في سياق الضغوط المتنامية التي تواجهها ميليشيات الحوثي داخلياً وخارجياً وظهور خلافات برزت أخيراً، داخل أجنحتها، احتج عدد ممن بقي من أعضاء مجلس النواب في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة المدعومة من إيران بتنفيذ اعتصام مفتوح داخل مقر البرلمان.
وقال البرلماني اليمني أحمد سيف حاشد، إن 13 نائباً بدأوا الاعتصام داخل مجلس النواب احتجاجاً على فساد قيادات ميليشيات الحوثي وقضايا أخرى مرتبطة بفساد في المجلس وعدم إنزال المجلس تقارير الحسابات للسنوات الخمس الماضية إلى القاعة لمناقشتها، وصرف مستحقات الأعضاء المتوفين.
وأوضح حاشد في منشور له على صفحته على "فيسبوك" أن النواب المعتصمين هم "أحمد سيف حاشد، خالد مجود الصعدي، علي محمد الزنم، فيصل عريج، محمد عبد الله أهيف، حسين قاصرة، مختار أبو راس، أحمد الضبيبي، خالد عبد الباري جيلان، علي هبة منصري، عبد العزيز قاسم الجنيد، أحمد عبد الرب الدخين، وبسام علي الشاطر".
وكانت هيئة رئاسة المجلس وأمانته العامة الموالية للميليشيات قد هددت بتنزيل مرتبات الأعضاء الجدد، على خلفية استمرار المطالبات بإنزال الحسابات الختامية للنقاش في قاعة المجلس.
وبدأ الاعتصام، الأحد، بمشاركة أربعة أعضاء في مجلس النواب، في قاعة البرلمان قبل أن يتم رفعه بعد ساعتين إثر تدخل نائب رئيس مجلس النواب في صنعاء عبد الرحمن الجماعي الذي وعد بمناقشة المطالب في جلسة أمس الاثنين.
وأعاد النواب اعتصامهم، ولكن هذه المرة بعدد أكبر، بعد رفض رئاسة البرلمان مطالب النواب، فيما يتوقع مراقبون أن يتم رفع الاعتصام بالقوة من قبل ميليشيات الحوثي التي سبق وانتهجت القوة في مرات سابقة وأشهرها خلال الانتخابات الداخلية التي جرت لهيئة رئاسة المجلس عندما خسر أحد قادتها مقعد نائب رئيس البرلمان، لتباشر بالقوة فض جلسة إعلان الهيئة الجديدة.
وسبق للنائب المستقل أحمد حاشد، أن تبنى مواقف مناهضة للممارسات الحوثية، خصوصاً ما يتعلق بالسجناء والمعتقلين الذين يملؤون السجون الحوثية من خلال اعتصامات مماثلة داخل البرلمان وإضرابه عن الطعام وتلقيه سلسلة من التهديدات بالتصفية قال في منشورات وتغريدات له على مواقع التواصل، إنها من أجهزة الحوثي الأمنية.
كما سبق وأعلن بمعية زميله في البرلمان عبده بشر، اعتزامهما التحرك ضد الحوثيين وإسقاط سلطتها من الداخل، وسط اتهامات لهما بتلقي الدعم والمساندة من المؤتمر الشعبي جناح الرئيس السابق علي عبد الله صالح بقيادة نجله أحمد علي.
وعقب إطاحتهم شريكهم، الرئيس اليمني الأسبق علي صالح وقتله في ديسمبر (كانون الأول) 2017، تفرد الحوثيون بالسلطة إلا أن تقارير محلية ودولية تحدثت عن صراع قوي يدور داخل أجنحة الميليشيات، لم يستبعد بروز تصفيات داخل أجنحتها، فيما تدعم أجنحة الاحتجاجات الشعبية المتنامية ضد أخرى التي من بينها حالة الانقسامات التي يشهدها مجلس النواب الذي لم يبلغ نصابه القانوني بعد مغادرة غالبية الأعضاء إلى مناطق انعقاده في المناطق التابعة للحكومة الشرعية.
8 أفراد و11 كياناً حوثياً
من جهة أخرى، وفي إطار حالة التأثر المباشر بالقضية اليمنية وما يعتمل في البلد الجار منذ ثماني سنوات، أعلنت رئاسة أمن الدولة السعودية، أمس، تصنيف 8 أفراد، و11 كياناً لارتباطها بأنشطة داعمة لميليشيات الحوثي، مشيرة إلى أن هذا التصنيف يستند لنظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله، الذي يستهدف من يقدمون الدعم للإرهابيين أو الأعمال الإرهابية.
وقالت رئاسة أمن الدولة في السعودية في بيان، إن "القرار يأتي إلحاقاً لتصنيف ميليشيات الحوثي كمنظمة إرهابية، في البيان الصادر عن وزارة الداخلية بالمملكة في أبريل (نيسان) 2014".
مسعى دبلوماسي جديد
وعلى صعيد الجهود الدبلوماسية الرامية لوضع حد للحرب الدائرة التي تشهدها اليمن، قال مصدران مطلعان، إن محادثات مباشرة بين السعودية وجماعة الحوثي استؤنفت لمناقشة الأمن على طول حدود المملكة والعلاقات المستقبلية في إطار أي اتفاق سلام مع اليمن.
ونقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين قولهما، إن سلطنة عمان تسهل المحادثات عبر الإنترنت، بين كبار المسؤولين من السعودية والحوثيين. أضاف أحدهما أن ثمة خططاً أيضاً لاجتماع مباشر في مسقط إذا أحرز تقدم كاف.
وكانت المفاوضات، المتقطعة حتى الآن، قد استؤنفت بين الجانبين في الشهر الماضي، قبل تجديد هدنة بوساطة الأمم المتحدة شهرين إضافيين، في الثاني من يونيو (حزيران) الحالي.
وذكر المصدران أن مسؤولين من السعودية وجماعة الحوثي ناقشا اتفاق سلام شامل ينهي الحرب في اليمن إضافة إلى اتفاق طويل المدى لأمن البلدين الجارين وما يتعلق بترسانة الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة المسلحة المستخدمة لتنفيذ هجمات على مواقع سعودية.
وعد مراقبون استئناف المحادثات مؤشراً إيجابياً على الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة والولايات المتحدة من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للحرب الدامية التي أودت بحياة عشرات الآلاف، ودفعت اليمن إلى شفا المجاعة وخلفت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية على مستوى العالم.
جهود السلام
في غضون ذلك، يحاول مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، إقناع قادة الحوثيين بفتح المعابر والطرقات المؤدية من وإلى محافظة تعز (جنوب غربي اليمن) وسحب قواتهم من طريق رئيس واحد على الأقل في مدينة تعز المتنازع عليها بعيد تجدد الهدنة الإنسانية لشهرين إضافيين وإعادة فتح طريق الحوبان، كأحد الشروط التي حددتها الحكومة اليمنية لتجديد الهدنة إلا أن الحوثيين يمانعون حتى الآن، قائلين إن هذا الطريق إحدى جبهات القتال، وإن إعادة نشر القوات ليس جزءاً من اتفاق الهدنة.
وهو ما دفع وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني إلى القول، إن الأحداث التي شهدتها اليمن منذ سريان الهدنة أكدت أن ميليشيات الحوثي هي من تقف حجر عثرة أمام جهود التهدئة وإحلال السلام، وتحاصر المدنيين، وتنهب الإيرادات لصالحها بدل توجيهها لدفع مرتبات الموظفين، وتتخذ من الملف الإنساني مادة للتضليل والابتزاز والمساومة".
وأشار الوزير اليمني إلى أن الحكومة شرعت منذ اللحظة الأولى لإعلان سريان الهدنة الأممية بتنفيذ جميع التزاماتها الواردة في إعلان الهدنة، فأوقفت إطلاق النار بمختلف الجبهات، وسهلت وصول سفن المشتقات النفطية لميناء الحديدة، وإعادة تشغيل مطار صنعاء وقدمت كثيراً من التنازلات في سبيل تحقيق ذلك، حرصاً منها على رفع المعاناة عن كاهل اليمنيين.
قلق دولي واسع
وفي حين أعربت 8 دول في مجلس الأمن الدولي عن قلقها إزاء الآثار الإنسانية الخطيرة "لرفض ميليشيات الحوثي فتح الطرقات ورفع الحصار عن تعز"، أعلن الجيش اليمني، اليوم الأربعاء، ارتكاب الميليشيات في محافظة تعز 2292 خرقاً للهدنة، وقتل 8 جنود وجرح 62 آخرين حتى أمس (الثلاثاء).
وطالبت كل من "ألبانيا، والبرازيل، وإيرلندا، وكينيا، والمكسيك، والنرويج، والإمارات، وبريطانيا" في بيان مشترك الليلة الماضية ميليشيات الحوثي بالتصرف بمرونة وفتح الطرق الرئيسة على الفور، مرحبين بتمديد الهدنة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال البيان: "ندرك أن الهدنة قد خففت بعض المعاناة الإنسانية التي يواجهها عديد من النساء والفتيات في اليمن، من خلال تحسين حرية حركة الأشخاص والبضائع، وتقليل الخسائر في صفوف المدنيين، لكننا نعرب عن القلق بشأن الأثر الإنساني الخطير لإغلاق الطرق المستمر حول تعز، وندعو الحوثيين إلى التصرف بمرونة في المفاوضات وفتح الطرق الرئيسة على الفور".
وأشار إلى أن النساء والفتيات تضررن بشكل غير متناسب من أكثر من 7 سنوات من الصراع، ما أدى إلى تفاقم عدم المساواة التي تواجهها النساء والفتيات في البلاد.
الالتزام فوراً
وفي سياق الضغط الدولي على الجماعة المتحالفة مع إيران، طالبت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد، الثلاثاء، جماعة الحوثي اليمنية بإظهار التزامهم بالهدنة الإنسانية عبر فتح الطرق المؤدية لمدينة تعز "فوراً".
ودعت خلال جلسة لمجلس الأمن، الأطراف اليمنية إلى "احترام مسؤولياتها وذلك بموجب الهدنة الإنسانية"، مشيرة إلى أن "الحكومة اليمنية أظهرت قدراً مهماً من المرونة في تيسير وصول الوقود إلى الحديدة واستئناف الرحلات الجوية من صنعاء إلى القاهرة وعمان".
وطالبت السفيرة الأميركية الحوثيين بـ"إظهار التزامهم من خلال فتح الطرق إلى مدينة تعز فوراً بهدف تخفيف معاناة آلاف اليمنيين"، مضيفة أن "البناء على التقدم المحرز في اليمن سيكون محوراً في زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة".
جرينفيلد ثمنت "جهود السعودية والأردن ومصر في محاولتها لتثبيت الهدنة والاستمرار في تقديم الدعم الدولي والإقليمي، وهو أمر مهم بالنسبة للأمم المتحدة".
بانتظار رد الميليشيات
كان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ دعا الحوثيين إلى الاستجابة من دون تأخير لمقترحات الأمم المتحدة بشأن فتح طرق تعز المغلقة منذ سبع سنوات، وذلك في إحاطته إلى مجلس الأمن الليلة الماضية قائلاً، "بعد جولتين من المداولات الصريحة والبناءة حول وجهات النظر والخيارات التي اقترحها كل جانب، قدمت للأطراف مقترحاً لفتح الطرق على مراحل تضمن فتح طريق رئيس من مدينة تعز إلى منطقة الحوبان شرق المدينة إضافة إلى طرق إضافية في تعز ومحافظات أخرى، وتضمن المقترح أيضاً عناصر لآلية تنفيذ والتزامات سلامة المسافرين المدنيين ولقد شجعتني الاستجابة الإيجابية لحكومة اليمن تجاه مقترح الأمم المتحدة، إلا أنني ما زلت أنتظر الرد الحوثي".
ويفرض الحوثيون حصاراً خانقاً على مدينة تعز (مركز محافظة تحمل الاسم ذاته)، التي تسيطر الحكومة الشرعية على معظمها، منذ اندلاع الحرب في 2015، وتمنع قوافل الإغاثة الإنسانية من الوصول إلى السكان والمتضررين من الحرب، وهو ما تنفيه الجماعة.