في تحول واضح عن موقف الولايات المتحدة وحلف "الناتو"، منذ اندلاع حرب أوكرانيا، كشف رئيس أركان القوات الجوية الأميركية الجنرال سي كيو براون عن مناقشات تجري الآن لتزويد القوات الجوية الأوكرانية بطائرات حربية غربية، وهو ما يعد تطوراً مهماً قد يغير كثيراً في ساحات القتال المستمرة منذ فبراير (شباط) الماضي، فمتى يمكن أن يحدث ذلك، وما تأثيره على مسار الحرب، وكيف ستتفاعل موسكو مع هذا التطور؟
حسابات متغيرة
في مارس (آذار) الماضي، عارضت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مقترحات بولندية وأوروبية بمبادلة طائرات بولندية قديمة من طراز "ميغ-29" تعود إلى زمن الحرب الباردة بعدد من طائرات "أف-16" الأميركية، وإرسال طائرات "ميغ" إلى أوكرانيا حيث يعرف الطيارون الأوكرانيون كيفية تشغيلها والقتال بها، وكان سبب الاعتراض الأميركي ورفض البنتاغون الخطة البولندية أن الاستخبارات الأميركية اعتقدت أن نقل هكذا مقاتلات إلى أوكرانيا قد يظن عن طريق الخطأ أنه إجراء تصعيدي قد يؤدي إلى رد فعل روسي كبير من شأنه أن يزيد من احتمالات التصعيد العسكري مع حلف شمال الأطلسي "الناتو".
لكن يبدو أن الحسابات الأميركية تغيرت بشكل كبير منذ ذلك الحين، فقد سجل الروس تقدماً كبيراً في شرق أوكرانيا، ويهددون بتوسيع عملياتهم ويقصفون خاركيف، ثاني أكبر مدن أوكرانيا، وتسببوا في إغلاق محطة طاقة نووية ضخمة، بينما لا تبدو في الأفق بادرة أمل على إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار، ولأن الولايات المتحدة والغرب عموماً تعهدوا بعدم السماح بفوز روسيا بالحرب، اتجهت الولايات المتحدة وحلفاؤها في "الناتو" إلى منح أوكرانيا طائرات مقاتلة غربية للمرة الأولى من نوعها، وتدريب طياريها لمساعدة قواتها في محاربة روسيا، وفقاً لما كشف عنه رئيس أركان القوات الجوية الأميركية، الجنرال سي كيو براون، خلال منتدى "أسبن" الأمني السنوي الذي يعقد بولاية كولورادو الأميركية.
طائرات غربية متنوعة
وعلى الرغم من أن كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين لم يفصحوا عن عدد الطائرات، فإنه بدا من تصريحاتهم، أن دولاً عدة يمكن أن تزود أوكرانيا بطائرات بعضها متطور والآخر قديم نسبياً، وحدد الجنرال براون للصحافيين بعض أنواع الطائرات مثل "غريبن" السويدية، وطائرة "رافال" الفرنسية الصنع، و"يوروفايتر تايفون" التي تصنعها دول أوروبية عدة، وعلى الرغم من محاولته التعتيم حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستزود أوكرانيا بطائرات مقاتلة، لم ينكر براون رغبة الولايات المتحدة وحلفائها في مساعدة أوكرانيا على بناء قوتها الجوية وتدريب طياريها، كما أن وزير القوات الجوية الأميركية فرانك كيندال، قال إن إرسال طائرات مقاتلة أميركية قديمة إلى أوكرانيا أمر محتمل، ولم يستبعد اقتراح إرسال طائرة دعم جوي قريبة من طراز "أي 10".
ومع ذلك، يظل خيار إرسال طائرات أميركية من طراز "أف-16"، أو "أف-15"، والتي طلبها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مراراً، خياراً مطروحاً على الطاولة بخاصة أن القوات الجوية الأميركية تعتزم إحالة 47 طائرة من طراز "أف-16" إلى التقاعد هذا العام.
سبب التحول
ووصفت مجلة "نيوزويك" الأميركية خطوة إرسال طائرات غربية مقاتلة إلى أوكرانيا بأنها ستزيد من المشاركة الغربية في الحرب وتمثل خروجاً عن الاستراتيجية التي اتبعتها الإدارة الأميركية في السابق، حين استبعدت إدارة بايدن صفقة يتم بموجبها تسليم مقاتلات "ميغ" البولندية إلى أوكرانيا مقابل طائرات "أف-16" أميركية الصنع، غير أن الجنرال براون أوضح في تفسيره عن توقيت هذه الخطوة أن إرسال طائرات "ميغ" البولندية ليست خياراً جيداً على المدى الطويل، وسيكون من الصعب الحصول على قطع غيار لها في المستقبل، وهو ما أشار إليه أيضاً وزير القوات الجوية كيندال من أن أوكرانيا ستحتاج إلى تحويل قوتها الجوية بعيداً من مقاتلات "ميغ" و"سوخوي" الروسية القديمة، لأنه مع قطع إمداد روسيا بقطع غيار طائرات "ميغ"، سيتعين على أوكرانيا أن تنتقل في نهاية المطاف إلى مقاتلات أخرى غربية.
وهناك على ما يبدو سبب آخر أفصح عنه وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال مؤتمر صحافي في البنتاغون، حيث أشار إلى أن تزويد القوات الأوكرانية بأنظمة الأسلحة التي يحتاجون إليها يتطلب التأكد من إمكانية دمج هذه الأنظمة للعمل معاً بشكل فعال في القتال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غير أن السبب الأكثر إلحاحاً، هو أن موسكو تتمتع بتفوق جوي كبير على تشكيلة القوات الجوية الأوكرانية من طائرات الحقبة السوفياتية مثل طائرات "ميغ-29"، وطائرات أخرى من حقبة الحرب الباردة، ولهذا، ترغب الولايات المتحدة وحلفاؤها في مساعدة أوكرانيا على بناء قوتها الجوية لتحدي القوات الجوية الروسية والحفاظ على استدامة القدرات القتالية لدى الطيران الحربي الأوكراني.
تدريب الطيارين
وعلى الرغم من أن تدريب الطيارين الأوكرانيين على قيادة الطائرات الأميركية والغربية سيكون أصعب قليلاً، بالنظر إلى أن تحويل طيار أوكراني من نظام سوفياتي إلى طائرة مقاتلة أميركية يستغرق فترة أطول مقارنة بفترة شهرين إلى أربعة أشهر لتدريب طيار أميركي، فإن الأمر قد يستغرق فترة أطول، لأن التعديل القانوني الذي أقره مجلس النواب بتخصيص زيادة قدرها 100 مليون دولار لتدريب الطيارين الأوكرانيين، يتطلب مراجعة وموافقة مجلس الشيوخ وهو ما قد يستغرق أشهراً.
ومع ذلك، فقد تجاوز الغرب تردده في إمداد أوكرانيا بقوات جوية، وتغلب على خوفه من أن يمتد الأمر إلى تصعيد إضافي في الصراع مع الكرملين إلى حرب بين روسيا وحلف شمال الأطلسي.
التأثير على الحرب
من وجهة نظر الغرب، فإن روسيا قد تجد صعوبة في المرحلة المقبلة من المعارك ومن بينها السيطرة الجوية، فقد كشف ريتشارد مور، رئيس جهاز الاستخبارات السرية في المملكة المتحدة، "أم أي 6"، أنه من المرجح أن يبدأ الجيش الروسي وقف عملياته في أوكرانيا خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، ما يمنح كييف فرصة رئيسة للرد، وإذا تم استكمال تدريب الطيارين الأوكرانيين وإرسال الطائرات المقاتلة الغربية إلى أوكرانيا، فلا شك أنه سيكون هناك تأثير مباشر على سير المعارك الحربية، ففي مارس الماضي، بعد أسبوعين من بدء الحرب، كانت هناك 56 طائرة مقاتلة أوكرانية فقط تحلق لمدة تتراوح بين خمس و10 ساعات يومياً، وفقاً لمسؤول دفاعي أميركي كبير، وكان هدف الطيارين الأوكرانيين أن تكون لديهم القدرة على وقف صواريخ "كروز" الروسية، ولهذا السبب دفعت كييف للحصول على طائرات "أف-15"، و"أف-16" الأميركية بأسرع وقت.
تفوق جوي روسي
وتعد القوة الجوية الروسية أكبر بـ10 مرات من القوة الجوية الأوكرانية، إذ تمتلك روسيا أكثر من 4 أربعة آلاف طائرة بينما تمتلك أوكرانيا أكثر من 300 طائرة، بما في ذلك نحو 1500 طائرة هليكوبتر لدى روسيا، ونحو 100 طائرة هليكوبتر لدى أوكرانيا، ونحو 800 طائرة مقاتلة لدى روسيا، و70 طائرة مقاتلة لدى أوكرانيا، وأكثر من 700 طائرة هجوم أرضية روسية، في مقابل نحو 30 طائرة هجومية أرضية أوكرانية، وفقاً لموقع "ستاتيستا".
ويتكون الأسطول الجوي الروسي من العديد من الطائرات المقاتلة من الجيل الرابع، بما في ذلك الإصدارات الأكثر تقدماً التي تم إنتاجها في السنوات الأخيرة، وتشمل هذه طائرات من طراز "سوخوي-27"، و"سوخوي-30"، و"سوخوي-35"، وطائرات "ميغ-29"، و"ميغ-31"، في حين أن أسطول أوكرانيا عفا عليه الزمن، وتشمل طائراتها المقاتلة من الجيل الرابع طراز "ميغ-29"، والتي تم تصميمها في السبعينيات، وطائرات هجومية من طراز "سوخوي-24"، تم تصميمها في الستينيات، وأخرى هجومية من طراز "سوخوي-25"، تم تصميمها في السبعينيات.
سيطرة منقوصة
وفي حين توقع بعض المحللين أن روسيا ستقضي على القوات الجوية والدفاع الجوي الأوكرانيين في الأيام الأولى من الحرب، إلا أن هذا لم يحدث، لأن أوكرانيا ما زالت تمتلك غالبية طائراتها العسكرية، وهو ما ساعد في حماية الجنود الأوكرانيين على الأرض ومنع قصف أوسع للمدن وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز".
وبعيداً من المبالغات في رصد خسائر الطرف الآخر بعد ما يقرب من خمسة أشهر، فإن إحدى أكبر مفاجآت الحرب في أوكرانيا هي فشل روسيا في هزيمة القوات الجوية الأوكرانية، وتدمير أو شل الدفاعات الجوية والطائرات العسكرية الأوكرانية التي تحلق غالباً من ممرات جوية في غرب أوكرانيا، ومن المطارات التي تعرضت للقصف، ولكنها تحتفظ بمدرج كاف للإقلاع أو الهبوط أو حتى من الطرق السريعة، كما يقول المحللون.
أمل في تغير مستقبلي
ويعتقد أن روسيا تنفذ نحو 200 طلعة جوية يومياً بينما تنفذ أوكرانيا من خمس إلى 10، ومع ذلك، لا يزال هناك تأثير للقوات الجوية الأوكرانية، ومن ثم، فإن وصول العديد من الطائرات الغربية المقاتلة سيقوي شوكة الأوكرانيين، ولكنه قد لا يؤدي بالضرورة إلى تغيير موازين القوة لصالح أوكرانيا. ويشير ديف ديبتولا، عميد معهد "ميتشل" لدراسات الفضاء والمخطط الرئيس للهجوم في الحملة الجوية لـ"عاصفة الصحراء" في العراق، إلى أن الأداء الرائع للطيارين الأوكرانيين ساعد في مواجهة خصومهم من حيث العدد.
وفي غياب القتال الجوي المتلاحم الذي أصبح نادراً في الحروب الحديثة، تصبح فرص استمرار الطائرات المقاتلة الأوكرانية قائمة، فهناك أمثلة معزولة فقط في العقود الأخيرة على القتال الجوي المتلاحم، فالطيارون الأميركيون، على سبيل المثال، لم يجروا معارك جوية مكثفة منذ حرب العراق الأولى في عام 1991، ومنذ ذلك الحين، انخرطت الطائرات المقاتلة الأميركية في قتال جوي خلال مناسبات قليلة فقط، حيث أسقطت 10 طائرات في حروب البلقان وطائرة واحدة في سوريا.
أما في أوكرانيا فقد كانت معظم المعارك الجوية ليلية، حيث تهاجم الطائرات الروسية في الظلام عندما تكون أقل عرضة للدفاعات الجوية، ويأمل الأوكرانيون تحسن وضعهم العسكري من خلال سيطرة أفضل على السماء الأوكرانية عندما يقرر الغرب والولايات المتحدة منح أوكرانيا طائرات مقاتلة متطورة غربية.