برواية تتحدث عن إرسال يسوع لحنانيا إلى دمشق لاستعادة بصر شاول (أو القديس بولس)، كما جاء في سفر أعمال الرسل (9:11)، "اذهب إلى الشارع المعروف بالمستقيم واسأل في بيت يهوذا عن رجل من طرسوس اسمه شاول. إنه يصلي هناك الآن".