يستضيف "مركز الصورة المعاصرة" في القاهرة معرضاً تحت عنوان "استحضار الغياب" وهو عرض لمشروعات فنية لثلاث فنانات. الأعمال هي امتداد لمشاريع سابقة قُدمت خلال السنوات القليلة الماضية، أي أنها تمثل جانباً من بحث المشاركات الثلاث في مساحة مختلفة تخص اهتماماتها البصرية. ما يجمع بين هذه المشاريع هو السعي لاستدعاء فترات زمنية مختلفة من طريق الصور والمواد الوثائقية والكولاج والتجهيز. ترصد الأعمال انعكاسات هذه الفترات الزمنية المتقاربة وتقاطعاتها مع اللحظة الراهنة بكل تعقيداتها. تتشارك الأعمال كذلك في تتبعها للجانب النسوي لهذه الفترات الزمنية، ليس من قبيل الحنين إلى الماضي، بقدر ما هو محاولة للفت الانتباه إلى تلك الروابط الممتدة بين الحاضر وذلك الماضي القريب، وكيف يُعاد تمثيله أو تدويره من جديد.
في عملها التجهيزي تستدعي الفنانة راوية صادق سيرة النسوية المصرية الرائدة درية شفيق عبر مجموعة من الوسائط المختلفة، من صور فوتوغرافية ومواد أرشيفية ونصوص. ودرية شفيق هي واحدة من الرائدات البارزات في العمل السياسي والنسوي في مصر، ناضلت لسنوات هي وأخريات كي تمنح المرأة المصرية حق التصويت. في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي تم منعها من العمل العام وحددت إقامتها، فعاشت شفيق في عزلة تامة حتى انتحارها عام 1975. تتقاطع المواد والكتابات والصور التي تخص المناضلة المصرية هنا بالتاريخ الشخصي للفنانة، إذ تتضمن هذه المواد كتابات ورسوماً على حواشي الكتب وصوراً فوتوغرافية عائلية قديمة لجدها وجدتها ووالديها، إضافة إلى عدد من اللوحات. هذا الاستدعاء لسيرة النسوية الرائدة درية شفيق يلفت النظر إلى وقائع مشابهة تتكرر باستمرار في مسيرة المبدعات والمبدعين الذين يتخذون موقفاً مستقلاً عن التحيزات السلطوية.
شيخوخة واكتئاب
راوية صادق من مواليد العام 1952، وهي فنانة بصرية ومتَرجمة عن الفرنسية والإنجليزية. تهتم بالعمل الفني التفاعلي المتعدد الوسائط في التعامل مع سرديات تاريخية وثقافية معاصرة. شاركت صادق في ورش فنية متنوعة، وشاركت أجزاء من مشروعها وعملها "عن الصدفة والشيخوخة والاكتئاب" الذي أقيم في تاون هاوس غاليري في القاهرة، وشاركت كذلك بسلسلة من المطبوعات في ستديو روزنامة في مدرار.
يمتد هذا الاستدعاء من قبل الفنانات المشاركات للتواريخ القديمة من خمسينيات القرن الماضي حتى التسعينيات منه. فمن السيرة الذاتية لدرية شفيق إلى حال الطبقة المتوسطة في ثمانينيات القرن الماضي في عمل الفنانة هاجر عز الدين. تحت عنوان "خيالات منزلية" تستدعي عز الدين عبر عملها التجهيزي الجماليات المنزلية لنساء الطبقة الوسطى في مصر في ثمانينيات القرن الماضي. عبر سلسلة من الأعمال السابقة تتبعت عز الدين التفاصيل المتعلقة بنساء هذه الطبقة وشواغل هؤلاء النساء واهتماماتهن الصغيرة داخل البيوت، عبر لقاءات متعددة مع بعضهن. يضم هذا المشروع الممتد صوراً ومواد أرشفية وأدوات منزلية وأعمالاً فنية. تسعى الفنانة هنا لمحاكاة الاختيارات الجمالية لهذه النساء عبر إعادة صوغ بعضها. تعمل الفنانة هاجر عزالدين ما بين وسائط فنية متعددة، وهي حاصلة على درجة الماجستير حول التمثيلات البصرية للمرأة في الفنون المعاصرة في مصر. وقد طُور جانب من هذا البحث في مؤتمر المنهجيات البصرية للمدينة بمعهد سنغافورة للتكنولوجيا.
المشروع الثالث للفنانة نادية منير ويحمل عنوان "ألبوم اللاوعي" يعتمد هذا المشروع على الصوة الفوتوغرافية. تستدعي الفنانة هنا ذكرياتها الشخصية عبر عدد من الصور الفوتوغرافية القديمة التي تخص عائلتها. لا تكتفي منير بهذا الاستدعاء، بل تحاول محاكاته عبر تمثيلات فوتوغرافية مشابهة تؤدي خلالها الفنانة دور الأب أوالأم. من خلال عرض هذه الصور وتمثيلها تستكشف الفنانة علاقتها بوالديها، وتأثير تلك العلاقة على ذاكرتها الشخصية وعلاقاتها الاجتماعية. الفنانة نادية منير من مواليد عام 1988، وهي تعمل في مجالي التصوير الفوتوغرافي والفيديو. تهتم منير في أعمالها بتمثيل الذات من خلال استكشاف جوانب الحميمية والرقابة وتمثيلات الذوات رقمياً وأداء الجسم في المجالين العام والخاص.