ولّدت الأزمة السياسية في ليبيا أزمات مزمنة في أكثر من قطاع خدمي، خصوصاً الكهرباء والطاقة، وأشعلت نفوس الليبيين حنقاً وغضباً على الحال الذي انحدرت إليه بلادهم، ما دفع المئات من سكان طرابلس إلى التظاهر احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية إلى درجة فاقت قدرتهم على تحمل تبعات صراعات السياسيين وطلاب السلطة.
وفي محاولة لامتصاص غضب الشارع، الذي اقترب من درجة الغليان، اتخذت "حكومة الوحدة" المؤقتة التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، التي لا تزال ترفض تسليم مقاليد السلطة للحكومة الجديدة برئاسة فتحي باشاغا، جملة قرارات وأطلقت حزمة وعود لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أهمها تغيير مجلس إدارة الشركة الوطنية للكهرباء بالكامل، بعد فشله الذريع في تحسين وضع الشبكة العامة وتقليل ساعات انقطاع التيار عن منازل المواطنين.
وتزامناً مع تعقد الأزمة الليبية وانعدام الحلول السياسية القادرة على تغيير الأوضاع المتردية في البلاد، واصل مجلس الأمن الدولي عقد جلساته لمناقشة الملف الليبي، الاثنين 27 يونيو (حزيران) الحالي، والتي لم تتمخض مثل سابقاتها سوى عن دعوات للحوار وتلويح بعقوبات على المعرقلين له، لا تُطبَق فعلياً ولا تردع المخالفين للقرارات الدولية.
غضب سكان العاصمة
وجاب متظاهرون غاضبون عدداً من شوارع العاصمة الليبية، احتجاجاً على الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي مع ارتفاع درجة الحرارة التي تجاوزت الـ 40 درجة مئوية. وبيّنت مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، مئات المتظاهرين في شوارع المدينة وهم يرددون هتافات غاضبة إزاء تردي أوضاع الخدمات العامة للدولة وتردي المستوى المعيشي للمواطنين. وأظهرت هذه المقاطع محتجين وهم يحرقون إطارات السيارات ويغلقون عدداً من الشوارع احتجاجاً على انقطاع الكهرباء، حيث تشهد كل مناطق البلاد، شرقاً وغرباً وجنوباً، انقطاع الكهرباء لساعات طويلة تصل إلى 20 ساعة متواصلة.
تغيير إدارة قطاع الكهرباء
وتفاقمت أزمة الكهرباء في ليبيا، في الأيام الماضية، مع وصول ساعات انقطاع التيار في طرابلس وبنغازي وأغلب المدن الأخرى إلى معدلات قياسية، تراوحت ما بين 10 ساعات و20 ساعة متواصلة أو متقطعة. وتسببت هذه الزيادة القياسية في ساعات انقطاع التيار الكهربائي بغضب شعبي كبير، ودعوات إلى الخروج في تظاهرات احتجاجية على تردي الخدمات العامة، ما دفع الدبيبة إلى إصدار قرار بوقف مجلس إدارة شركة الكهرباء وإحالته إلى التحقيق.
وبحسب قرار الدبيبة، تم تعيين مدير شركة الخدمات العامة، محمد إسماعيل، مديراً عاماً مؤقتاً لشركة الكهرباء، على أن يعمل إسماعيل في إدارة الشركة تحت الإشراف المباشر لرئيس الوزراء.
ونصّ القرار على "تشكيل لجنة تحقيق من وزير الحكم المحلي وعضو إدارة الشؤون القانونية بمجلس الوزراء وعضو عن الجمعية العمومية للشركة في أسباب أزمة انقطاع الطاقة الكهربائية، وتأخر الشركة في إدخال بعض المحطات الجديدة على الشبكة العامة، وفق المواعيد المحددة والمعتمدة من مجلس الإدارة السابق".
ويشمل التحقيق "استخدام المبالغ المخصَصة للشركة خلال عام 2021 لحل أزمة الطاقة الكهربائية، في ظل عدم وجود ما يقابلها من نتائج، وكذلك التحقيق في عدم استكمال الإجراءات التعاقدية لمشروعات الصيانة الدورية والوقائية والمشروعات الجديدة".
رفض الإقالة
في المقابل، يبدو أن رئيس المؤسسة العامة للكهرباء، وئام العبدلي، لم يقبل بقرار الإقالة الصادر عن الدبيبة، حيث واصل عمله بشكل طبيعي، بل وأعلن التعاقد مع شركة عربية لتطوير قطاع الطاقة في ليبيا. كما تنصل من المسؤولية عن تردي أداء القطاع في الفترة الأخيرة، قائلاً إن "مشكلة الكهرباء وازدياد طرح الأحمال أمر خارج عن إرادة الشركة".
وأرجع العبدلي سبب الفقد الكبير من القدرات الكهربائية، إلى "عدم توافر الغاز الطبيعي المصاحب لعملية استخراج النفط"، الذي يعتبر بمثابة الوقود لعدد كبير من محطات التوليد".
وأوضح أن "استمرار عدم توافر الغاز، جعل الشركة تفقد قدرات كهربائية بقيمة 1000 ميغاوات، وهذا رقم كبير جداً في الشبكة". وأشار إلى أن "كافة العاملين في الشركة يبذلون مجهودات كبيرة للسيطرة على الوضع، ولكن في ظل استمرار غياب الغاز لا يوجد حل".
وتوقع رئيس المؤسسة العامة للكهرباء المُقال، "تفاقم المشكلة بشكل كبير وزيادة عدد ساعات الأحمال إذا استمر إغلاق النفط وانقطاع الغاز عن محطات التوليد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خبرات قليلة
أما المدير العام المؤقت للشركة العامة للكهرباء المعيَّن حديثاً، محمد بن إسماعيل، ففاجأ الجميع باعترافه بعدم امتلاك الخبرة الكافية في مجال الكهرباء، بقوله "ليس لدي خبرة في مجال الكهرباء، ولكن لدي خبرة إدارة الأزمات، ومن الممكن أن أحقق شيئاً ملموساً في هذا الجانب، على الرغم من كوني لست بمدير عام للشركة أو مدير محطة أو مسؤول، فهذا المجال له مختصين من مهندسين وفنيين لهم خبرات لعشرات السنين، هي التي ستعمل على تحسين إنتاج الكهرباء في ليبيا وأنا رجل إداري ولفترة مؤقتة". وأضاف "في هذا الوقت كل المشكلات واضحة للمواطن، توجد مشكلات تعاني منها الشركة وخارجة عن إرادة الدولة والحكومة مثل تذبذب الغاز، وكذلك المشكلات الأمنية وتهالك البنية التحتية، وهي مشكلة كبيرة ولا يوجد شخص يمكنه أن يحلها بين ليلة وضحاها".
العودة لـ"القوة القاهرة"
ومع ربط أطراف كثيرة، على رأسها الحكومة في طرابلس، أسباب تفاقم أزمة الكهرباء بتوقف إمدادات النفط والغاز في الموانئ والحقول بوسط البلاد، هدد رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، بـ "إعلان حالة القوة القاهرة خلال الـ 72 الساعة المقبلة، ما لم يتم استئناف الإنتاج والشحن في الموانئ النفطية في خليج سرت"، داعياً "جميع الأطراف إلى اعتماد الحكمة وتغليب مصلحة البلاد والسماح بتدفق النفط وعدم الانجرار وراء دعوات التصعيد".
وقال صنع الله، في بيان نُشر على الموقع الرسمي للمؤسسة، "نحن أمام واقع يتكرر، فهناك إغلاقات في منطقة خليج سرت، وهناك مَن يحاول شيطنة قطاع النفط في طرابلس، ولكننا لن نقف مكتوفي الأيدي بل سنتصدى وفق الأطر القانونية" .
مباحثات مع مجموعات مسلحة في طرابلس
في الشأن السياسي، فجر رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب، فتحي باشاغا، مفاجأة كبيرة بحديثه عن اتصالات مع مجموعات مسلحة في طرابلس، لتسهيل مباشرة حكومته مهماتها من العاصمة. وصرح أن "الحكومة المكلفة أتت للبناء والإصلاح والانتخابات وليست مسؤولة عن ملاحقة شخص، لكن المسؤول هو السلطات القضائية والنيابية".
وقال باشاغا، في حوار مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، "نتفاوض الآن مع مجموعة مسلحة أو مجموعتين في طرابلس للانضمام إلى الحكومة والمشاركة، وهم يعرفون أن الحكومة آتية آتية". وأضاف، "طلبنا من قادة كتائب ونخب سياسية الانضمام إلينا والمشاركة والاندماج. طريقنا يجب أن يكون طريق الدولة وليس طريق الميليشيات أو القوى الموازية أو الفساد".
وبيّن باشاغا أنه "لمس لدى قادة هذه الكتائب مخاوف من الملاحقات"، وعلّق على ذلك قائلاً "لم نأت لتصفية حسابات، والحكومة ليست مسؤولة عن ملاحقة شخص، بل جاءت للبناء والإصلاح والانتخابات، والمسؤول عن محاسبة أي شخص مهما كانت صفته هو السلطات القضائية والنيابية، ولا بد من المصالحة التي تشمل جبر الضرر والتعويض الذي هو حق شخصي للأشخاص المتضررين".